هشام محمد سعيد قربان
تصدير المادة
المشاهدات : 2757
شـــــارك المادة
لا يخفى علينا في العالمين العربي والإسلامي ما حل بإخواننا في سوريا من الخوف والظلم والألم والقتل والمعاناة في أمر صنوفها، ولا نشهد في صحائف هذه الجريمة العالمية النكراء إلا المزيد من القتلى والجرحى والمهاجرين والمشردين والتخاذل والتقاعس.
. معاناة لشعب لا ذنب له إلا رغبته في الحرية، وشوقه لغد أفضل، شعب سئم الذل فأراد أن يولد من جديد. جرائم قتل وتشريد ودماء وأشلاء، وحرمات تنتهك، وتحريك لأسلحة حرب ثقيلة لحرب شعب شبه أعزل. جريمة أخرى تبين عقم الضمير الدولي، وعجز المؤسسات الدولية، وانحيازها الساخر والسافر. جريمة أخرى تتحدى بدمائها وصرخاتها كل الآمال العربية المعقودة في الجامعة العربية، ومنظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وكل من يدعي صداقته وحرصه وقرابته من الشعب السوري. شعوب مسلمة بأكملها تئن وتتألم وتتوجع للمصاب السوري الجلل، شعوب عربية أبية مجاورة تشعر بالعجز وقلة الحيلة، بل لعلها عودت على هذا العجز، وأسقيت من كأس الوهن والذل والوهم، فخيل إليها أنه ما باليد حيلة، وأن الأمر برمته مرهون بقرارات المنظمات الدولية، فهذا يغضب، وآخر يصرح، وثالث يقاطع، ورابع يتبرأ من الجريمة بكلمات رشيقة أنيقة. إنها صور لردود فعل تختلف في المظهر الكالح، وتلتقي في المخبر الواضح، وهو العجز الفاضح، واللا عمل، والتبعية، وتغييب القدرة، وعقم القرار، وانتظار الإذن، وتقاذف اللوم. دعاء قنوت النوازل سلاح من أسلحتنا الإيمانية، لا يستهان به أبداً، فيه مشاركة وجدانية رقيقة، واستدرار المدد من الله، إلهنا ومولانا عز الناصر، وخذل القريب، وقل المعين، وخان المؤتمن، وليس لها من دون الله كاشفة. نرفع أيدينا بالدعاء إليك يا ربنا بأسى ووجل، وننزلها باعتراف فيه ذل وخجل. أهذا جل ما نقدر عليه؟ أبلغ بنا العجز كل مبلغ؟ أحقاً أن الأبواب كلها قد سدت؟ أصدقاً أنه ليس باليد حيلة؟ أو يعقل أن تعقم أمة الإسلام التي أنجبت من شهدت لهم ميادين الوغى وملاحم البطولة من الفحول والشجعان، والعلماء العاملين، والقادة المبرزين؟ يا له من حال مؤسف، يشتت بعض ظلمته مصباح الأمل في دعاء كريم مسنون ومؤنس للأرواح النازفة، يحرك في النفس سؤالاً مؤلماً، اختفى أو أخفي لزمن، ولكنه أبى إلا الظهور: من يقتل السوريين؟ من يقتل إخواننا في سوريا؟ الجواب المباشر لهذا السؤال واضح وجلي: إن من قتل السوريين هو ذلك النظام الفاسد المستبد، وأعانه على جريمته عجز المنظمات الإقليمية، وظلم المنظمات الدولية، وكيلها بألف مكيال ومكيال، ولكنني -بصراحة وأمانة - لا أشعر بارتياح كامل من هذه الإجابة بالرغم من وضوحها وصراحتها، ومحاولة البعض إقناع العالم بها. هل هنالك قتلة آخرون؟ أم لعله من الأسهل والأسلم -كما اعتدنا- إلقاء اللوم بعيداً عن دائرة الذات؟ أو هل يصح ادعاؤنا بأن القتلة كلهم أتوا من الخارج؛ جسداً وروحاً وفكراً ومنهجاً وتنظيماً وانتماءً وتجهيزاً؟ أنكتفي بلومنا للحكومات والسياسات؟ أم لعلنا استمرأنا نظرية المؤامرة واعتدنا وإلفنا كوننا شعوباً وحكومات ضحية للمكر الدولي والتخطيط الأجنبي الخارجي؟ من علمنا هذا العجز العجيب؟ من عودنا هذا الخور المعيب؟ من أشرب قلوبنا هذه الأنانية واللامبالاة والاستغراق في حدود ذواتنا الصغيرة؟ من علم روح الأخوة الإسلامية أن تقف مستسلمة متخاذلة عاجزة أمام حدود معاهدة سايكس بيكو وحماتها البواسل؟ من أجاز لنا أن نحس بكمال الإيمان عندما نأكل ونشرب وجارنا يفترسه الخوف والقتل والجوع والمرض والعوز؟ من أجاز لنا أن نشاهد ما يجري ببرود وبلا عمل يذكر؟ أي فتوى تلك التي تريحنا من تأنيب الضمير لمقتل الآلاف من إخواننا في الدين والدم وتشريدهم؟ أي أخوة إيمانية هذه التي نتحدث عنها وندعو الناس إليها؟ من علمنا أن نأمن للذئب ونحن نشاهده فعله ومكره؟ من علمنا أن نقصر هممنا وأنظارنا على يومنا ومشربنا ومأكلنا وملبسنا؟ من علمنا أن نتعلم لنعلم وألا نتعلم لنعمل؟ من علمنا أن نصم آذاننا عن النذير العريان؟ من علمنا ألا نفكر في الغد وألا نعمل له وألا نعد له عدته؟ من علمنا كيف نكره بعضنا من أجل لعبة كرة سخيفة؟ من علمنا الاستهزاء بالجيران والاعتداد بالنفس وانتقاص الأخ لأخيه؟ من علمنا الخوف؟ من قتل الأمل في قلوبنا؟ من زرع اليأس في أرواحنا؟ من جهلنا بحقوقنا؟ من أفتى بجرمنا وإثمنا إن طالبنا ببعض حقوقنا؟ من أقنعنا بمكره وأبواقه بأن نرضي الدنية في ديننا؟ من نزع الغيرة الإيمانية من قلوبنا؟ من أخمد نار الحمية الدينية المحمدية في نفوسنا؟ من أخرس صوت العقل في ضمائرنا؟ ألم نتعلم من حال غيرنا؟ ألا يوقظنا من غفلتنا رؤيتنا للشياه والأبقار تقاد إلى مذبحها واحدة تلو الأخرى؟ ما الذي حصل؟ وهل تغير حال أمتنا فجأة؟ أم أن هذه نتيجة حتمية لمقدمات وضربات متواليات ومكر الليل والنهار؟ هذه أسئلة مؤلمة ملحة ومؤرقة نوجهها لذواتنا وعلمائنا ومفكرينا، ونأمل أن نجد في إجاباتها المخرج العزيز والمشرف من الألم السوري، بل نتمنى أن تتعدى فائدة الإجابة الحدود الوهمية والمصطنعة التي توهن الجسد المسلم وتضعف صفه. إن في المشهد السوري المؤلم إيقاظ للغافل، وتعليم للجاهل، ودعوة الجميع للتأمل، والاستبصار، والاعتبار، وترسيخ لقناعات قديمة، وإبطال لأفكار ومناهج افتضح خوائها وثبت إفلاسها، وآن زمن أفولها، وأشرقت شموس حق وعمل ونصرة. ألا فلنتأمل حالنا، ولنغيره أن شئنا تغيير مآلنا، فمن قتل السوريين سوف يقتل غيرهم -بعد حين - إن لم يعتبروا، والشأن السوري كما يقر الحكماء ليس بظاهرة منعزلة عن محيطها، بل هو جزء من متلازمة أكبر، وحلقة من حلقات سلسلة متصلة رأينا أوائلها، ونسأل الله أن يكفينا وينجينا من شر باقيها، ولعل من أهم الخطى في مسلك النجاة سؤالنا بحق: من يقتل إخواننا في سوريا؟
غسان الإمام
أحمد أبو مطر
طارق باكير
سلوى الوفائي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة