..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اخبار الثورة

الحسكة... تنافس عالمي على "سورية المصغرة"

أمين العاصي

١٥ نوفمبر ٢٠١٩ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2368

الحسكة... تنافس عالمي على

شـــــارك المادة

لم يعد خافياً تنافس معظم القوى الفاعلة على الأرض السورية بهدف إيجاد موطئ قدم لها في أقصى الشمال الشرقي حيث محافظة الحسكة، التي قفزت أخيراً لتكون في قلب هذا المشهد المعقد، إذ تدرك هذه القوى الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لهذه المحافظة مترامية الأطراف، والتي تعد بمثابة "سورية المصغرة"، فهي تضم معظم مكونات الشعب السوري الدينية والقومية، من العرب والأكراد والسريان والآشوريين. وتأتي الحسكة في المرتبة الثالثة بين المحافظات السورية لجهة المساحة، حيث تبلغ أكثر من 23 ألف كيلومتر مربع، وتتصل بحدود مع دولتين، هما العراق شرقاً وتركيا شمالاً، ما يكسب موقعها الجغرافي أهمية استراتيجية، ويفسّر سبب محاولات معظم اللاعبين في الملف السوري للوجود فيها. كما تتميز الحسكة عن باقي المحافظات السورية بالتنوع السكاني، إذ تضم عرباً وأكراداً وسرياناً وأرمن ومسلمين وأيزيديين، ما يعني أنها بمثابة "سورية المصغرة".

كما تعد محافظة الحسكة سلة الغذاء الأهم في سورية، فأغلب المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، مثل القطن والقمح والشعير والعدس وسواها، تزرع في المنطقة التي يمر في وسطها نهر الخابور. ولا تتوقف ثروات محافظة الحسكة عند هذا الحد، فهي تضم عدة حقول للنفط، كانت تنتج أغلب حاجات البلاد من هذه المادة، ومنها حقل الجبسة في ريف منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، والذي يمتد حتى منطقة الهول في الريف الشرقي. كما أن هناك حقول رميلان الشهيرة في ريف مدينة القامشلي، التي تضم نحو 1322 بئراً، بالإضافة إلى معمل للغاز كان ينتج نسبة كبيرة من حاجات سورية من المادة قبل الثورة في العام 2011. ويوجد نحو 25 بئراً من الغاز في حقول السويدية بالقرب من رميلان. ويعد السويدية من أكبر الحقول في سورية.

وتقع كل هذه الحقول والآبار تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر فعلياً على عموم محافظة الحسكة، بعدما انتزعت السيطرة على ريفها الجنوبي، خلال 2016 و2017، من تنظيم "داعش"، الذي ظل لأعوام يسيطر على منطقتي الشدادي ومركدة الغنيتين بالنفط، كما حاول جاهداً السيطرة على المحافظة، لكن "الوحدات" الكردية تصدت له. وفي منتصف 2015 كاد التنظيم أن يحدث خرقاً كبيراً في الصراع على الشمال الشرقي من سورية، حيث وصل إلى تخوم مدينة الحسكة قبل أن يتراجع أمام "الوحدات" الكردية وضربات طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

ووفق دراسة ميدانية لـ"التجمع الوطني للشباب العربي في محافظة الحسكة"، نشرت في 2013، فإن المحافظة مقسمة إدارياً إلى أربع مناطق، هي المالكية، والقامشلي، ورأس العين، والحسكة. وتتبع للمحافظة نحو 14 ناحية وبلدة تشكل تجمعات سكانية هامة، وهي مركدة، والشدادي، والعريشة، والهول، والبئر الحلو، وتل حميس، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، والقحطانية (قبور البيض)، واليعربية (تل كوجر)، والجوادية، ورميلان، وجزعة. ويتركز الثقل السكاني لأكراد سورية في محافظة الحسكة، خصوصاً في مدينة القامشلي وريفها. ويرى كثيرون أن العرب يشكلون غالبية سكان المحافظة، حيث توضح الدراسة المشار إليها أن إجمالي عدد القرى في محافظة الحسكة يبلغ 1717، بينها 1161 عربية، و453 كردية، فيما يبلغ العدد الكلي للقرى الآشورية السريانية 50، وهناك 48 قرية مختلطة عربية وكردية و3 قرى عربية وسريانية وقريتان تضمان سرياناً وأكراداً. وبينت الدراسة أن التعداد الإجمالي، التقديري، لسكان محافظة الحسكة يبلغ نحو 1.5 مليون شخص.

من جانبه، أوضح المعارض السوري السرياني بسام إسحق أن السريان والمسيحيين بشكل عام كانوا قبل الثورة يشكلون 17 في المائة من أصل 1.2 مليون هم مجمل سكان المحافظة. وقال "الآن الرقم غير معروف، إذ حصلت هجرة من كافة المكونات في المحافظة". وأوضح أن السريان في محافظة الحسكة "ينتشرون على طول الخط الحدودي للمحافظة مع تركيا والعراق، وفي مدينة الحسكة، وفي تل تمر المدينة وقراها".

وليست هناك إحصائيات دقيقة يمكن الركون إليها في تحديد نسبة العرب والأكراد في محافظة الحسكة، إلا أن مصادر مطلعة أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن العرب هم الغالبية فيها، إذ يشكلون نحو 80 في المائة من عدد السكان، فيما تبلغ نسبة الأكراد نحو 18 في المائة فقط، مضيفة "خلال الثورة هاجر عدد كبير من الأكراد والمسيحيين من محافظة الحسكة إلى بلدان أوروبية، حيث اختار الأكراد ألمانيا، فيما اختار المسيحيون السويد وبلداناً أخرى، ما يعني أن الإحصائيات التي أجريت قبيل الثورة تحتاج إلى تعديل". وتضم محافظة الحسكة، التي كانت تطلق عليها قديماً تسمية "ديار ربيعة"، أبرز القبائل العربية المعروفة، خصوصاً الجبور وطي وشمّر. وعلى الرغم من تعرض عدد من العرب لعمليات تهجير، فإنهم لا يزالون يشكلون النسبة الأكبر من سكان المحافظة. وفي عام 2012، سلّم النظام السوري أغلب محافظة الحسكة إلى "الوحدات" الكردية، حيث لم يكن يملك القدرة العسكرية على السيطرة على كامل الجغرافيا السورية. واحتفظ النظام لنفسه بمربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي، بالإضافة إلى مطار القامشلي المدني. وقد حاصرت "الوحدات" الكردية الحراك الثوري في المحافظة من العرب والأكراد، وصولاً إلى إعلانها في 2013 ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية"، حيث وضعت قوانين جديدة ومنهاج تعليم مختلف لكل مكون في المحافظة.

ومن خلال نظرة على خارطة السيطرة في محافظة الحسكة، والتي تبدلت كثيراً أخيراً، خصوصاً إبان العملية العسكرية التركية، وما تلاها من تطورات، يظهر أن أغلب الفاعلين في المشهد السوري باتوا يملكون وجوداً عسكرياً في محافظة الحسكة. وعادت أخيراً فصائل المعارضة السورية، المدعومة من الجيش التركي، إلى المنطقة، حيث سيطرت على مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي التي تضم عرباً وأكراداً، وعلى عدد كبير من قراها. وبذلك بات للمعارضة موطئ قدم في جغرافيا محافظة الحسكة، وهو ما بدّل كثيراً من معطيات الصراع في الشمال الشرقي من سورية. في المقابل، نشر النظام أخيراً وحدات من قواته، هي بمثابة مخافر على طول نحو 90 كيلومتراً على الحدود السورية التركية، وفق تفاهم عسكري مع "قسد"، التي تشكل "الوحدات" الكردية عمودها الفقري، في محاولة لإيقاف العملية العسكرية التي كانت بمثابة تهديد وجودي لهذه القوات. ولا يزال النظام يحاول استرداد كامل محافظة الحسكة لإنعاش اقتصاده المتهالك، ولكن ليس من المتوقع أن يأخذ أكثر مما حصل عليه أخيراً، إذ تعتبر "الوحدات" الكردية الحسكة مجالها الحيوي الذي لا تفاوض عليه مع النظام، إلا في ظل الاعتراف بها قوة مؤثرة في مجرى الأحداث في المحافظة، خصوصاً أن الأكراد السوريين يرفضون العودة إلى ما قبل العام 2011، حيث كانوا مضطهدين من قبل النظام، وباتوا اليوم في وضع أفضل في ظل وجود قوة تحميهم.

ولا تزال "الوحدات" الكردية هي القوة الضاربة في محافظة الحسكة، إذ تسيطر على جل مساحتها، مع فصائل محلية تنضوي تحت عباءة "قسد". وعلى الرغم من أن وجود "قوات سورية الديمقراطية" بات محدوداً على طول الحدود السورية التركية، فإنها لا تزال تسيطر على كامل الحدود السورية العراقية في منطقة شرقي الفرات، وافتتحت منذ أعوام معبراً غير شرعي مع العراق هو معبر سيمالكا في شمال شرقي الحسكة. وتؤكد مصادر مطلعة أن "حزب الله" اللبناني، الذي يساند قوات النظام في الصراع، يحتفظ بقوة له داخل مطار القامشلي، إلى جانب قوات روسية تنتشر أيضاً في عدة مناطق وفق التفاهمات الأخيرة مع الجانب التركي.

في موازاة ذلك، تسعى روسيا هي الأخرى لتوسيع نطاق نفوذها في الحسكة، إذ نقلت منظومات من الدفاع الجوي وطائرات حربية من قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية إلى مطار القامشلي في الحسكة. وأعلن الجيش الروسي، أمس الخميس، أنه نشر مروحيات وصواريخ أرض جو في القامشلي، المنطقة التي كان يتمركز فيها الأميركيون من قبل. وقال قائد القاعدة تيمور خجاييف لوكالة الأنباء الرسمية الروسية "تاس" إن هذه القاعدة التي تسمى رسمياً "مكتب القيادة الجوية" ستنظم "عمليات تحليق متواصلة... لحماية الأراضي والدفاع عنها". وأضاف أن مروحيات قتالية وصلت إلى القاعدة، موضحاً أنها ستقدم الدعم للشرطة العسكرية الروسية التي تقوم بدوريات مشتركة مع الجيش التركي في هذا القطاع. وبثت قناة التلفزيون الروسية "زفيزدا" التابعة لوزارة الدفاع، لقطات لوصول ثلاث مروحيات إلى القامشلي، يظهر فيها أيضاً النظام الدفاعي المضاد للطائرات "بانتسير". وفي وقت سابق، أفادت وسائل إعلام روسية باحتمال قيام روسيا باستئجار مطار القامشلي المدني الذي يقع على بعد عدة كيلومترات من الحدود مع تركيا، لمدة 49 عاماً. كما أشارت مصادر إلى أن الروس استحوذوا على النادي الزراعي بالقرب من القامشلي لإقامة قاعدة داخله.
كما تنتشر قوات أميركية في قواعد عدة ونقاط تمركز في عموم المحافظة، خصوصاً منطقة الشدادي الغنية بالنفط، وبالقرب من منطقة رميلان وفي قرية هيمو في ريف القامشلي الغربي، وفي تل بيدر. وفي هذا السياق، قالت وكالة "الأناضول" أمس الخميس إن قوات أميركية تستعد للتمركز في قاعدتين عسكريتين جديدتين في المحافظة. وفي حال تمركز القوات الأميركية في هاتين القاعدتين عقب الانتهاء من بنائهما، سيرتفع إجمالي القواعد الأميركية في الحسكة، إلى 7 قواعد ونقاط عسكرية. وبحسب "الأناضول"، عبرت خلال اليومين الماضيين قافلتان عسكريتان أميركيتان، إلى الأراضي السورية عبر معبر اليعربية، من العراق. القافلة الأولى المكوّنة من 20 مركبة ما بين مدرعات وشاحنات، تمركزت في بلدة القحطانية على بعد 6 كيلومترات من الحدود التركية، حيث شرع الجنود الأميركيون بأعمال بناء القاعدة العسكرية هناك. أما القافلة الأميركية الثانية، فوصلت إلى قرية حيمو غربي مدينة القامشلي، على بعد 4 إلى 5 كيلومترات من الحدود التركية، وشرع الجنود الأميركيون هناك أيضاً في أعمال إنشاء النقطة العسكرية. وتبعد القاعدتان المزمع إنشاؤهما، عن بعضهما، مسافة 35 كيلومتراً.
وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت أخيراً نيتها البقاء في المناطق التي تنتشر فيها آبار النفط في منطقة شرقي نهر الفرات، في ريفي الحسكة ودير الزور. وسيرت القوات الأميركية منذ أيام دورية في المنطقة الممتدة بين رميلان والقحطانية، شرقي القامشلي، في كل من بلدات الجوادية وباب الحديد والمعبدة وقرية شبك، في أقصى الشمال الشرقي من سورية.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع