السوري الثائر
تصدير المادة
المشاهدات : 7196
شـــــارك المادة
جئت إليك أنهل من ينابيع حكمتك العظيمة، بتلك الكلمات ابتدأت كلامي مع شيخ مشايخ العلوم الإسلامية، كان يقرأ القرآن، أتمّ قراءته ومن ثم رفع نظره إلي فرأيت عيناً ثاقبة قوية تتمعنني بطريقة أدخلت القشعريرة إلى جسدي المتعطش للحكمة.
قال لي: أنت تبحث عن الحكمة، وللحكمة أبواب كثيرة، فأي الأبواب تنشد؟؟؟ شيخي الجليل أنا أبحث عن جوهر الدين بعد تطبيق أركانه الخمس، فابتسم لي وقال: يا بني لن تجد ضالتك عندي، أصابني قوله بدهشة عظيمة بدت جليةً على وجهي، ابتسم مجدداً وقال: سوف تجد ضالتك عند من يطبق قوله - تعالى -: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، أومأ لي بأن أغادر مجلسه. غادرت المجلس ولازالت الدهشة باديةً على وجهي، وسألت نفسي: ما الحكمة من كلام الشيخ، مما دفعني للتفكير والبحث والتمحيص عن معنى الآية الكريمة، إنه معنى التسامح الذي رسخه سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - في أفعاله وأقواله وكان خير من طبق القرآن، كما قالت عنه السيدة عائشة - رضي الله عنها -: "كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن" [رواه أحمد ومسلم]. وأدركت أن خير ما تبدأ فيه هو التسامح مع النفس، أي أن تكون متسامحاً مع ذاتك فلا ترهقها بحقد ولا ضغينة ولا حسد ولا كراهية، بل تزرع فيها المحبة والرحمة والرأفة والمودة، عندها تصفو نفسك وتزكو وتصبح بإمكانها الانطلاق إلى العالم الرحب ونشر رسالة التسامح، رسالة الإسلام التي أمرنا الله - عز وجل - بالدعوة لها بالحكمة والموعظة الحسنة، قال - تعالى -: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل:125]، فلا إكراه في الدين، قال - تعالى -: {أفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}، هذا هو الدين السمح الذي أمرنا الله - عز وجل - بالالتزام به، ولكن ما هو التسامح؟؟ في بعض الأحيان يكون مفهوماً صعباً، لذلك من المفيد في بعض الأحيان تعريف الأشياء بتضادها. وعكس التسامح هو التعصب فإذا كنت غير متسامح فإنك بهذه الحالة ترفض الاختلاف وعندها ينشأ التمييز ضد الآخر، والتمييز يغذي روح الكراهية، والكراهية تولد العنف. يظن الكثير من الناس أن التسامح هو مفهوم سلبي، قالها بابتسامة عريضة بدت على وجه البروفسور الألماني الذي قابلته في جامعة برلين في رحلة بحثي عن ضالتي، فقلت له: ولم ذاك، أخبرني بأن الفكرة السائدة هو أن المتسامح إنسان غير مبالي في الحياة ولا يتخذ أي موقف، وهذا فهم خاطئ للتسامح. إن أردت تعلم ثقافة التسامح عليك أن تذهب لمكان آخر فلن تجدها هنا، قلت له: أرجوك أن تفيدني من خبرتك وأنت متخصص بثقافات الشعوب، قال لي: ستجد ما تبحث عن في جمهورية الصين الشعبية. بالطبع لن أحدثكم عن مدى دهشتي، ولكنني التقطت هذه العبارات باهتمام شديد ووجدت نفسي على سفوح جبال الهملايا مع مرشد لي يتكلم اللغة العربية يقودني إلى قرية صغيرة جل بيوتها مصنوعة من الطين والخشب، قال لي: هنا ستجد ما تبحث عنه. دخلت إحدى هذه البيوت البسيطة ووجدت فيها رجلاً مسناً يجلس على الأرض مبتسماً كأنه يتوقع قدومي، جلست قبالته مع مرشدي، قال لي: انظر إلى الطبيعة، انظر إلى الجبال، الوديان، الأنهار، انظر إلى السماء، النجوم، القمر، الكواكب. قلت له: إنني أنظر إليها كل يوم!!!! قال: وماذا تجد؟؟ انتظرت علّي اسمع الإجابة منه، فاستطرد قائلاً: ستجد التنوع، وعليك أن تحترم ذلك التنوع. طيلة فترة طريق العودة إلى وطني وأنا أفكر بمعنى كلام هذا الرجل المسن، وأقول لنفسي: هل قطعت آلاف الأميال لأسمع هذا الكلام!!!! وعندما نظرت مرة أخرى إلى السماء من نافذة الطائرة، شعرت بأنني أنظر إليها لأول مرة، لقد رأيت التنوع الذي يشكل أرضية التعاون والتكامل. فالحياة فيها الأبيض والأسود والرمادي وكل الألوان فلا تحلو الحياة بدون التنوع، قال - تعالى -: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء}، فعليك أن تحترم ذلك وأن تقبل بوجود الآخر وأن تتقبل التنوع الموجود في مجتمعك، فمبدأ "أنت إما معنا أو ضدنا" منبعه الجهل، وعدم احترام التنوع. إن كنت تعتقد أنك على الحق فلا تفرض تصورك على الآخرين، فالتحيز الأعمى للأفكار يقود إلى التحامل، ولا يفسح المجال للحوار البناء المبني على ثقافة التسامح والقبول بالآخر. طبعاً كسر حاجز الخوف من الآخر يساعد بشكل كبير على تقبل التنوع الثقافي الاجتماعي، السياسي، والديني. والانفتاح على المعرفة والاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى يساهم بشكل كبير في فهم حكمة الله - عز وجل - في خلق هذا الكون بهذا التنوع العجيب. ومما يساعد على نشر ثقافة التسامح المشاركة بالمناظرات والحوارات الثقافية والأدبية سواء الاجتماعية أو السياسة، أيضاً المشاركة في المجال التطوعي الإنساني من خلال الجمعيات والمؤسسات الخيرية. إن سوريا المستقبل عليها أن تعزز مفهوم التسامح في المجتمع من خلال ترسيخ هذا المفهوم في المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية المختلفة، وأن تعزز مفهوم المواطنة من خلال تطبيق العدالة والمساواة بين أبناء المجتمع كافة بدون تمييز أو تهميش، سواء أكان على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو سياسي....الخ. قال - تعالى -: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}[البقرة:269].
عاشت سوريا حرة أبية،،،
محمد يحيى الشقفة
يعرب عدنان
الزلزال السوري
أسد خياط
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة