السبيل
تصدير المادة
المشاهدات : 7276
شـــــارك المادة
يصعب كثيراً حصر أعداد السوريين، ذكوراً وإناثاً، الذين اعتقلتهم أجهزة الاستخبارات، وأدخلتهم غياهب معتقلات النظام الأسدي، بنسختيه، الأب والابن، حيث عجزت جميع منظمات حقوق الإنسان، السورية والدولية، عن تقديم إحصاء دقيق لعدد المعتقلين، خاصة خلال ثمانينيات القرن الماضي، أو منذ اندلاع الثورة السورية وإلى يومنا هذا.
وهناك من يعتبر أن أكثر من 250 ألف سوري اعتقلوا منذ بداية ثورة الخامس عشر من آذار/مارس 2011، إلى اليوم، فيما يعتبر آخرون أن العدد أكبر، وآخرون غيرهم يعتبرون العدد أقل. والأمر يزداد صعوبة بالنظر إلى أن أجهزة النظام السوري المتعددة، التي يصعب حصرها، تخفي على الدوام أعداد المعتقلين لديها، بل وتعتقل الناس، وتختطفهم من كل مكان تصل إليه، ثم تنكر وجودهم لديها، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا حصر لها.
وقد يكون محظوظاً من يعتقل لفترة من الزمن، ثم يطلق سراحه، كي يولد من جديد، لأن آلاف المفقودين في سوريا، جرت عمليات تصفيتهم وقتلهم على يد أجهزة الأمن والشبيحة، بل ويتدخل في معظم الأحيان أصاحب القرار، وعلى أعلى المستويات، من أجل تصفية ناشطين، في حين أنه لم يسبق، وأن تدخل أحدهم، من أجل إطلاق سراح أي معتقل، حتى لو كان من أقربائه وطائفته. وهناك قصص كثيرة تروى في هذا المجال، وتتحدث عن أن عدداً من المعتقلين جرت عمليات تصفيتهم أو تعذيبهم حتى الموت، لأن أحد ما تدخل من أجل إطلاق سراحهم.
وكثير من المذكرات والروايات والأشعار والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، التي تحدث عن المعتقلات والزنازين السورية، الفردية والجماعية. لعل أشهر الروايات هي رواية "القوقعة"، التي تروي عن مشاهد التعذيب في السجون السورية. بل أن عدداً من الباحثين أطلقوا على سوريا في ثمانينيات القرن العشرين المنصرم وصف المعتقل الكبير، لكن الوصف صار سمة في جمهورية الخوف الأسدية. وشاع أدب المعتقلات والسجون السياسية في الثقافة السورية، حيث يمكن أن نذكر قائمة طويلة من الكتاب والأدباء، الذين كتبوا عن الاعتقال والسجن السياسي، من أمثال مصطفى خليفة وياسين حج صالح وفرج بيرقدار وروزا ياسين حسن وسواهم.
ومن يقرأ كتابات وشهادات المعتقلين السوريين، يعثر على مشاهد سوداء مرعبة ومركبة، مسكونة بالقمع والقهر، ومليئة بالخوف والرعب والتعذيب الجسدي والنفسي، حيث تنتشر عتمات أقبية معتقلات أجهزة الأمن السورية، وتفوح منها روائح عفونة وموت. لكنها، مهما بلغت من القوة، لن تتمكن من وصف حقيقة ما عاناه المعتقلون والمعتقلات، ولن تستطيع أن تظهر إلى العلن إلى النذر اليسير مما جرى، ويجري، في سراديب الجلاّدين، وأقبية القمع والقهر، من إذلال وتعذيب ووحشية، وأن تفضح، ما استطاعت، الجرائم الواقعة على كرامة الإنسان وحقوقه.
مازلت أذكر في إحدى ليالي الاعتقال، حين استدعى السجانون أحد المعتقلين من الزنزانة، التي وضعونا فيها، وكانت صغيرة، لا تتجاوز مساحتها المتر ونصف مربع. كنا ثمانية أشخاص فيها. وغاب زميلنا حوالي الساعتين.... ساورنا القلق، وساد صمت ثقيل، وبعد انتظار سمعنا وقع خطى السجانين، وكانوا يسحبون جسده، فيما كانت تتعالى أصواتهم بالسباب والشتائم، ثم رموه على باب الزنزانة. لم يكن يقوى على الحراك، سحبناها إلى داخل الزنزانة. رأينا جسداً مدمى، ترتجف أطرافه، ولا يقوى على الجلوس. أبقيناه مستلقياً، ومسحنا بما توفر لدينا من قطع قماش دماءه. وبعد أكثر من ساعين استرجع قواه قليلاً، لكنه لم يستطع الجلوس، وساعدناه كي يسند ظهره إلى حائط الزنزانة، ثم توجه بالكلام نحوي: "... باعتبارك كاتباً، أرجو أن تتذكر ما أقوله جيداً. اسمي أ. ع. المسالمة. إذا رح تسمع باسمي مرة ثانية، فتأكد أنني استشهدت.. لن أترك هؤلاء المجرمين يعتقلوني مرة أخرى. الموت أرحم بكثير".
محمد مستو
الجزيرة نت
المرصد الاستراتيجي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة