عامر عبد السلام
تصدير المادة
المشاهدات : 3063
شـــــارك المادة
بات ريف إدلب ملجأً للسوريين الهاربين من قصف الطائرات الروسية، هناك ترى نازحين للمرة الأولى والثانية وربما أكثر، جميعهم يبحثون عن الأمان، يحمل أحمد (عشر سنوات) حصيرة قديمة، ويسير بين التلال باحثاً عن المكان الأنسب لبسطها. على هذه الحصيرة، ستقيم عائلته الصغيرة المؤلفة من والدته وشقيقته، بعدما فقد أباه خلال القصف الروسي على منطقة ريف حلب (شمال سورية) في ريف إدلب (شمال سورية)، صارت الأرض بمثابة وطن جديد لأحمد، هو الذي فتح عينيه على مشاهد الأشلاء والدماء وأصوات الرصاص.
من ريف حلب المشبع بالدم، إلى ريف إدلب حيث القذائف والقصف، لم يعرف أحمد منذ خمس سنوات معنى أن يكون طفلاً، أحمد وغيره من الأطفال، توزعوا على أراض في ريف إدلب، وتقدّر منظمات الإغاثة وصول نحو 30 ألف نازح خلال الأيام الأخيرة، في وقت يواصل فيه الآلاف من أهالي وسكان ريف حلب الشمالي تدفقهم إلى مناطق محافظة إدلب، تزامناً مع استمرار القصف الجوي من الطائرات الحربية الروسية وقوات النظام، في محاولة لإحكام السيطرة على ريف حلب الشمالي.
أبو حسن، وهو أب لطفلتين، فقد زوجته خلال القصف الروسي على قريته، وهو يعاني من أوضاع صعبة، انتقل وعائلته إلى غرفة غير مجهزة. لا يمكن إغلاق النوافذ والأبواب، ولا يستطيع تأمين الدفء لابنته التي لم تتجاوز السادسة من عمرها، لا تملك غطاء إلا ما كانت ترتديه أثناء الهرب.
يقول أبو محمد الحلبي إن العائلات اضطرت للسكن في بيوت قيد الإنشاء، أو مدمرة جزئياً بفعل القصف، علماً أن ليس فيها أي خدمات، يضيف: "هربنا من الطائرات الروسية إلى البرد والمرض ونقص العناية الطبية. جميع هذه العوامل تؤثر على الأطفال والمسنين، عدا عن قلة الطعام وندرة مياه الشرب"، ويوضح أن فرق الإغاثة تحاول جاهدة تأمين مستلزمات الحياة الأساسية للأهالي، إلا أن الأعداد الكبيرة المتدفقة، وبشكل يومي، تجعل الأمر صعباً إلى درجة كبيرة.
في السياق، تؤكد مديرية الإغاثة في إدلب في بياناتها أنها طلبت المساعدة لإيواء ومساعدة النازحين القادمين بشكل يومي إلى المحافظة من ريف حلب، محذرة من كارثة إن لم تتحرك المنظمات الدولية للمساعدة، وتلفت إلى أن أهالي محافظة إدلب استقبلوا عدداً كبيراً من العائلات، وبات هناك أربع أو خمس عائلات في المنزل الواحد، كذلك، امتلأت المدارس والمساجد بالنازحين، فيما أقامت المديرية عدداً من المخيمات، علماً أن كل ذلك لم يعد كافياً، وتؤكد على أن "الوضع مأساوي" وسيزداد سوءاً في حال لم يتوقف القصف الروسي والهجمات على مناطق ريف حلب الشمالي من جهة، ولم تقدم مساعدات كافية من جهة أخرى.
طوارئ:
إلى ذلك، أصدرت فرق الإغاثة والشرطة المحلية الحرة في المحافظة عدداً من البيانات، داعية مراكز الإغاثة المنتشرة في المحافظة إلى الاستنفار ومساندة المؤسسات التعليمية والدينية لاستقبال النازحين وحفظ الأمن، كذلك، ناشدت جميع المراكز لتكثيف التعاون مع المجالس المحلية والمنظمات الإغاثية والإنسانية في المناطق التي يقصدها النازحون الجدد، بهدف مساعدتهم وتوثيق أسمائهم، وتوزيع المساعدات على النازحين وتلبية مطالبهم.
وتلفت مديرية الإغاثة في المحافظة إلى أنها استقبلت خلال الأيام القليلة الماضية أكثر من 30 ألف نازح من ريف حلب الشمالي، معظمهم من الأطفال والنساء، وقد عمل الكثير من أهالي المنطقة على تأمين السكن للنازحين، فيما اضطر بعضهم إلى اللجوء إلى المدارس والمساجد، أم سعد الدين، وهي أم لأربعة أطفال، فقدت زوجها منذ عامين أثناء الهجوم على مدينة أعزاز، ولم تجد غير ساحة عامة لتجلس فيها بعدما لم تجد أي مكان في مسجد أو مدرسة. تقول إن الناس "يعيشون فوق بعضهم بعضاً، السقف المهترئ في المدرسة لا يمنع عنهم المطر أو البرد، السماء وحدها تحمي الأطفال". وتشير إلى أنه حين تمطر، تجلس وأطفالها تحت سقف المسجد القريب، لتعود إلى الساحة مع انقطاعه.
أما أبو عبدو، وهو أب لستة أطفال، فيقول إنه "اضطر إلى النوم مع الحيوانات". هذا الرجل وجد نفسه مجبراً على النزوح بسبب القصف الروسي. ويشير إلى أن "الحيوانات أحن عليّ من القذائف والصواريخ". ويوضح أن هذا نزوحه الرابع، من القصير إلى القلمون إلى حلب، وها هو ينزح اليوم إلى إدلب. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنه مصر على البقاء في سورية. في النهاية، ستنتهي الحرب ويعود إلى القصير.
من جهته، يحكي أبو راغب عن رحلة نزوحه من ريف حلب الشمالي إلى ريف إدلب. يقول إن "رحلة النزوح من مدننا كانت صعبة. فالطائرات تقصف من كل صوب، ولم يكن التحرك بصحبة النساء والأطفال أمراً سهلاً. لكن بمجرد أن وصلنا، صرنا نأمل فقط أن نجد الأمان والحياة الكريمة".
نازحون يستقبلون نازحين:
عاد الكثير من نازحي إدلب الذين كانوا قد هربوا منها بسبب قصف قوات النظام وبراميله المتفجرة، وما إن عادوا حتى استقبلوا نازحين من المدن الأخرى. ويزداد أعداد هؤلاء يوماً بعد يوم، ففتحوا بيوتهم لاستضافتهم، وخصوصاً أن الطيران الروسي يوسع ضرباته الجوية، وتستمر آلة القتل الحربية بحصد الأرواح وتدمير كل شيء.
في وقت سابق، قصف الطيران الروسي العديد من الأبنية في محافظة إدلب. واليوم، عاد السكان إليها، وها هم يحاولون إعادة تأهيلها ليصبحوا قادرين على العيش فيها واستقبال النازحين. هؤلاء يشعرون بالخوف من الاضطرار إلى النزوح مجدداً، أبو جمال، وهو أب لثلاثة أطفال، قد اضطر إلى النزوح ثلاث مرات في وقت سابق، يقول: "هذا نزوحنا الرابع. لجأنا من ريف اللاذقية إلى ريف حلب والآن إلى ريف إدلب، ولا نعرف أين يمكن أن تستقر بنا الأمور. لدينا حقيبة صغيرة نضع فيها بعض الملابس لكل طفل، ونسعى باستمرار لإيجاد عمل في أي مكان نستقر فيه، لكن ليس باليد حيلة".
ويقول المسؤول في إحدى المنظمات الإغاثية حمد الحسين "إننا نسعى إلى تأمين حياة أفضل للنازحين، في ظل شتاء شديد البرودة"، يضيف أن هناك عددا كبيرا من العائلات النازحة تعيش في مساكن غير مؤهلة أو خيم ممزقة، و"لا يسعنا إلا العمل على تأمين سكن مناسب لحمايتهم من البرد والمطر"، ويشير إلى أن الهجمات العسكرية المتكررة بحق المدنيين تخلق حالة من الفوضى، كذلك، فإن عدد النازحين الكبير وتدفقهم المستمر، يجعل تأمين مستلزمات الحياة الأساسية بشكل سريع أمراً صعباً للغاية، من جهة أخرى، يوضح "أننا نحاول حمايتهم من أي عمل تخريبي من قبل المندسين أو المخربين من قوات النظام".
ويؤكد الحسين أن عدداً من المنظمات المحلية في المحافظة ناشدت تلك الدولية بتقديم الدعم والإيواء للنازحين، وخصوصاً بعدما تحولت إدلب إلى عاصمة نزوح لجميع المدن والبلدات السورية، يضيف أن هناك نازحين من مضايا والزبداني والقصير وريف اللاذقية. واليوم، "نشهد موجة نزوح كبيرة من ريف حلب، ليصبح الوضع الإنساني صعباً جداً بسبب عدم وجود مساكن مناسبة لهذا العدد الكبير من العائلات من جهة، وعدم توفر مواد غذائية وطبية كافية من جهة أخرى".
ويتابع أن عدداً كبيراً من المنظمات الإنسانية تنتظر وصول النازحين واستقرارهم قبل تقديم المساعدات. ويشير إلى أنه لا وقت محدداً لوصول غالبية النازحين، فمنهم من يصل صباحاً ومنهم من يصل بعد منتصف الليل أو ظهراً، ويلفت إلى أن جميع هذه الأمور تؤدي إلى خلق أزمة كبيرة في السكن بالإضافة إلى أزمة تأمين الغذاء.
ويحذّر الحسين من كارثة إنسانية كبيرة إذا لم تسعف المنظمات الإنسانية محافظة إدلب، ويلفت إلى أن المنظمات الإغاثية المحلية عاجزة عن تأمين السكن، بعدما امتلأت المساجد والمدارس والمباني الحكومية بالنازحين، من جهة أخرى، يشير إلى وجود عجز في تأمين المواد الإغاثية، وإن كان هناك لجان لتأمين معيشة الناس والخدمات والمساعدات الإنسانية، ويوضح أن "المدارس تستغل بطرق مختلفة، علماً أن العام الدراسي لم ينته بعد، ويشعر التلاميذ بالتوتر والقلق بسبب الضجيج أثناء الدوام، لكن في بعض الأحيان، يصبح الوضع الإنساني أهم من التعليم".
العربي الجديد
الشرق الأوسط
محمد خير
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
أسرة التحرير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة