هانا لوسيندا سميث
تصدير المادة
المشاهدات : 5505
شـــــارك المادة
في مدينة برلين الألمانية عرفت «نقطة تفتيش تشارلي» كأشهر نقطة عبور في جدار برلين الفاصل بين شرق المدينة وغربها خلال الحرب الباردة. وفي العاصمة البوسنية سراييفو ذاع سيط «زقاق القناصة» كمنطقة خطيرة بسبب انتشار القناصة المتحاربين على طول الشارع في أيام الحرب البوسنية.
أما في حلب السورية فهناك حي بستان القصر، وهي النقطة الوحيدة، في مدينة يتجاوز عدد سكانها الخمسة ملايين نسمة، حيث يمكن العبور من جانب إلى آخر من المنطقة التي تخضع لسيطرة الثوار السوريين منذ عام، حتى اليوم تقريبا، إلى المناطق التي ما زال نظام الرئيس بشار الأسد يحكم قبضته عليها. لا يقودك السير لمدة دقيقتين هناك إلى مدينة أخرى فحسب، وإنما إلى دولة أخرى. وعلى الرغم من قصر مسافتها، فإن السير عبر المعبر خطر جدا، لكن آلاف الحلبيين يجبرون على خوض غمار هذه المجازفة في بستان القصر، نظرا لأنهم لم يعد لديهم أي خيار آخر. ازدحم الطريق المؤدي إلى المعبر في أول يوم جمعة من شهر رمضان، فوضعت حافلتان محترقتان بعضهما فوق بعض كدلالة حدودية على انتهاء المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب. على الجانب الآخر منها، توجد سوق مزدحمة تعج بمئات المتسوقين الذين يشترون خضراواتهم استعدادا لتناول وجبة الفطور، وأمام السوق يهيمن على الأفق منارة تبعد بمسافة تقل عن نصف كيلومتر في المنطقة الواقعة تحت قبضة النظام. تأسر المنارة الألباب وتجذب الأعين بالمثل، نظرا لوجود أحد قناصة النظام داخلها. وحينما تدرك ذلك تدرك في الوقت نفسه سبب وجود الحافلات المكتظة بشكل جنوني وراءك..إنها تحمي المدنيين من القناصة. سر نحو الطرف الآخر وستصبح عرضة للخطر. ما شعورك وأنت تسير في طريق تعلم أنك فيه هدف سهل لقناصة؟ توجهك غريزتك الإنسانية إلى أن تركض، لكن المنطق لا يوافق حدسك لأنك لا يجب أن تقوم بأي عمل من شأنه أن يجعلك مكشوفا بصورة تفوق ما أنت عليه. إنك تتساءل عما إذا كان رجل يحمل بندقية يرقبك ويستعد لسحب الزناد وإطلاق النار عليك. تنظر إلى الجميع من حولك في السوق ممن يمارسون حياتهم اليومية وتفكر أنك قد تكون الشخص الوحيد الذي يراوده هذا الشعور، أو قد يكون هناك أشخاص آخرون ينتابهم الشعور نفسه بالمثل، لكنهم اعتادوا أن يخفوه. في نهاية الشارع، توجد كومة من الأكياس الرملية ارتفاعها 3 أمتار تتدلى منها الرايات السوداء الخاصة بالسلفيين. يعتبر هذا آخر موقع من منطقة حلب التي يسيطر عليها الثوار، حلب التي يسيطر عليها فصائل معارضة متنوعة وتتعرض لقمع وحشي من مدفعية الأسد. تشبه هذه المنطقة جبل طارق أو جزر فوكلاند، باستثناء أنه ليس لأن الطريق يمضي بعد ذلك بالمثل كما فعل من قبل، وبالكاد يكون له معنى حينما تنظر إليه مباشرة أمامك. في المعتاد كانت هناك عشرات من المعابر على طول الخط الذي يقسم المدينة، لكن تم إغلاقها واحدا تلو الآخر، والآن يعتبر بستان القصر هو المعبر الوحيد المتبقي. عبر فجوة قدرها متران في الحقائب الرملية، يتجه عدد هائل مباشر إلى الجزء الآخر من حلب. ليس بوسع مجموعة من مقاتلي الثوار الذين يقومون بحراسة نقطة التفتيش أن يفعلوا الكثير للسيطرة على هذا التدفق البشري، رجال ونساء وأطفال بوجوه تبدو عليها علامات التوتر يأخذون جميعهم فرصهم في أكثر المواقع المميتة الخاصة بالمدنيين. يعتبر هذا أحد الطقوس الأسبوعية بالنسبة لسارة، البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عاما والتي قطعها عن دراساتها خط أمامي يفصل منزلها عن جامعتها، فتقول: «لم أعد أذهب إلى محاضراتي، لكنني أذهب مرة كل أسبوع إلى المكتبة وأنتقي كتبا بحيث يمكنني الدراسة في المنزل». وتتابع الطالبة الجامعية: «لكن الآن موسم امتحانات، وينبغي أن تخوض تحدي الخروج من معبر بستان القصر لحضور كل الاختبارات، وإلا سوف ترسب هذا العام». وتضيف: «القيام بهذا مهمة صعب للغاية، ولكن ليس لأنني أهاب الموت. إنني أرغب فقط في الذهاب إلى الجامعة للدراسة، إذن لماذا يتعين علي أن أجري وأن أكون في حالة خوف من القيام بمثل هذا العمل؟ أحيانا أبكي حينما أفعل هذا». هناك عدة فتيات أخريات مثلها. تؤجر صديقتان لها شققا في الجزء التابع للنظام من المدينة خلال فترة الاختبارات، بحيث يمكنهما تجنب الرعب اليومي في بستان القصر. لكنها ترفض الانضمام إليهن. تقول: «لا أرغب في البقاء هناك نظرا لوجود شبيحة وجنود من النظام في كل مكان بالمنطقة التابعة للنظام وأخشى من أن يتم القبض علي». العشرات قتلوا عند المعبر. تقول سارة إنها في أحد الأيام اجتازت المعبر في الصباح لتذهب إلى جامعتها. وفي الظهيرة عادت مجددا ووجدت أن القناصة قد فتحوا النار قاتلين 15 شخصا في أكثر الأيام دموية في بستان القصر. تروي قائلة: «أحيانا، أرى دماء على الطريق. عند الأكياس الرملية التي تعين خط الحدود. في أحد الأيام أخرجت الكاميرا خاصتي والتقطت فقط 3 صور قبل أن يراني أحد الثوار وحوله اثنان من رفاقه». وتضيف سارة أن المقاتلين أرادوا رؤية هويتها ومن أين أتت، كما طلبوا منها أن تسلمهم الكاميرا، «وهموا بحذف الصور، لكن رصاص القناصة ساعدنا. ما إن سمعنا صوت الطلقة حتى هرع الجميع بحثا عن مكان للاختباء». وتشير سارة إلى أن «الطلقة الثانية شتت المقاتلين الذين أوقفونا لأنهم انشغلوا بحالة الفوضى فانتهزنا الفرصة للاختفاء بين الحشود، وتضيف: «وقطعنا طريقنا مرة أخرى عبر السوق ونحن على مرمى بصر القناصة لو لم تكن الحافلتان المكدستان موجودتين». بعد نحو ساعة، أي عند صلاة الجمعة، بدأت المظاهرة المعتادة على بعد بضعة شوارع فقط من بستان القصر. وشقت جموع المتظاهرين طريقها إلى أحد مكاتب جبهة النصرة. وأخذوا يصيحون بمطالبهم: أن يتم إغلاق آخر معبر لمنع دخول مخبري النظام إلى الجزء الذي يسيطر عليه الثوار من المدينة. لكن بالنسبة لسارة وكثيرين آخرين، قد يعني هذا كارثة، لأنه مع كون المعبر مميتا فإنه خيارهم الأخير والوحيد.
الشرق الأوسط
العربي الجديد
المرصد الاستراتيجي
عباس عواد موسى
وكالة الأناضول
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة