خالد الشايع
تصدير المادة
المشاهدات : 2862
شـــــارك المادة
الحمدُ لله القويِّ العزيز، ولا عُدوانَ إلا على الظَّالمين، وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه محمَّد، وعلى آله وصحبه والتَّابعين، أما بعد : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج/39]. فإنَّ كلَّ متابعٍ لأوضاع الشَّعب السُّوري على مدى أحد عشَرَ شهراً مضت، وما يعانيه من البغي والظلم والقتل على أيدي جنود الحزب البَعثيِّ وقادته النصيريين؛ يدرك أنه قد أصاب إخوانَنا من السُّوريين رجالاً ونساءً شيوخاً وأطفالاً من البغي العظيم والاعتداء الأثيم ما يجب إنكارُه والسَّعي لرفعه ودفعه.
وقد كتب الكثيرون وبادروا باستنكار هذا الظلم والتحذير منه والدعوة لرفعه، ورأيت أن أحرر أيضاً ما تبرأ به الذمة، بحسب ما ييسره الله من نصرة إخواننا في بلاد الشام المباركة فأقول : أولاً: أذكِّر في هذا المقام بالخطاب التاريخي الذي وجهه خادمُ الحرمين الشَّريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - إلى السُّوريين وإلى الأمة جمعاء، وبيَّن فيه أنَّ تساقط الشُّهداء وإراقة دمائهم في سُوريا على أيدي قوات الحكومة ليس من الدِّين ولا من القِيَم والأخلاق، وأنَّ المملكة العربية السعودية لا تَقبل بذلك، وتطالب بإيقاف آلة القتل والدَّمار، وأنَّ الحكومة السُّورية بين خيارين لا ثالث لهما: إما الحكمة، وإما الانجراف إلى أعماق الفوضى والضَّياع، وما تبع ذلك من استدعاء السفير السعودي. فشكر الله للملك عبد الله بن عبد العزيز وقفته الحاسمة، ووفَّقه للمزيد مما فيه النَّفعُ والخير وطنه وعموم أوطان المسلمين. ثانياً: إنَّ المرحلة الراهنة والتي ازداد فيها بغيُ الحكومة السُّورية وجيشُها نحو شعبها تقتيلاً وتنكيلاً، بغياً وترويعاً، حتى باتت وكالات الأنباء تصبِّحُنا وتمسِّينا بأخبار وصور فيها الانتهاكُ الصَّارخُ لحرمات الشعب السوري الأبيِّ، حتى لم يسلم من ذلك لا النساء ولا الأطفال ولا الشيوخ، بل ولا بيوت الله. إنَّ هذه المرحلة لا يسع معها السكوت لكل من كان له قدرةٌ في تغيير هذا الظُّلم العظيم، كلٌّ بحسب قدرته ومسئولياته، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ((مَنْ رأى منكم مُنكَراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فَبِلِسانه، فإن لم يستطع فبِقَلْبِه؛ وذلك أضعفُ الإيمان)). رواه مسلم من حديث أبي سعيد –رضي الله عنه-. ثالثاً: الواجبُ على رؤساء الدُّول الإسلامية أن يبذلوا غاية ما يستطيعون في كفِّ الضَّرر ومنعِ البَغي الواقع على الشعب السوري، ومن جملة ذلك : طَردُ سفراء الطائفة النُّصيرية الحاكمة، إضافة لسحب سفرائهم. على أن تحذو بقية دول العالم حذوَهم، إضافةً للضَّغط على من يقف مع النُّصيريين، وثنيهم عن إمدادهم بالسلاح، وبخاصةٍ إيران والصين وروسيا. وينبغي أن يكون لمنظمة التعاون (المؤتمر) الإسلامي دورها الذي تفرضه مسئولياتها. رابعاً: إنَّ من المتعيِّن على القيادات والأفراد العسكريين في الجيش السوري وغيره من القطاعات العسكرية أن يتقوا الله في شعبهم، فالجيوش إنَّما وُجدت لحماية الشُّعوب والدفاع عن الأوطان، وليس للقتل والتَّدمير، ولَسوفَ يسجِّل التاريخُ ما يصدر عنكم من مواقف، مع أن نهايات الطائفة النصيرية باتت وشيكة، وستكون العاقبة لأعوان الظَّلَمة وخيمة، فانجوا بأنفسكم، وانجوا بذممكم، فإنَّ الدِّماءَ والأرواحَ عند الله مُعَظَّمةٌ مُحَرَّمة. خامساً: يجب بذلُ المسَاعي لإغاثة الشَّعب السُّوري، سواء من كانوا في داخل سوريا، أو النَّازحين للدول المجاورة، وأن يكون لمؤسسات الإغاثة في الدُّول الإسلامية، وبِدَعمٍ من قادتها، قصب السَّبق في ذلك، إذ لا تخفى المعاناة القاسية لإخواننا السوريين. سادساً: المتتبع للتاريخ الغابر والمعاصر للنُّصيريين في منطقة الشَّام حيث يقطنون، والذين لا يمثِّلون سوى 10% من سكان سوريا، يجد أنه تاريخٌ أسود... تاريخٌ دمويٌّ... تاريخٌ إجرامي... حيث كانوا وما زالوا خِنجراً في خاصرة الأمة الإسلامية، فعلاوةً على ضلالاتهم وتحريفهم لعقيدة الإسلام كما سأبينه، لم يزالوا يحيكون المؤامرات ضدَّ الأمة في الخفاء، ولا يترددون في إظهار العداء كلما ناسبتهم الأحوال. والتاريخ شاهد بأنهم كانوا في تحالف دائم مع أعداء الإسلام وأنهم لا يترددون في إزهاق الأرواح وسفك الدماء، ومن ذلك : ـ استظهارُهم بالصَّليبيين ضد المسلمين، فبسبب عمالتهم وخيانتهم استولى الصليبيون على سواحل الشَّام وعلى القُدس وغيرها من بلاد الشَّام. ـ وأعادوا الكَرَّة بالتحالف مع التَّتار، وزيَّنوا لتيمورلنك ذبح المسلمين وتخريب دمشق، وأقاموا لهذا احتفالات الفرح. ـ وفي التاريخ القريب حين احتل الفرنسيون سوريا عام 1920م تواطأ معهم النُّصيريون وكُوفئوا بإقامة دولتهم العلوية. ـ ولسنا ببعيد عن مجزرة حماة التي دامت 27 يوماً بدءاً من 2/ شباط/فبراير 1982م. والتي حشد النظام السوري فيها سرايا الدّفاع ولواء دبابات ولواء ميكانيك وفوج إنزال جوِّي (قوات خاصّة). فضلاً عن مجموعات القمع من مخابرات وفصائل حزبية مسلّحة. وسقط ضحية هذه العملية الإجرامية العسكرية وفق مختلف التقديرات إلى نحو 40 ألف قتيل، وهُدِّمت أحياء بكاملها على رؤوس أصحابها، كما هُدم 88 مسجداً، فيما هاجر عشرات الآلاف من سكَّان المدينة هرباً من القتل والذَّبح والتَّنكيل. ـ إضافة لمجازر أخرى كمجزرة سجن تَدمُر ومجزرة حماة ومجزرة سجن صيدنايا، وغيرها كثير، مما يوضح شدة العداء وعظيم الإجرام المتأصِّل في نفوس رؤوس هذه الطَّائفة الحاقدة، يتوارثونه جيل بعد آخر. وهاهي القيادة النُّصيرية تعيد الكَّرة على الشعب السُّوري الأعزل بكل وحشيَّة ودمويَّة طوال هذه الأشهر الأحد عشر الماضية، برغم الاستنكار والشجب في العالم العربي وغيره. سابعاً : إنَّ من الواجب في هذا المقام خصوصاً وفي غيره عموماً أن يدرك المسلمون المنطلقات العقدية التي جعلت القادة النُّصيريين والبعثيين الظالمين يستهينون بالأرواح وإراقة الدماء، كما استهانوا بها طوال سنين حكمهم لسوريا الغالية وشَامِها المبارك، فالطَّائفة الحاكمة لسوريا، وإن تسمَّت بالعلويين، إلا أنها في حقيقة الأمر طائفةٌ باطنيةٌ خارجيةٌ من جملة الاثني عشرية، بل أشد منهم في تبني الآراء المنحرفة والعقائد الباطلة التي أدت بهم إلى الخروج عن الإسلام. فهم ينتسبون إلى الخارجي الدعي محمد بن نُصير البصري النميري، والذي تَدَرَّج في باطله حتى ادَّعى النبوة ثم ادعى الربوبية، وشرع من الباطل ما يخالف الفطرة الإنسانية، فأباح نكاح المحارم ونكاح الرجال بعضهم من بعض، وزعم أنَّ الله لم يحرِّم شيئاً، وظل ابن نصير المرجع الأول للطائفة النُّصيرية حتى هلك عام 260هـ. ومن يسبر عقائد النُّصيرية يجدها خليطاً من المعتقدات النَّصرانية والمجوسية والسَّبَئية ونظريات الفلسفة اليونانية، وهذا الخليط راجع لاتصالهم بهم وتذبذبهم، وفيما يلي ملامح من عقائد هذه الطائفة النُّصيرية الحاكمة في سوريا : 1/ اعتقادهم بأنَّ الله يَحِلُّ في الأشخاص - تعالى الله عن قولهم عُلواً كبيراً -، ويزعمون أن آخر حُلولٍ لله - تعالى وتقدس- كان في عليِّ بن أبي طالب، ولذا فهم يعتقدون أنه إله، ويدينون له بالعبودية دون الله - تعالى -. 2/ ومن عقيدة بعض طوائف النصيرية: تفضيلهم للإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ويذهبون لأبعد من هذا؛ فيزعمون أنَّ علياً - رضي الله عنه - كان موجوداً قبل خلق السماوات والأرض!!. 3/ ادعاؤهم القول بما يشبه عقيدة التَّثليث عند النَّصارى، حيث جعلوا ثالوثاً مكوَّن من نبيِّنا محمد - عليه الصلاة والسلام -، وسيِّدنا عليٌّ وسيِّدنا سلمان الفارسي - رضي الله عنهما -، وجعلوه شعاراً (ع. م. س). 4/ يُنكر النُّصيرية البعثَ والحساب، وهذا نتيجة تأثرهم بالفلسفات والمذاهب الهندية في التَّنَاسخ، حيث تقول النُّصيرية بالتناسخ وانتقال الأرواح من جسد إلى جسد، وفلسفات ضالة أدت بهم إلى إنكار البعث والجزاء، وذهبوا إلى أن الجنة والنار تكونان في هذه الدنيا فحسب. 5/ يمجِّد النُّصيريون عبد الرحمن بن ملجم الخارجي الشقي قاتل سيِّدنا عليٍّ - رضي الله عنه -. ويقولون : إنه خلَّص اللاهوت من النَّاسوت!!. 6/ يشترك النُّصيرية مع غُلاة الشيعة في سبِّ الصحابة ولعنهم، ويستطردون بلعناتهم هذه لتشمل بعض الصوفية وعلماء المذاهب الأربعة وكلَّ من خالف مذهبهم النُّصيري الضَّال. 7/ للنُّصيرية الآن بدلاً من القرآن الكريم كتابٌ يسمونه (المجموع) ملفَّقٌ من ستَّ عشرة سورة، تدور كلها حول تأليه سيدنا عليٍّ - رضي الله عنه -، ومما جاء في إحدى سورهم وهي السورة التاسعة واسمها "العين العلوية" : "بِسِرِّ العين العلوية الذاتية الظاهرة الأنزعية، بِسِرِّ الميم المحمدية الهاشمية الملكوتية الحجابية القرصية النورانية، بِسِرِّ السِّين السلسلية الجبرائيلية السلمانية البابية البكرية النميرية النصيرية، بِسِرِّ ع. م. س. ". 8/ حرَّف النُّصيريون التشريعات الإسلامية، حتى تحلَّلُوا منها تبعاً لانحرافهم في أصل الإيمان، فحرَّفوا أركان الإسلام أشدَّ التَّحريف، ويستحلُّون المحرمات والكبائر. هذه هي الخلفية العقائدية الباطلة التي يستند إليها النُّصيريون، والتي بينها العلماء، وبينها بعض الذين كنوا على نحلتهم وتركوها، وأيضاً جاء الحديث عنها فيما حرره علماء الأزهر ضمن ما صدر عنهم جزاهم الله خيراً. وما أعظم ما قاله شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ - رحمه الله - عند ذكره لشيءٍ من عقائدِهم، قال: "هؤلاء القوم المسمَّون بالنُّصيرية، هم وسائر أصناف القَرامِطة الباطنية؛ أكفرُ من اليهود والنصارى؛ بل وأكفرُ من كثيرٍ من المشركين، وضررُهم على أُمَّة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - أعظمُ من ضَررِ الكُفَّار المحارِبِين، مثل كفار التَّتار والفِرَنج وغيرهم؛ فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه، ولا بأمرٍ ولا نهيٍ ولا ثوابٍ ولا عقاب ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين قبل محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ولا بِمِلَّة من الملل السَّالفة". وقال - رحمه الله -: "ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة، فإذا كانت لهم مُكْنَةٌ سفكوا دماء المسلمين؛ كما قتلوا مرةً الحُجَّاج وألقوهم في بئر زمزم، وأخذوا مَرةً الحجرَ الأسود، وبقي عندهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يُحصِي عدده إلا الله - تعالى –". وقال: "وصنف علماء المسلمين كُتُباً في كشف أسرارهم وهتك أستارهم؛ وبيَّنوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام". وقال ابن تيمية - رحمه الله -: "ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين تارة يُسَمَّون: الملاحدة، وتارةً يُسَمون: القرامطة، وتارةً يسمون: الباطنية، وتارةً يُسمون: الإسماعيلية، وتارةً يسمون: النُّصيرية، وتارةً يُسمون: الخرمية، وتارةً يسمون: المحمرة، وهذه الأسماء منها ما يعمُّهم، ومنها ما يخصُّ بعض أصنافهم، وهم كما قال العلماء فيهم : ظاهر مذهبهم الرَّفض، وباطنه الكفر المحض". وبعدُ: فهؤلاء هم النُّصيريون، وهذا بلاؤهم على أُمة محمد - عليه الصلاة والسلام -، ولكننا متفائلون باجتثاثهم ومحو أثرهم، فقد أسرفوا وظلموا، وعاقبتهم القريبة بعون الله : {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام/45]. اللهم انجِ إخواننا المستضعفين في بلاد الشام، اللهم احقِن دماءَهم واحمِ أعراضهم واحفظ لهم دينهم، وعجِّل لهم بفَرَجٍ قريب، اللهم أنزل عذابك ومَقْتَك بمن ظلمهم من النُّصيريين وأعوانهم، اللهم اشدُد وطأتك عليهم، واشفِ صدور المؤمنين منهم، اللهم وأحسن العاقبة للمسلمين في كُلِّ مكان، وصلِّ اللَّهم وسلِّم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المصدر: صيد الفوائد
محمد عمار نحاس
علاء الدين آل رشي
أبو عبد الله عثمان
خباب الحمد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة