هانا لوسيندا سميث
تصدير المادة
المشاهدات : 3357
شـــــارك المادة
طبيب من بابا عمرو دفع ربع مليون ليرة مقابل ساعة من الزمن يمارس مهنته في علاج مصابي الثورة في المستشفى الإسلامي في الأردن
في آخر أيامه في بابا عمرو، خلع أحمد الترقاوي، قميصه الرياضي واستخدمه كعصابة. وفي مستشفاه الميداني الكائن في مدينة حمص التي لحق بها الدمار، حيث لا يوجد دواء أو تجهيزات. يقول: «كنا نجري عمليات جراحية من دون تخدير».
اليوم، بات بابا عمرو حي أشباح واختفى منه مستشفى أحمد، وأيضا منزله، وتسببت جهوده في حمص في جعله على قائمة المطلوبين لدى النظام السوري. قبل ستة أشهر، وبعد علمه أن قوات الأمن تضيق الخناق، دفع لمسؤول حكومي رشوة قيمتها 250 ألف ليرة مقابل إزالة اسمه من قائمة المراقبة لمدة ساعة. وكانت تلك بمثابة فرصته للهرب إلى الأردن. يتذكر ما حدث قائلا: «حتى وقتما كنت أعبر الحدود، كنت أتساءل عما إذا كان بمقدوري الوثوق فيه». وأضاف: «لكن، ما الإجراء الآخر الذي كان بإمكاني اتخاذه؟». التقيت الدكتور أحمد في مقر عمله الجديد، وهو مكتب مكتظ في المستشفى الإسلامي في عمان. تحدثنا بشكل متقطع؛ ففي كل دقيقة، كان يأتي مريض جديد يعرض وصفة طبية طالبا توقيعها، ويرن هاتفاه دون انقطاع. يعتبر أحد طبيبين في جناح أنشأته منظمة الصليب الأحمر القطرية من أجل علاج السوريين المصابين في الحرب الأهلية. يوجد أكثر من ستين مريضا هنا، معظمهم مصابون بجروح جراء شظايا قنابل، أما الآخرون، فيعتبرون ضحايا مستهدفين لقناصة من النظام. قد يكون الدكتور أحمد قد غادر سوريا، لكنه ما زال يمد يد العون للمصابين هنا في عمان. وبينما يرن هاتفه مجددا، يحثني عن الحديث إلى الرجل الجالس على يميني. يبدو بسام حمزة في صحة جيدة ومبتهجا، لكن ساقه اليمني تصدر صوتا يبدو وكأنه صادر عن تجويف عندما يضغط عليها. يحكي لي: «كنت قائدا لكتيبة (كعب الأحبار) في حمص، لدينا 62 مقاتلا، جميعهم من باب دراب، وفي كل ساعة يوميا، نشن هجمات على ضباط النظام، لديهم دبابات وقذائف هاون وطائرات مقاتلة، ونحن لا نملك سوى بنادق كلاشنكوف وقذائف (آر بي جي)، لكنهم يتفادون مواجهتنا على الأرض. إنهم جبناء». في الخريف الماضي، كان بسام حمزة في الخط الأمامي بكتيبته، التي تتقدم صوب منطقة حمص التي يسيطر عليها النظام. فاجئوا ثلاثين جنديا من قوات النظام وحدث تبادل لإطلاق النار بين الجانبين.
ويقول: «تعرضت لإصابة في ساقي أربع مرات. واصلت القتال لمدة عشر دقائق بعد إطلاق النار علي، ثم ازداد النزيف بصورة هائلة وكان لزاما علي أن أتوقف في البداية، ظننت أنه مجرد جرح معتاد، لكن بعد ثلاثة أيام، كانت درجة حرارتي ما زالت مرتفعة وكنت أشعر بألم حاد». وفي ظل عدم وجود مكان يمكنه اللجوء إليه لتلقي العلاج في حمص، كان من اللازم تهريبه للخارج. ويضيف: «استغرق الأمر ستة أيام، وكان علي الهرب عبر أنفاق، كنت أشعر بألم، لكنني لم أكن خائفا. حملت بندقية وقذيفة خشية أن تعترضنا أي من قوات النظام». استطاع حمزة الخروج من سوريا، ثم تم تحويله إلى المستشفى الكائن في عمان، لكن إصابة قدمه كانت مروعة. بعد قرابة شهرين من تبادل إطلاق النار، تم بتر ساقه من عند الفخذ، لكنه يبتسم ويخبرني أنه يشعر بأنه محظوظ. «لم أفقد سوى ساق، البعض يضحون بحياتهم، ربما احتاج إلى عام كي أتمكن من السير بشكل طبيعي مجددا، لكن هذا هو ثمن الحرية». يعتبر حمزة واحدا من بين عشرات الشباب ممن فقدوا أطرافهم أو بصرهم أو قدرتهم على الحركة فداء للثورة ويخضعون لعناية الدكتور أحمد، حينما انتهى من نوبة عمله في المستشفى، رافقني الدكتور أحمد في رحلة بالسيارة الأجرة مدتها عشر دقائق إلى مركز الفرسان، وهو منزل كائن في غرب عمان استخدمه هو وفريق من المتطوعين كمركز إعادة تأهيل للمقاتلين المصابين من صفوف الجيش السوري الحر. إنها عملية تعتمد على تمويل محدود. جميع أفراد فريق العمل متطوعون، ويتم سداد جميع التكاليف عبر تبرعات من قطر والكويت والسعودية.
خلف واجهة المبنى، يتبادل المرضى الضحكات مع أطبائهم وهم يتعثرون في خطواتهم من الأسرة إلى أجهزة العلاج الطبيعي. يقول الدكتور أحمد: «أحب الثورة وأحب أصدقائي هنا، أجدني محاطا بكل منهما». لعل روح الدعابة هذه غريبة مع شدة الإصابات التي يعاني منها المرضى، أصيب موسى، 21 عاما، المنشق عن الجيش النظامي، بشظايا في الدماغ على خلفية قتاله إلى جانب رفاقه الجدد في الجيش السوري الحر في مدينة درعا السورية. عندما جاء إلى المركز، كان قد أصيب بالشلل، لكنه تحدث بفخر عن قدرته الآن على الوقوف والمشي بنفسه. وهناك شخص يدعى أدهم، من حمص، أصيب بعيار ناري في الرقبة واخترقت الرصاصة رئته والحبل الشوكي. وعنه يقول الدكتور أحمد المعني بحالته قائلا: «لقد استثرت مشاعره؛ فأبلغته بأنه عندما يتعافى، سنذهب معا إلى حمص لنواصل الجهاد من أجل الثورة، هذا الأمر كان مصدر إلهامه، عندما جاء إلى هنا قبل عام، لم يكن قادرا على الحركة على الإطلاق. والآن يستطيع أن يمشي علي قدميه». ولكن الرجل الممدد على السرير المجاور لا يتحرك مثل الآخرين، كان مالك (ليس اسمه الحقيقي) لواء في الجيش النظامي، عندما أمر مثل الكثير من زملائه بقتل المتظاهرين في بداية الانتفاضة، عصى الأوامر واكتفى بإطلاق النار فوق رؤوسهم في الهواء، ويقول «لو قبضوا علي، لقتلوني». عندما جاءت فرصته ترك منصبه وانضم إلى الثوار، ولكن لم تمض سوى بضعة أشهر حتى أصيب بطلق ناري في عموده الفقري، وقد أخبرني الدكتور أحمد «أنه أصبح عاجزا تماما». ولا يزال حلم مالك، مثل أي شخص آخر قابلته، هو العودة إلى سوريا والانضمام إلى الثورة مرة أخرى. وفي الغرفة المجاورة، هناك شاب دمشقي يدعى مهند يدفئ نفسه أمام سخان كهربائي. أصيب منذ شهرين برصاص قناصة بينما كان يقدم بنادق وذخيرة للجيش السوري الحر أصابت الطلقة يده اليسرى، مما تسبب في تلف حاد بالأعصاب والعظام، وقد أخبرني قائلا: «كنت أساعد الثوار فقط، ولم أنضم إليهم»، مضيفا: «لكن عندما أعود إلى دمشق، سوف أحمل السلاح وأقاتل معهم». إن بسام حمزة أيضا، على يقين تام من أنه سيقاتل مرة أخرى، «هذه هي المرة السابعة التي أصبت فيها». تعرضت ذات مرة لإصابة تحت قلبي بمسافة سنتيمتر واحد، وأعلن النظام وقتها أنني لقيت حتفي، لكنني استرحت فقط لمدة ثلاثة أيام، ثم واصلت القتال، أتحدث إلى سريتي عبر «سكايب» يوميا، إنني أفتقدهم كثيرا. سوف أحارب معهم مرة أخرى.
الشرق الأوسط
العربية نت
الهيئة العامة للثورة السورية
صحيفة واشنطن بوست
الأناضول
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة