..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حكم تهنئة الكفار بأعيادهم

أيمن هاروش

٢٥ ديسمبر ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 11029

حكم تهنئة الكفار بأعيادهم

شـــــارك المادة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد انتشر بين أوساط المسلمين بلاء التقليد الأعمى للكفار، دون التمييز بين ما  يحل منه وما يحرم، لا سيما في أوساط من يعيش بين ظهرانيهم، ومن أكثر صور التقليد  الاحتفال بعيد الميلاد، والتهنئة به، ولهذا أحببت بيان حكم التهنئة بعيد الميلاد عند أهل العلم، وببيان حكم التهنئة يظهر حكم الاحتفال، لأن التهنئة أهون من الفعل، فإذا ظهر تحريم ومنع الأدنى كان الأعلى أولى منه بالمنع والتحريم.

وأعياد المشركين ومناسباتهم قسمان:

-              دينية كعيد الميلاد والقيامة

-              ودنيوية وهي إما عامة كعيد الاستقلال وعيد المعلم وعيد الأم، وإما خاصة شخصية كالزواج والنجاح  .

وفيما يأتي تفصيل حكم كل عيد منها.

 

1- حكم التهنئة بالمناسبات الدينية:

أما ماله صفة دينية فهو من الموالاة التي تدور بين الحرام والكفر، لأن التهنئة دليل الرضى والمحبة على ما عليه صاحب العيد من المناسبة، وأعيادهم الدينية كلها كفرية، والتهنئة بالكفر دليل رضى به، أما إن  هنأهم وهو غير راض ولا مقر بالكفر، بل لينال حظًا من الدنيا، فهو محرم.

وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ )

قال ملا القاري معلقًا على الحديث السابق: " قال المظهر: فيه دليل على أن تعظيم النيروز والمهرجان وغيرهما أي: من أعياد الكفار منهي عنه. قال أبو حفص الكبير الحنفي: من أهدى في النيروز بيضة إلى مشرك تعظيمًا لليوم فقد كفر بالله تعالى، وأحبط أعماله.

وقال القاضي أبو المحاسن: الحسن بن منصور الحنفي: من اشترى فيه شيئًا لم يكن يشتريه في غيره، أو أهدى فيه هدية إلى غيره فإن أراد بذلك تعظيم اليوم كما يعظمه الكفرة فقد كفر، وإن أراد بالشراء التنعم والتنزه، وبالإهداء التحاب جريًا على العادة، لم يكن كفرًا لكنه مكروه كراهة التشبه بالكفرة، حينئذ فيحترز عنه اهـ."

والكلام السابق يشمل حالة التهنئة وحالة المشاركة أو بالتقليد بالاحتفال، وهي أسوأ من الأولى.

وقال ابن تيمية: "وقد كره جمهور الأئمة - إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه - أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالاً له فيما أهل به لغير الله وما ذبح على النصب وكذلك نهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا دمًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. لأن الله تعالى يقول: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، ثم إن المسلم لا يحل له أن يعينهم على شرب الخمور بعصرها أو نحو ذلك. فكيف على ما هو من شعائر الكفر، وإذا كان لا يحل له أن يعينهم هو فكيف إذا كان هو الفاعل لذلك والله أعلم".

وفي كلام ابن تيمية زيادةُ تحريمِ بيعِهم ما يستعملونه في العيد، وأكلِ ما صنعوه في عيدهم، وهذا أخف وأبعد في الدلالة على الرضى بالكفر من التهنئة، فإن حرمت هذه فأولى منها التهنئة فضلاً عن المشاركة.

ونقل محمود السبكي بعضًا من كلام ابن تيمية السابق من غير عزو له نقلَ المقر والقائل به، فقال: " لا يحل للمسلين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم عل كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدًا اختلف في ذلك اهـ"

ويبدو أن العبارة لابن القاسم المالكي، فقد قال ابن الحاج المالكي: " سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له، قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له، ورآه من تعظيم عيده وعونًا له على مصلحة كفره، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدًا اختلف في ذلك انتهى"

وقال أبو حفص الكبير الحنفي رحمه الله : "لو أن رجلًا عبد الله تعالى خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله، وقال صاحب الجامع الأصغر إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ولم يرد به تعظيم اليوم ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر، ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ويفعله قبله أو بعده لكي لا يكون تشبيهًا بأولئك القوم, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئًا يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظمه المشركون كفر, وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر"

وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي: " ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال : ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه، وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)،  بل قال ابن الحاج لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيًا شيئًا من مصلحة عيده لا لحمًا .."  وذكر كلام ابن الحاج السابق الذي قاله ابن تيمية والسبكي، مما يؤكد أن القول لابن القاسم المالكي.

وقال شرف الدين أبو النجا الحنبلي: " ويحرم شهودُ عيد اليهود والنصارى وبيعُه لهم فيه ومهاداتهم لعيدهم ويحرم بيعهم ما يعملونه كنيسة أو تمثالًا ونحوه وكل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم والتشبه بهم منهي عنه إجماعًا وتجب عقوبة فاعله" .

وقال ابن القيم: " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.

وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه، وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعًا لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرًا، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك" .

فهذه نقولات المذاهب الأربعة على تحريم المشاركة والتهنئة، لما فيها من التشبه والتعظيم، وقد بينت بعض هذه النقولات أنه يكون كفرًا إن ظهر من الفاعل اعتقاد العمل أو الرضى به وتصويبه.

2- حكم التهنئة بالمناسبات الدنيوية:

وأما ما كان من أعياد دنيوية عامة ابتدعوها، كعيد الأم ونحوه، فيحرم فعلها لعلتين:

أ‌-التشبه بالكفار، وقد نهينا عنه، وهو أصل ثابت لا ينازَع فيه، وليس منه الاستفادة بما عندهم من علوم وأفكار، والضابط بين الصورتين، أن ما كان محض تقليد واتباع فهو تشبه منهي عنه، وما كان استفادة وانتفاعًا بما يعود بالخير على المسلمين في دينهم أو دنياهم، فهو من الاستفادة الجائزة وأحيانًا المأمور بها.

ب‌- الابتداع،  لأن العيد له مدلول ومعنى تعبدي،  فالمسلمون لهم عيدان فقط، كما صرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق، وقد بين ابن تيمية بكلام طويل هاتين العلتين في تحريم موافقة الكفار بأعيادهم، في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم.

وأما تهنئتهم بالمناسبات الاجتماعية الخاصة كالزواج والنجاح والشفاء، وحضورها معهم فيما ليس فيه معصية، فهي تدخل في باب البر والقسط بالكفار الذي أباحته الشريعة مع غير المحاربين.  

وضابط التفريق بين التشبه والبر، أو بين الموالاة والبر، كما أشار لها القرافي رحمه الله في الفروق، أن ما كان يستحسن فعله من العلى للأدني فهو من البر، كالصدقة والمساعدة وزيارة المريض ومواساة المحزون وتهنئة في فرح دنيوي، وما كان يقبح فعله من الأعلى للأدنى فلا يجوز كالتقليد والتشبه، ويمكن أن نضع ضابطًا آخر فنقول: ما كان من أمور الدنيا على سبيل الإحسان والعطف فهو من البر، وما كان في الدين أو في الدينا على سبيل التعظيم والتقليد فهو من الموالاة.

يقول ابن القيم: " فصل في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما ، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نيحك فيه، أو يقول له: أعزك الله أو أكرمك إلا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة" .

ولقد ظهر في الآونة الخيرة من يشارك الكفار حضور عباداتهم في مناسباتهم الدينية وفي أماكن عباداتهم، كالكنائس، بحجة التسامح الديني، ولئن كانت المشاركة بأعياد الكفار محرمة، وتكون كفراً مع الرضا والموافقة، فحضور عباداتهم في دورهم أشد وأغلظ، بل ظهر من يقرأ تراتيل النصارى الشركية على الإعلام مع القساوسة ليعطي برهانًا على التسامح، وهو يرتدي عمامته وجبته الأزهرية ولله المشتكى.

ويمكن بناءً على هذا التأصيل أن نبني حكم التهنئة بالمناسبات السياسية، فبعضها ينطوي على معنى كفري كتأسيس حزب كافر كالشيوعي مثلاً، وبعضها ينطوي على معنى محرم كعيد ثورة ظالمة انتصرت في بلد من البلاد ، كثورة 8 من آذار في سوريا، وبعضها ينطوي على معنى مباح كاستقلال دولة كافرة من دولة كافرة، كاستقلال فرنسا من ألمانيا.

 

3- التهنئة بالأعياد السياسية الدولية:

لا بد من ملاحظة معنى الضرورة في ظل النظام العالمي والتقييد بالأعراف الدولية بين الدول في مثل هذه المناسبات، فالدول في معاملاتها الرسمية تخضع لأعراف وتقاليد دولية يصطلح على تسميتها بالقانون الدولي.

وهذه الأعراف الدولية لا تستطيع الدول أن تخرج عنها، لأنه سيعتبر الخروج عنها تمردًا وقد يجلب عليها ضررًا، كالتهنئة بالأعياد الوطنية والمناسبات الدينية الرسمية.

فمثلاً عندما يكون للدولة عيد وطني لا بد لكل سفير فيها أن يرسل تهنئة للحاكم تكون بمنزلة رسالة تؤكد استمرار العلاقة والصداقة بينهما.

وأحيانًا يضطر رئيس دولة ما ليهنئ رئيسًا آخر بمناسبة وطنية أو تسلمه الحكم أو ما شابه ذلك.

ولا تخلو هذه المناسبات من تلبس بكفر أو محرم، فهنا لا بد من مراعاة الضرورة التي تجبر للقيام بهذه التهنئات، فيمكن أن تعتبر هذه الضرورة مانعًا من موانع إسقاط الحكم على فاعلها وليست ملغية له، أي لا نقول إنها جعلت من التهنئة المحرمة أو حلالاً، بل أباحت للمسلم الوقوع في المحرم للضرورة،  وهذا ما نفهمه مما جاء في كلام ابن القيم السابق: " وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعًا لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرًا، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك" .

 

4- فتوى فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا:

وقد نقل بعضهم فتوى لفضيلة الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تجيز التهنئة، وسأنقل الفتوى ثم أعلق عليها.

فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

     يرجى بيان الحكم الشرعي في الأمور  التالية:

١- تهنئة النصارى بعيد الميلاد وعيد رأس السنة الميلادية.

٢- طباعة بطاقات التهنئة الخاصة بأعياد الميلاد ورأس السنة وعيد الميلاد الشخصي.

٣- تجارة بيع بطاقات التهنئة المذكورة سابقا.

                   جزاكم الله عنا الخير الجزيل

                     أنس محمد الصّباغ

                     الرياض في ٢٠/ ٦/ ١٤١٧هـ

الجواب:

 ابن الأخ الكريم أنس الصّباغ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تهنئة النصارى بعيد الميلاد

إنّ تهنئةَ الشّخص المُسلِم لمعارِفه النّصارَى بعيدِ ميلاد المَسيح ـ عليه الصّلاة والسلام ـ هي في نظري من قَبيل المُجاملة لهم والمحاسَنة في معاشرتهم. وإن الإسلام لا ينهانا عن مثل هذه المجاملة أو المحاسَنة لهم، ولا سيّما أنّ السيد المَسيح هو في عقيدتنا الإسلاميّة من رسل الله العِظام أولي العزم، فهو مُعظَّم عندنا أيضًا، لكنهم يُغالُون فيه فيعتقدونَه إلهًا، تعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا.

  ومن يتوهَّم أنّ هذه المُعايَدةَ لهم في يوم ميلاده ـ عليه السلام ـ حَرام؛ لأنّها ذات عَلاقة بعقيدتِهم في ألوهيّته فهو مُخطئ، فليس في هذه المجامَلة أي صِلة بتفاصيلِ عقيدتِهم فيه وغُلُوِّهم فيها .

وقد نُقل أن نبيَّنا محمّدًا ـ صلّى الله عليه وسلم ـ مرّت به وهو بين أصحابه جنازة يهوديّ فقامَ لها فهذا القيامُ قد كان تعبيرًا عمّا للموت من هيبة وجلال، ولا عَلاقة له بعقيدة صاحب الجنازة .

والمسلِم مطلوبٌ منه أن يُظهِرَ محاسِنَ الإسلامِ واعتدالَه لغير المسلمين، ولا يُجبِرهم إذا كانوا من رعاياه وأهل ذِمّته على اعتناق الإسلام، بل يتسامَح معهم ويترُكهم على ما يُدينون به .

وأضفْ إلى ذلك حال المسلمين اليوم من الضَّعف بين دول العالم، وتآمُر الدول الكبرى عليهم واتِّهامِهم بأنّهم إرهابيّون ومتعصِّبون لا يُطْمَأن إليهم إلى آخر المعزوفة… وحاجة المُسلمين اليوم إلى تغيير الصورة القاتمة عنهم التي يصوِّرهم بها العالَم الأجنبي.

ولا سيِّما أن المسلمَ قد يأتيه في عيده (الفطر والأضحى) معارِفُ له من النّصارى يُهنِّئونه فيه. فإذا لم يَرد لهم الزيارة في عيد الميلاد، كان ذلك مؤيِّدًا لِما يتَّهَم به المسلمون من الجَفوة، وعدم استعدادهم للائتلاف مع غيرهم، والمُحاسَنة في التّعامُل.

وما يقال عن التهنئة بعيد الميلاد يقال عن رأس السنة المِيلادية بطريق الأولويّة، لأن رأس السنة الميلاديّة لا صلة لها بالعقيدةِ، وإنّما هو مجرّد بداية التاريخ.

وقد كان الصّحابة الكرام حين جمعهم سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ للمذاكَرة في تعيِين حَدَث يكون مبدأً لحِساب السِّنين (التاريخ) طَرحوا فيما طَرحوا من آراء أن يُعتَمَدَ تاريخ الرومِ، أو تاريخ اليهودِ، فلو كان هذا حرامًا لما عَرَضوه.

وإذا عرَفنا الرأي الشرعي في التهنئة يُعرَف حكم طباعة البِطاقات والمُتاجَرة بها؛ لأن ما كان من وسائل المُباح فهو مباح.

لكن هنا نقطة توقُّف مُهِمٍّ يجب الانتباه إليها؛ فإذا كانت تهنئة المسلِم للنّصارى في ذلك مُباحة فيما يظهر لأنّها من قبيل المجاملة والمحاسَنة في التّعامُل، فإن الاحتفال برأس السنة الميلاديّة وما يجري فيه من منكَرات هو أمر آخر فيه تقليد واتباع من المسلمين لغيرِهم في عادات وابتهاج ومنكَرات يجعلُها من قَبيل الحَرام.

  هذا ما يبدو لي، والله سبحانه أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مصطفى أحمد الزرقاء

٢٢/ ٦/ ١٤١٧هـ

٣/ ١١/ ١٩٩٦.

فتاوى الزرقا ٣٥٥-٣٥٧

 

5- تعليق على الفتوى السابقة:

قلت: رحم الله الشيخ الجليل وغفر له وبوأه الجنة منزلا وهو حبيب إلينا ولكن الحق إلينا أحب وفي كلامه السابق بعض الوقفات

الأولى اعتبر التهنئة من قبيل المجاملة وهي ليست دائما كذلك فمنها ما يكون مجاملة ومنها ما يكون توددا ومنها ما يكون اقرارا ومنها ما يكون صاحبها مكرها ولكل واحدة حكمها.

الثانية قال ان هذه المجاملة لم ينهنا عنها الإسلام وليت فضيلته ساق النصوص والأقوال التي تؤيد وجهته مع ان الثابت في النصوص وكلام أهل العلم في تهنئة الكفار بأعيادهم خلاف ما قاله الشيخ ونقلت بعضه في منشوري السابق.

الثالثة اعتبر أن التهنئة لا علاقة لها بغلوهم بعيسى والحق أن العلاقة بين مناسبة العيد وغلوهم في عيسى من جهة والعلاقة بين التهنئة بعيد كفري والرضا به من جهة أخرى.

الرابعة ساق فعل النبي مع جنازة اليهودي

وبغض النظر عن  علة الوقوف التي قالها الشيخ فلو سلمنا بصحة العلة  التي قالها فهو من باب البر بالكفار لا المودة لهم وسيأتي الكلام عن الفرق بينهما في النقطة التالية 

الخامسة ان المسلم مطلوب منه ان يظهر محاسن الإسلام وهو حق ولكن بالمقابل مطلوب منه البراءة من الكفر وأهله والفرق بينهما باختصار ان البر بالكفار وإظهار محاسن الإسلام في أمور الدنيا التي يستحسن فعلها من الأعلى للادني كتعزية ميت وزيارة مريض وصدقة لمحتاج واما البراءة فهي في أمور دينهم أو التشبه الذي لا يستحسن من الأعلى للأدنى وواضح ان التهنئة منها وأطال القرافي وغيره في بيان الفرق بين مودة الكافرين المحرمة والبر والقسط بهم المباح.

السادسة ان حال المسلمين الضعف وهم بحاجة لدفع الضرر عنهم بالتهنئة وهذا صحيح لكن توصيفه الصحيح هو انه مانع من موانع إسقاط الحكم على الفاعل أو عذر يبيح فعل المحرم وليس وصفا يجعل المحرم حلالا كما أفهم كلام الشيخ وقال ابن القيم قريبا مما قلته فيمن اضطر للتهنئة

السابعة فعل الصحابة باعتبار التاريخ قياس مع الفارق إذ لا يوجد فيه معنى ديني كفري بل هو تقليد الكفار في أمور الدنيا التي فيها نفع كالاستفادة من علومهم ومخترعاتهم

والثامنة تحذير الشيخ من الاحتفال لما فيه من التقليد وجزى الله الشيخ خيرا على تحذيره لكن من تأمل معنى التهنئة ومعنى الاحتفال وجد فيهما الاشتراك بالتبعية والتشبيه والمودة للكفار وان كانت هذه المعاني في الاحتفال أوضح.

وأخيرا فقد اطال أهل العلم قديما ومن كل المذاهب في بيان حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم بل وبيعهم ما يستعملونه فيها وبينت هذا كله في النقولات أول الكلام .

رحم الله الشيخ الزرقا وكل علمائنا وجمعنا بهم في مستقر رحمته.

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع