محمود أحمد الدوسري
تصدير المادة
المشاهدات : 6669
شـــــارك المادة
خطبة الجمعة بجامع الإسراء بالدمام
الخطبة الأولى: الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومزيد النعم بشكره، ومستدرج المجرمين بمكره، قدر الأيام دولاً بعدله، وأظهر دينه على الدين كله، هو القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع، والآمر بما يشاء فلا يدافع، أحمده على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، رافع الشكر، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أُسري به من (المسجد الحرام) إلى (المسجد الأقصى)، وعرج به منه إلى السموات العلى، إلى سدرة المنتهى {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}. صلِّ اللهم وسلِّم وبارك عليه، وعلى خلفائه الراشدين المهديين، وعلى آله وأصحابه الطَّيِّبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين. أما بعد.. أيها المسلمون: إنها الشام، حاضرة الإسلام، وعاصمة الخلافة، أرض الفداء والتضحية، أرض الفتوة والنخوة، أرض الشهامة والكرم، فتحها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وحكمها عمر بن عبد العزيز بالعدل، وأخرجت للأمة العلماء العظام، والأئمة الشجعان؛ كابن تيمية، والعزِّ بن عبد السلام. كانت -ولا زالت- مقصد الطامعين من (التتار والصليبيين)، فانكسرت شوكتهم على صخرتها، واستأصلت شأفتهم على أرضها، فبقيت وهلكوا جميعهم. واليوم، وما أدراكم ما اليوم، تتعرَّض (الشام الجريح)، لاعتداء غادر، وظلم سافر، أتدرون ممَّن؟! من حاكمها، من (التتار الجدد)؛ اللذين قتلوا الضعفاء والعُزَّل، والنساء والأطفال، وشرَّدوهم عن المنازل والديار؛ فأبدلوهم من بعد أمنهم خوفاً، ومن بعد رغدهم بؤساً، في مشهد كارثي، يندى له جبين كل مسلم، ويأسى له قلب كلِّ موحدٍ على وجه الأرض.
يا شامُ، جرحُكِ في قلبي أكابده *** دماً سخياً وآلاماً أفانينا لا عاش فيكِ قرير العين طاغيةٌ *** ولا رأى الأمن يوماً في مغانينا لقد نكأتم جراحاً في أضالعنا *** وقد أثرتم دموعاً في مآقينا
أيها المسلمون.. إلى الله المشتكى! كيف يهنأ المسلم بطعامه وشرابه ونومه؟ بل كيف يُدلِّل صبيانه ويمازحُ أهله، وهو يرى في (الشام الجريح) صبيةً مثل عيالهِ، براءُ ما جنوا ذنبًا، أطهارٌ ما كسَبت أيديهم إثمًا، يبكون من الحيف، ويتلمضون من الجوع، ويواجهون الدباباب والراجمات بصدورهم العارية؟ كيف أصبح إخواننا في الشام تحت سيطرة هذا (النظام التَّتري)، كيف لجؤوا إلى مكبرات أصوات المساجد، وإلى المنابر الإعلامية يستغيثون بالمسلمين وغير المسلمين، وقد سالت عليهم حِممُ القنابل. فماذا فعلنا لهم؟ أليس من العار: أن نرى (علماء الرافضة)، وهم في مواقفهم أشدُّ قوة، وأكثرُ وضوحًا من (علماء المنهج الصحيح)، في مُصاب الأمة (بالشام الجريح)؟
وفي المُحَيَّا سؤالٌ حائرٌ قَلِقٌ *** أين الفداءُ، وأين الحبُّ في الدِّينِ؟ أين الرُّجولة، والأحداث دامية *** أين الفتوحُ على أيدي الميامينِ؟ ألا نفوسٌ إلى العلياء نافرةٌ *** توَّاقةٌ لجنانِ الحورِ والعينِ يا غيْرتي! أين أنتِ، أين معذرتي؟ *** ما بالُ صوتِ المآسي ليس يُشجِيني؟ أين اختفت عِزَّةُ الإسلام من *** خَلَدي ما بالُها، لم تعد تغذو شراييني؟
أيها المؤمنون بالله ورسوله.. إننا جميعاً مطالبون بالوقوف إلى جوار إخواننا من أهل الشام، ندعمهم بكلِّ ما نملك فأمتنا -على قائدها أفضلُ الصلاة والسلام- أمةُ جهادٍ ومجاهدة، بل الجهادُ فيها أرفعُ العبادات أجرًا؛ كما قال إمام المجاهدين - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ في سَبِيلِهِ؛ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ في سَبِيلِهِ، بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أو يَرْجِعَهُ سَالِمًا، مع أَجْرٍ، أو غَنِيمَةٍ)). [رواه البخاري، (ح2635)]. وإن من الجهاد جهادَ الكلمة، والجهادَ بالدعاء، والجهادَ بالمال والنفس، والجهادَ بالمواقف السياسة المشرفة، بدعم هؤلاء المجاهدين الصابرين المرابطين على ثغر الشام. ومن أهم شعاراتهم اليوم: "الشعب يريد إعلان الجهاد". أمَّة الجهاد.. إن فريضة الجهاد لا تنتظر تكافؤ العَدَد والعُدة، فيكفي المجاهدين المُوحِّدين أن يُعدِّوا ما استطاعوا من قوة، وأن يتقوا الله، ويصبروا، {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا، لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]. وإن الأعداء ما كانوا أعداء إلاَّ لمخالفتهم أمر الله، فإذا اشترك الفريقان في المعصية، فليس هناك مزية لغيرهم؛ لأنَّ المؤمن حين يعادي ويعارُك ويجاهدُ، فهو إنما يعادي لله، ويعارك لله، ويجاهدُ في سبيل الله: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! -عاتبهم الله على تركهم الجهاد- وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ -أي: ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله عن المستضعفين؟-، الَّذِينَ يَقُولُونَ -أي: الذين يدعون ربَّهم- رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا، وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 74، 75]. وعلى هذا نوجه نداءنا لأهلنا في (الشام الجريح)، أهل الثورة على الظلم والطغيان:
يا ثورة الحق، تمشي في أضالعنا *** نوراً وناراً وتمشي في روابينا ويا ثورة الإيمان، إن الكون مسرحنا *** فلا حدود تصدُّ الحق والدينا ويا ثورة الأبطال، قد طال الظلام بنا *** وآن للفجر أن يمحو دياجينا تـألَّـه الظلم ألـواناً بعالـمنا *** فحطمي الظلم فرعوناً وقارونا واليوم نقول: فحطمي *** الظلم (إيراناً وبشارا)
أيها الجمع المبارك.. وإن قال قائل: ما لكم وللشام؟ أقول له: رُويدَك يا أخي.. أما علمت أنَّ في دمشق: الذكريات العلمية، والوقفات الإسلامية، والمآثر الأمويّة. وفيها يرقد ابن تيمية، وابن قيم الجوزية. ألم يكن في الشام حلقات الحنفية والمالكية، والشافعية والحنبلية؟ أليس في الشام: براعة (ابن كثير)، وعبقرية (ابن الأثير)، وتحقيق (النووي)، وفطنة (ابن عبد القوي). يكفيك أيها "الشام الجريح": أن فيكِ القائدَ الفريد، والبطل السديد، (خالد بن الوليد). سيف الله الهمام، كاسر كل حسام، أُغْمِدَ في حمص الشام. آهٍ يا حمص! آهٍ يا حمص البطولة! آهٍ يا حمص الرجولة.. ألم يدخلْكِ الصحابة؟! وكأنهم وابل سحابة، أو أسد غابة، فأخذتيهم بالأحضان، وفرشتِ لهم الأجفان، فعاشوا على روابيك كالتيجان. ألم يكتب: (ابن عساكر) في دمشق: تاريخ الرجال، وسطَّر (المزي) في دمشق: تهذيب الكمال، وألَّف (الذهبي) في دمشق: ميزان الاعتدال، واحتسب (ابن تيمية) في دمشق: (على أهل الضلال)، وأرسل لنا (المتنبي) من الشام: (قصائده الطِّوال)، و(سحره الحلال)؟! إذاً، ليس للشام دينٌ غيرُ الإسلام؛ لأنها فُطرت على الإيمان، وطردت (الرومان)، ورحبت (بحملة القرآن). وستطرد -بإذن الملِكِ العلاَّم- هذا الجبانَ وأعوانَه اللئام، واللهِ ليس لهم فيها قرار، وبإذن الله سيولُّون الأدبار، وسيلوذون بالفرار؛ لأنَّ الدار دارُ المختار، والمهاجرين والأنصار. سألتَ –أخي- آنفاً: ما لنا وللشام؟ فإليك المزيد: ألم يرقد في الشام: (سيف الدولة) المَلِكُ الهمام، و(ابن نباته) خطيب الأنام، و(ابن قدامة) تاج الأعلام. والآن: قل لي بربِّك: مَنْ (للبعث) في الشام؟ ومَنْ (للروافض) في الشام؟ ومَنْ للتَّتار في الشام؟! وأخيراً.. ألم يبلُغْكَ الخبر: بأنه في دمشق: سكن (الزهري) المحدث الشهير، و(الأوزاعي) العالم النحرير، و(البُرْزاني) المؤرخ الكبير، و(السُّبكي) القاضي الخطير. ألم يأتنا من الشام: (رياض الصالحين)، و(روضة المحبين)، و(نزهة المشتاقين)، و(عمدة الطالبين)، و(مدارج السالكين)، و(أعلام الموقعين) فسلام على الشام في الأوَّلين الآخِرين.. فمَا للبعث وللشام؟ وما للروافض وللشام؟ الشامُ شامُنا، ونحن أحقُّ به وأَولى. الشامُ شامُنا، ونحن أحقُّ به وأهلُه. اللهم بارك لنا في شامنا... الله بارك لنا في (الكتاب والسنة)، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه غفور رحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاَّ على الظالمين الباغين، وبعد.. معشر الفضلاء... لعلَّ سائلاً يسأل: ما الذي دعا هؤلاء (الأعلام الكرام) للسُّكنى في الشام؟ إن الذي دعاهم هو: ما جاء في (الوحي المبارك) من (فضائل الشام): 1ـ فالشام أرضٌ مباركة، وهي مُهاجَر الأنبياء: ألم يقل الله - تعالى - عن خليله إبراهيم - عليه السلام -: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]. قال الطبري - رحمه الله -: "وَنَجَّيْنَا إِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا مِنْ أَعْدَائِهِمَا؛ نَمْرُودَ وَقَوْمِهِ، مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ، وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ، فَارَقَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ- قَوْمَهُ وَدِينَهُمْ، وَهَاجَرَ إِلَى الشَّامِ". [تفسير الطبري، (16/310)]. 2ـ أقسم الله - تعالى -بالشام: في قوله - تعالى -: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 1 - 4]. أقسم الله - تعالى - بهاتين الشجرتين (التين) و(الزَّيْتُون)؛ لكثرة منافعهما، ولأنَّ سلطانهما في (أرض الشام)، مَحَلِّ نبوة عيسى ابن مريم - عليه السلام -. وأقسم بـ {طُورِ سِينِينَ}؛ لأنَّ (طور سيناء)، [وهو الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى] مَحَلُّ نبوة موسى - عليه السلام -. وأقسم بـ {الْبَلَدِ الأمِينِ}؛ لأنَّ (مكة المكرمة)، مَحَلُّ نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. فأقسم - تعالى - بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها وابتعث منها: أفضلَ النبوات وأشرفَها. انظر: تفسير السعدي، (1/ 929). 3ـ سرعة استجابة أهل الشام للإسلام: عن أبي أُمَامَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ"؟ قَالَ: ((دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ)). [رواه أحمد في (المسند)، (ح22315). وصححه الألباني في (صحيح السيرة النبوية)، (ح52)]. قال ابن كثير - رحمه الله -: "وَتَخْصِيص الشَّام بِظُهُورِ نُوره؛ إِشَارَةً إِلَى اِسْتِقْرَار دِينه وَنُبُوَّته بِبِلادِ الشَّام، وَلِهَذَا تَكُون الشَّامُ فِي آخِرِ الزَّمَان، مَعْقِلاً لِلإسْلاَمِ وَأَهْلِه، وَبِهَا يَنْزِلُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَم، إذا نزل بدمشق، بالمنارة الشرقية البيضاء منها". تفسير ابن كثير، (1/185). 4ـ حثَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على سُكنى الشام: عَنِ عبدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: ((سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ))، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: "خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ"، فَقَالَ: ((عَلَيْكَ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ -أي: تكفَّل- لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ)). [رواه أبو داود، وابن حبان في (صحيحه)، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني]. هذا هو السِّر في كثرة الصالحين في الشام. وقد عمل عبد الله بْنِ حَوَالَةَ –رضي الله عنه- بوصيةِ النبي –صلى الله عليه وسلم-، وذهب إلى الشام، ثم مات فيها سنة (ثمانين) للهجرة. [انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، (4/67)]. إخوتي الكرام.. ولأنَّ الشام: (خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ)؛ ولأنَّ الله - تعالى -: (تَوَكَّلَ -أي: تكفَّل- لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ)؛ فإنَّ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية - رحمه الله - كان يتفاءل بأرض الشام، بل كان مُصِرًّا على بقاء أهلها فيها لمواجهة التتار؛ إذْ يقول: "ثَبَتَ لِلشَّامِ وَأَهْلِهِ مَنَاقِبُ: بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الْعُلَمَاءِ، وَهِيَ أَحَدُ مَا اعْتَمَدْته فِي تَحْضِيضِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى غَزْوِ التَّتَارِ وَأَمْرِي لَهُمْ: بِلُزُومِ دِمَشْقَ، وَنَهْيِي لَهُمْ: عَنْ الْفِرَارِ إلَى مِصْرَ، وَاسْتِدْعَائِي الْعَسْكَرَ الْمِصْرِيَّ إلَى الشَّامِ، وَتَثْبِيتِ الشَّامِيِّ فِيهِ". [مجموع الفتاوى، (27/505)]. 5ـ الملائكةُ باسطةٌ أجنحتَها على الشام: عن زَيْدَ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: "بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُؤَلِّفُ -أي: نجمعُ- الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ، إِذْ قَالَ: ((طُوبَى لِلشَّامِ))، قِيلَ: وَلِمَ ذَلِكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((إِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا)). [صحيح الترمذي، (3/ 254)]. (طُوبَى) تأنيث أطيب، أي: راحةٌ وطِيبُ عيشٍ حاصلٌ للشام وأهلِه. لماذا؟ لأنَّ: (مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا) أي: تَحُفُّها وتحوطُها، بإنزال البركة، ودفع المهالك والمؤذيات، وهذا من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -. [انظر: التيسير بشرح الجامع الصغير، (2، 117)]. ولا شكَّ أنَّ (بشاراً وجندَه) اليوم، من المؤذيات التي سيدفعها الله - تعالى - عن الشام وأهلها بإذنه -تبارك وتعالى-. 6ـ دعاءُ النبيِِّّّ - صلى الله عليه وسلم - لأهلها: عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَفِي يَمَنِنَا)). [رواه البخاري، (ح990)]. قال ابن عبد البر - رحمه الله -: "دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - للشام، يعني: لأهلها؛ كتوقيته لأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، عِلماً منه بأنَّ الشام سينتقل إليها الإسلام... وهذا من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم –". [التمهيد، (1/279)]. قال ابن تيمية - رحمه الله -: "وَقَدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ هَذِهِ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، فِي جِهَادِنَا لِلتَّتَارِ، وَأَظْهَرَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ صِدْقَ مَا وَعَدْنَاهُمْ بِهِ، وَبَرَكَةَ مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فَتْحًا عَظِيمًا، مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُ، مُنْذُ خَرَجَتْ "مَمْلَكَةُ التَّتَارِ"، الَّتِي أَذَلَّتْ أَهْلَ الإسْلاَمِ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُهْزَمُوا، وَيُغْلَبُوا كَمَا غُلِبُوا عَلَى (بَابِ دِمَشْقَ) فِي الْغَزْوَةِ الْكُبْرَى. الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِيهَا مِنْ النِّعَمِ بِمَا لاَ نُحْصِيهِ: خُصُوصًا وَعُمُومًا". [مجموع الفتاوى، (27/511)]. ونحن اليوم نتفاءل -بما حصل للتتار بالماضي- أن يُنزله الله - تعالى - اليوم على هؤلاء (التتار الجُدد)، (العصابة المجرمة) الجاثمة على أرض الشام، فيُخرجهم أذلاء صاغرين، {ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8]. أيها الأحبة... ويبقى السؤال: هل في هذا الشرِّ من خير؟ لا ريبَ أنَّ فيه خيراً كثيراً؛ فإنَّ من سنَّة الله الماضية في عباده الموحدين: أن تكون محنتُهم منحةً، وأن يكون عُسرُهم يسراً، ومن ذلك: أولاً: نَحْسَبُ على الله قتلى أهل الشام ممَّن أصابهم الغدر والقهر، أن يكونوا من الشهداء، وأن يتقبلهم عنده في عليين، وهذا أسمى الأماني وأعظمها، الموت في سبيل الله، بل الموت؛ لكلمة الحق عند سلطان جائر، ليكونوا بمشيئة الله سادةً للشهداء. ثانياً: عرَّت هذه الأزمة ذلك الغطاء الكاذب، وكشفت عن هذا الوجه الكالح، الذي طالما تخفى وراءه هذا الرعديد (بشار)؛ (زعيم التتار)، زاعماً بأنه من (دول الممانعة) والمعاداة لإسرائيل!! فانظروا إلى مَنْ وجَّه قنابله وأسلحته الجرثومية والكيماوية؛ بمساعدة الروس والمجوس.
يا لِلطغاة وما أشقى الأنام بهم *** عاثوا قوارين، أو عاثوا فراعينا يُسقونك الشهد صرفاً في كلامهم *** وفي فعالهمُ سماً وغِسلينا أين الطواعين منهم في إبادتهم *** للخلق، قد ظلم الناس الطواعينا
كان الناس يظنون: أنه ليس لديه سلاح؛ لذا لم يحارب إسرائيل، واليوم، اكتشفنا سلاحه، وعرفنا لمن أعده، أعده (لشعبه الأعزل)، وصدق فيه قول القائل:
أسَدٌ عليَّ، وفي الحروبِ نَعامَةٌ *** فَتْخاءُ تَنُـفُرُ مِنْ صَفِيرِ الصافِرِ
ثالثاً: أدركنا وأدرك العالَم أجمع: أن هذه الأمة لن تموت، وأن الغرس الذي غرسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باقٍ، وحَيٌّ يانِعٌ، يفوح شذاه في كل مكان، معلنٌ عن توحيده لربِّه، وثبات عقيدته، وقوة يقينه. هل رأيتم –إخوتي- الناسَ في الشام، وهم يرددون: (لن نركع إلاَّ لله)؛ (كفرنا بروسيا والصين، وآمنا برب العالمين)؛ (الشعب يريد إعلان الجهاد). بعضهم يأمرونه أن يسجد لصورة بشار، فيأبى السجود، ويقتلونه أمام عائلته، مع أنَّ له مندوحةً، ومخرجاً ورخصةً في قوله - تعالى -: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106]؛ وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ)). [رواه ابن ماجه، (1/659)، (ح2045). وصححه الألباني (2/179)، (ح1677)]. ومع ذلك فقد أخذ بالعزيمة؛ وقُتل في سبيل الله -نحسبه كذلك- وهذا: (فِعْلُ حَقٌّ عند سُلطانٍ جائر)، وهو من أعظم الجهاد؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)). [رواه أحمد في (المسند)، (ح11159). وصححه الألباني في (صحيح الجامع)، (ح1980)]. هذه بعض المنح، وهي غيض من فيض، ولكن لا يتسع المقام لسردها.
يا شام، قد عظُمتْ قدراً مطالبُنا *** يا شام، قد بعُدتْ شأواً مَرامينا يا شام، لا تجزعي، فالله راعينا *** يا شام، لا تيأسي، فالله كافينا
وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
رضا خليل الجروان
مهدي الحموي
أبو طلحة الحولي
عبد الله عبد المحسن السلطان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة