مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3536
شـــــارك المادة
الثورة السورية: خواطر ومشاعر (58) حافظ وبشار والحمار
-1- لمّا ثار أهل سوريا على بشار الأسد ذهب إلى أمه أنيسة وقال لها: أمي العزيزة، لقد ثار عليّ أهل ثوريا ولا أعلم كيف أخمد ثورتهم، ولكن أبي نجح في ذلك قبل ثلاثين ثنة عندما ثاروا عليه. أنا كنت يومها مراهقاً طائشاً أهبل ولم أتابع الأخبار بشكل جيد. أخبريني: كيف واجه الأزمة؟ قالت أنيسة: كل ما صنعه أبوك هو أنه ضرب بيد من حديد. لاحق الثوار فاعتقلهم وعذّبهم وقتّلهم، ومن فشل في اعتقاله اعتقل أخاه أو أباه أو عمّه أو خاله أو حَماه، ثم ضرب حماة بالمدافع وقصفها بالصواريخ فهدم منها ما هدم وقتل من أهلها من قتل، وبعد ذلك لم يجرؤ على اعتراضه أحد. -2- عاد بشار إلى مكتبه وضغط على الجرس فجاءه مدير مكتبه يسعى، قال له: أريد أن تجمع هنا رؤثاء أجهزة المخابرات وكبار قادة الجيش والأركان، ولا تنثَ أن تحضر أيضاً زعماء الشبيحة والعصابات من أقاربنا وأبناء العم والخال. في المساء كان الكل حاضرين، فألقى فيهم بشار كلمة موجزة -على عادته- طولها خمس ساعات وخمسون دقيقة فقط، شرح لهم فيها تفصيلات المؤامرة العالمية التي تتعرض لها البلاد وطلب منهم أن يواجهوها بأقصى عنف ممكن، فيطلقوا النار على المظاهرات، ويستهدفوا رؤوس الأطفال بالقنّاصات، ويعتقلوا المتظاهرين ويعذبوهم حتى يموت بعضهم من العذاب، ولا بأس في حصار المدن والقرى واقتحامها واستباحتها نهباً وقتلاً واغتصاباً وترويعاً وتدميراً، وإذا فشل ذلك كله فما على قادة الجيش إلا أن يقصفوها بالمدافع والدبابات. -3- بعد عشرة أشهر عاد بشار إلى أمه وقد كبر عشر سنين، قال لها منتحباً: أمي، ثاعديني، لقد فشلت. لماذا نجح أبي في القضاء على ثورة الثوريين ولا أثتطيع أنا ذلك؟ لقد كان الذين يتظاهرون ويهتفون منادين بإعدامي ألفاً فصاروا ألف ألف! كلما قتل رجالي منهم واحداً نبت محلّه عشرة. إن هتافاتهم تتراءى لي في منامي إذا نمت وتطنّ في أذني طول النهار… أكاد أفقد عقلي! قالت أنيسة: ويحك، وهل أطلقت النار على الناس وقتلت أطفالهم وأبحت لكلابك اغتصاب نسائهم أيها الغبي؟ قال المتعوس: ألم تقولي لي إن هذه هي الطريقة الناجحة؟ - لا يا أحمق. أنت سألتني عن الذي فعله أبوك وأنا أجبتك. ذلك كان يوماً وهذا يومٌ غيرُه. تلك كانت ثورة محدودة في حجمها وفي أصحابها، كانوا بضعة آلاف لم يجدوا في الناس ظهيراً ولا نصيراً، فاستلّهم أبوك من بين الناس وقتل منهم من قتل وغيّب الباقين وراء الشمس، ولما ثار عليه حيٌّ في حماة دمر نصف أحيائها على رؤوس أهليها فمات منهم عشرات ألوف في عشرين يوماً. الذين ثاروا عليك اليوم لم يكونوا كذلك، الذي ثار عليك هو شعب سوريا العظيم أيها السقيم، أما علمت إن الشعوب إذا انفجرت لم تقوَ عليها قوة في الأرض، ولم يصلح لها إلا السياسة والاحتواء والاسترضاء وحسن التدبير؟ كان عليك أن تعرف خصمك قبل أن تستعمل السلاح. أما قرأت وأنت صغير قصة الحمار؟ قال المتعوس: ذكّريني بها يا أماه. قالت أنيسة: فات الأوان، ومع ذلك اسمعها. كان لرجل من الرجال حماران يحمل عليهما الأحمال، فحمّل أحدهما ذات يوم حِمْلاً من الملح وربط على ظهر الثاني كومة عظيمة من إسفنج، وفي الطريق مرّ الحماران بحذاء نهر، فقفز الأول في الماء فذاب الملح وخرج يتقافز خفيفاً نشيطاً، فلما رآه صاحبه حسده وقال لنفسه: لماذا لا أصنع مثل ما صنع صاحبي فأرتاح من حِملي كما ارتاح من حمله؟ ثم قفز في النهر فلم يُطِق الخروج، فإن الإسفنج شرب الماء حتى صار وزنه ثلاثة أطنان، فساخت في قعر النهر قوائمُ الحمار، وما زال يغوص حتى ابتلعه الماء. كان بشار في تلك اللحظة قد جَمَد من الرعب، وراح ينظر إلى أمه بعينين شاردتين وهو يتخيل نفسه حماراً غارقاً في النهر قد أوقره حِمل ثلاثة أطنان من الإسفنج المشبع بالماء، وكان آخر ما سمعه قبل أن يفقد وعيه من الخوف هو كلمات أمه الأخيرة: لماذا لم تتعرف على خصمك قبل أن تبدأ بمواجهته؟ لماذا استعديت شعب سوريا العظيم؟ أظننت -ويحك- أنك تقف في وجه الإعصار الجبار إذا ثار؟ لماذا لم تقرأ قصة الحمار يا حمـ …..؟ ــــــــــــ ملاحظة: لا يقع في وهم أحد أن أنيسة أقل غباء من ولدها، وإنما أجريت على لسانها الرأيَ الحكيم لضرورة السرد الفني للقصة، وإلا فمن أين ورث بشار بلاهته التي صارت مضرباً للأمثال؟ ومن شاء فليقرأ مقالة: "لماذا لم يفعلوا؟" التي نشرتها قبل سنة إلا يوماً (18 /5 /2011).
المصدر: الزلزال السوري
طه حامد الدليمي
ساسة بوست
عبد الرحمن عبد الله الجميلي
بدر الدين حسن قربي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة