..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اخبار الثورة

معضمية الشام .. معركة "الأمعاء الخاوية" القادمة

ربيع الخطيب

١٢ يناير ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3407

معضمية الشام .. معركة
1452514155.jpg

شـــــارك المادة

هدد نظام الأسد مؤخراً أهالي مدينة معضمية الشام المحاصرة وثوارها، إما "الاستسلام دون شروط أو الاقتحام والحرب المفتوحة والحصار الخانق حتى الموت"، كما هي الحالة في بلدة مضايا، تعيش المعضمية الآن على أعتاب حرب قذرة بكل المقاييس، حيث حياة خمسة وأربعين ألفاً من المدنيين الموجودين داخلها باتت تحت نار النظام، الذي أمن على نفسه من هذا العالم المليء بالمنظمات والهيئات والمجالس التي تدّعي حماية الإنسان وحقوقه.

 

في وقت أثبت فيه الثورة السورية أن ما تسمى بالإنسانية أضحت في عداد الأموات منذ سنواتٍ خمسٍ جدّ عجاف، ومن هنا وفي هذه الظروف الخطيرة التي تمر بها الثورة السورية، وتمر بها معضمية الشام أحد أهم حصون الثورة وقلاعها كان الاستسلام المطلق للوضع الراهن، واليأس ممن يدعون أنفسهم بأنهم معارضة سواء في الخارج أو في الداخل بشقيها السياسي والعسكري، هو سيد الموقف لدى أهالي مدينة معضمية الشام وثوارها.
المعضمية والهدنة الهشة:
بالعودة إلى الوراء وبتاريخ 25/12/2013 كان أن عُقدت هدنة بين النظام من جهة ومعضمية الشام من جهة أخرى بعد حصار أودى بحياة حوالي خمسة عشر من أهالي المدينة بينهم أطفال جراء الجوع، كانت شروط الهدنة واضحة وهي وقف إطلاق النار من الجانبين وتسليم بعض قطع السلاح المتوسط مقابل فك الحصار ودخول المواد الغذائية، والسماح للأهالي بالعودة إلى بيوتهم، وعدم التعرض لأحد منهم، على أين يبقى كلٌ في موضعه، إن كان النظام أم الثوار.
هنا وفي موضوع الهدنة سعى النظام جاهداً لإنجاحها ليتخذ منها مثلاً يقوم بتعميمه على باقي المناطق خاصة في محيط دمشق، ليخفّف الضغط الهائل الذي كان يعانيه على أطراف العاصمة من جميع الجهات خاصة الغوطة الشرقية والأحياء الجنوبية، ونجح بالفعل، فيما كانت هدنة معضمية الشام خطأً فادحاً ما كان يجب أن يرتكب رغم المعاناة التي كانت تشهدها المدينة، لما حمل من تبعات على الريف الدمشقي ومحيط دمشق ومناطق أخرى.
وهنا لا ننسى محاولات النظام الدائمة والمستمرة لجس نبض ثوارها على الثغور ومحاولات اقتحامه المستمرة طيلة فترة الهدنة، هذه المحاولات التي دائماً ما كانت تلاقي الرد القاسي والجهوزية الكاملة من الثوار، ومن خلال الهدنة ومع عودة القسم الكبير من أهالي المدينة بدأ النظام لعبة شد الحبل تارة وإرخائه شيئاً ما تارة أخرى، محاولاً الحصول على المزيد من المكاسب.

فيما كانت المشكلة الكبرى التي تنغص الهدنة بين الفينة والأخرى، هي محاولات النظام الفصل بين المعضمية وداريا عبر طلبه إقامة حواجز مشتركة من قواته وثوار المعضمية في محاولة منه لجر داريا إلى هدنة تريح جانبه وتؤمن مدخل دمشق الغربي، هذه المحاولات التي كانت تجد جواباً قاطعاً بالرفض من قبل المشرفين على معضمية الشام والأهالي، رغم كل التهديد والوعيد وإغلاق المعبر أكثر من مرة.
التوأمة مع داريا:
تكاد تكون معضمية الشام وداريا المدينتان الوحيدتان في الريف الغربي لدمشق اللتان تتداخلان عمرانياً في المنطقة الواقعة جنوب المعضمية وشمال داريا، لتتحدان مع بعضهما في هذه المنطقة كمدينة واحدة، فيما تعتبر هذه المنطقة سر قوة هاتان المدينتان، حيث شكلتا منذ اليوم الأول جبهة واحدة، حتى منذ زمن التظاهرات السلمية التي كثيراً ما التقى فيها أبناء المدينتين معاً في تظاهرة واحدة.
فكرة الجبهة الواحدة بدأت تتركز أكثر فأكثر منذ الحملة العسكرية التي بدأها النظام في محاولة اقتحام داريا، ومناصرة ثوار المعضمية لها والذين قدموا على جبهتها نحو خمسمئة شهيداً تقريباً، ثم بدء النظام حملته لاقتحام المعضمية أيضاً في خطوة تهدف لتشتيت ثوار المدينتين عله يقتحمهما سوياً، فيما كان الفشل هو العنوان حتى اللحظة.
هذه الجبهة الواحدة المتماسكة بين المعضمية وداريا هي ما يحاول النظام الآن في هذه الأوقات شقها والفصل بينها، مستخدماً آلته العسكرية بكل ثقلها المدعومة بالتكنولوجيا والطيران الروسي، والميليشيات الأجنبية من إيران وحزب الله وغيرهم، حيث باتت هذه المنطقة الآن هدفاً لخطوة جديدة في مشروع التغيير الديموغرافي الذي يعمل النظام عليه في محيط دمشق، ابتداءاً بالزبداني وليس انتهاءاً بالمعضمية وداريا.
أسلحة جديدة واستراتيجية جديدة:
بالعودة إلى الأحداث الجارية الآن في معضمية الشام، فقد بدأ النظام 03/11/2015 حملته العسكرية الحالية على الجبهة الجنوبية الغربية من المدينة، والتي يطلق عليها الثوار "جبهة الشياح" -نسبة لاسم المنطقة من غابة الزيتون هناك- بهدف التقدم باتجاه الشرق وصولة إلى "جبهة الأثرية"، وبهذا يكون قد تم له ما يريد من فصل مدينة داريا عن معضمية الشام بشكل كامل.
منذ بدء المعارك استخدم النظام أنواعاً جديدة من الأسلحة، تحت غطاء جوي روسي كثيف، وسط كثافة نيران عالية من مدفعية وغيرها، فيما كانت البراميل المتفجرة على غير عادتها تحقق إصاباتها بدقة عالية مستهدفة مناطق الاشتباك، كما أن النظام يستخدم كاسحة ألغام بارتفاع يصل لسبعة أمتار ووزن يتجاوز الثمانين طناً تردم ما تجده من أنفاق ولا تتأثر بقاذفات "آر بي جيه" التقليدية، وخلفها مدرعات ودبابات وآليات محصنة تحصيناً عالياً.
27 شهيد و130 جريح:
تشير الاحصاءات إلى أن عدد الشهداء الثوار الذين استشهدوا على هذه الجبهة منذ ثلاثة أسابيع تقريباً بلغ سبعة وعشرين، فيما بلغ عدد الجرحى في هذه الأسابيع نحو مئة وثلاثين، كما استهدف النظام هذه المنطقة بتاريخ 22/12/2015 ببرميل يحوي غاز السارين أسفر عن مقتل خمسة من المدنيين، هذا الغاز والذي سبق ومنع استخدامه بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بينما كان عدد البراميل التي سقطت على هذه الجبهة منذ تاريخ بدء الحملة العسكرية على الجبهة الجنوبية يصل للمئات، حيث كانت تبلغ الخميس برميلاً تقريباً في يوم واحد.
هذا الوضع الميداني وهذه الإحصاءات لا تنبئ بخير قادم على جبهة المعضمية داريا بحسب الواقع الحالي، بالتزامن مع دخول الروس على الساحة السورية بكل قوة، كيف لا وفلاديمير بوتين قيصر روسيا الحالي والذي يصنفه البعض بنفس الخانة مع هيتلر، يقود الدبلوماسية الروسية نحو أمجاد السابق وفق عقلية الحرب العالمية الثانية، وما قبل الحرب الباردة.
كارثة إنسانية في الأفق:
لا أظن أننا بحاجة للسؤال من أجل معرفة الوضع الإنساني الدقيق والسيء لدرجة ما بعد الكارثة لمدين تعاني من الحصار والجوع والحرمان والقتل سواء معضمية الشام أمم أي مدينة سورية محاصرة، ولكن بسؤالنا أحد أعضاء الفريق الطبي "عمر الحكيم" عن الوضع الإنساني الحالي في معضمية الشام، أخبرنا أن الدواء ممنوع عن المدينة منذ خمس سنوات تقريباً.

وما كان يدخل تهريباً يكلف عشرة أضعاف سعره ولا يغطي ولو جزءاً يسيراً من الحاجة، كما يمنع النظام المحروقات التي تشغل المشفى الميداني منذ ثلاث سنوات، حيث يكلف سعر ليتر المازوت من أجل المشفى حوالي 3500 ليرة سورية أي بحدود خمسة وعشرين ضعفاً عن ثمنه في العاصمة التي لا تبعد عن المعضمية سوى عشرة كيلومترات.
أغلق النظام المعبر الوحيد للمدينة بتاريخ 26/12/2015 ، تاركاً الخمسة وأربعين ألفاً من المدنيين لمصيرهم المجهول والذي تحدده الآلة العسكرية. لا يوجد أي نشاط اقتصادي مهما كان بسيطاً حتى على مستوى محلات لبيع أساسيات الحياة، فالبطالة تصل نسبتها حد الـ 100 بالمئة. وحتى البساتين التي زرعها الناس ليجنوا منها محصولاً يكون لهم عوناً على ظروف الحياة القاسية، كانت البراميل المتفجرة له بالمرصاد لتحيل الزرع إلى أثر بعد عين. حيث لم يبق للأهالي إلا الخضراوات المزروعة في حدائق المنازل والتي لا تسد الرمق. 
وما ينطبق على المدينة من حصار يستهدف بالدرجة الأولى الأطفال، فلا حليب لهم ولا غذاء ولا أية مستلزمات تخصهم ويحتاجونها مهما كانت بسيطة. فيما تعمل المدارس والتي تحوي نحو سبعة آلاف طالب تحت إشراف الأمم المتحدة، والتي ينقصها الكثير أيضاً.
لماذا المعضمية الآن؟:
الحديث عن استراتيجية النظام بعد التدخل الروسي القوي على كامل التراب السوري ليس كما هو قبلها، حيث بات النظام لا يستخدم إلا لغة القوة منطلقاً من التدخل الروسي الذي يصفه السوريون بالاحتلال، فلم نعد نسمع أن النظام يفاوض منطقة ما على هدنة بين طرفين، إنما بات يفاوض على استسلام المناطق أو الترحيل والتغيير الديموغرافي أو مواجهة الموت.
من هنا أرسل النظام في الآونة الأخيرة وذلك بعد أن قتل قائد جيش الإسلام في الغوط الشرقية زهران علوش، الإعلامي المحسوب عليه "رفيق لطف" مع وفد من جانبه إلى المعضمية ليملي شروط النظام والتي تنص على تسليم الثوار لسلاحهم كامل وتسوية أوضاعهم وعودة مؤسسات النظام إلى داخل المدينة، أو انتظار الموت القادم لا محال والذي بدأت بوادره في الجبهة الجنوبية للمدينة.
معضمية - داريا قلاع الغوطة الغربية:
تعتبر جبهة معضمية الشام وداريا الآن أحد أهم قلاع الثورة خاصة في محيط دمشق، حيث ما تزال تعتبر الشوكة في وجه مخططات النظام والتي باتت تتضح أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة، إن على صعيد القضاء على القوى الثورية المقاتلة في محيط دمشق وريفها، أو على صعيد سياسة التغيير الديموغرافي واللعب على ضرب الحاضنة السنية للثورة بالقرب من العاصمة دمشق ضمن خطة تأمين حدود الكيان العلوي الممتد من الساحل مروراً بحمص وحدود لبنان إلى العاصمة دمشق، تطبيقاً لمفهوم "سوريا المفيدة" التي أطلقها بشار الأسد مؤخراً.
لذلك فقد وضع النظام خطته للقضاء على المعضمية وداريا بعد أن فرغ من جبال القلمون بالدعم العسكري الكبير من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، وبعد أن استكان له الوضع في أحياء دمشق الجنوبية، والغوطة الشرقية التي تقع تحت سيطرة جيش الإسلام، في الختام يجب القول إن مدينتي معضمية الشام وداريا الآن أحوج ما يكون إلى وحدة الصف خاصة على الجانب العسكري في ريف دمشق والغوطتين بوجه التحديد انطلاقاً من المقولة المشهورة، أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

 

 

 

أورينت نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع