سلوى الوفائي
تصدير المادة
المشاهدات : 6827
شـــــارك المادة
هنا الصراط المستقيم، فمن يريد العبور إلى الفردوس؟ هنا سجّل السفاح صفحة جديدة في سجّل انتصاراته، عشق لون الدماء، فخاطب الرعاع من أذنابه: امضِ قيس! هنا جرى آخر استفتاء حول ذبح العصافير، وذهب عشرات القتلة إلى صناديق الاقتراع، يمسكون السكين بيد، ورقاب العصافير باليد الأخرى، وصوّت الجميع بالنحر... في بلد السيد الواحد، الملك الواحد، الحاكم الواحد، ليس من الصعب أن تكتشف نتيجة الاقتراع قبل التصويت.
كم تضحكنا هذه الديمقراطية! بل كم تبكينا إلى حدّ الجزع! اذبحوا هذا العصفور، إنّه قليل الأدب، طويل اللسان، سلفيّ الانتماء، عميل متآمر ضد أمن الوطن وسيد الوطن، يغرّد بصوت عالٍ، نشاد، يغطي على صوت الرصاص القادم من بركان الحقد، لتسقط كلّ العصافير، وليبقى سيد الغناء، سيّد الفناء، سيد الدماء ... ترى ما هي العوامل النفسية التي تدفع رئيساً حاكماً إلى استصدار أمر باغتيال العصافير؟ إلى إصدار مرسوم بقطع الأكسجين عن أبناء شعبه؟ وأيّ عقدة تجعله لا يرى في المرآة سوى نرجسية ناركسيس، ولا يسمع سوى أصداء صوته، ولا يطرب لغناء سوى غناء الشهرزادات الجعفرية ؟؟؟ ولا يسمح بأشرطة طرب لم يسجلها بصوته الرخيم، ويأمر أجهزة استخباراته أن تصادر كلّ الأشرطة من الأسواق المحلية بتهمة التآمر ضد الحكومة وضدّ أمن الدولة وضدّ السلام الوطني ... لماذا يكره الأسياد كلّ الأصوات إلا صوتهم؟ لماذا يحقدون على أيّ جناح يرفّ في سماء هذا الوطن الفسيح؟ لماذا يطاردون البلابل حتى سور الصين العظيم؟ لماذا يغتالون عصافير الوطن ويسحلون جثثهم النازفة احتفالاً بالنصر؟ وأيّ نصر لصياد ماكر على عصفور ضعيف قابع في عشه الآمن ينتظر حبة القمح من فمّ أمّه الهائمة؟ جاؤوا له بمبادرة سلام ظنّ أنّها ستحمل إليه حبة القمح المنتظرة، والشهد والكورن فليكس الأمريكي، فوجد نفسه بعد أربعة عشر شهراً يأكل كسرات الخبز اليابس المتساقط من موائدكم العامرة، أصابه جوع تاريخي، وغرق في حزن تاريخي، مازال يعاني منه منذ أربعين عاماً، أربعون عاماً نزداد فقراً، نزداد قهراً، نزداد موتاً، ونزداد فوق كلّ ذلك إصراراً أن نموت لنكون سماد الأرض العطشى، لنكون نسغ الحياة لوطن يسكننا ولا نسكنه... فجأة صحونا بعد أربعين عاماً من النوم عطاشاً نرد أنهار الحياة لنروي ظمأ السنين، لنجد أنّ مياه العاصي وبردى قد تخضبت بالحمرة، تسأل الجمع ما سرّ هذا اللون يطغى على تضاريس الوطن؟ بعضهم قال: هذا دم العصافير، وبعضهم قال هذا دم الوطن، وبعضهم قال هذا دم الحرية، وكلّهم كانوا صادقين .... عصافير القبير حلّقوا أسراباً مهاجرة إلى رفاقهم الذين سبقوهم يوم مجزرة الحولة، ويوم مجزرة إدلب وجبل الزاوية ويوم مجازر عندان وأتارب، ويوم بابا عمرو والخالدية ودير بعلبة، ويوم الزباني ورنكوس وقورية،،،، وتتوالى أسراب الطيور المهاجرة، دون أن تلتقط لهم عدسات الفضائيات صورة واحدة، دون أن يذكرهم الذاكرون لحظة واحدة، دون أن يسأل سائل: لماذا تذبح العصافير والسماء تتسع لهم جميعاً؟؟؟ هي المعركة بين العصفور والسكين ... قديمة أزلية، لكنّ نظرة واحدة إلى الفضاء الرحب، إلى ملايين الطيور المحلّقة، كلّ صباح مشرق، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، تجعلنا ندرك أنّ المعركة تنتهي دوماً بانتصار العصافير ... قلنا أيام المجازر السابقة: يا عالم أنجدنا، يا عرب أغيثونا، يا مسلمون أقيلونا، لكن اليوم لن نقول سوى: يا الله خذْ من دمائنا حتى ترضى، إنْ لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نبالي، غير أنّ عافيتك أوسع لنا، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول و لا قوة إلا بك ...
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة