أحمد عمر
تصدير المادة
المشاهدات : 2787
شـــــارك المادة
عندما احتلت فرنسا دمشق، أسرع الغازي الفرنسي، غورو، إلى صلاح الدين في منزله الأخير، وخاطبه مخاطبة الحي: "ها قد عدنا، يا صلاح الدين"، لكنّ حلّاق باب الحارة السوري يراه كذبةً كبيرة!
في سورية المحتلة أسوأ احتلال منذ بدء الخليقة، آلاف التماثيل لخفاش الليل، كما وصف حسني مبارك رئيس الاحتلال السوري، في مداخل المدن والمكاتب الرسمية وأحلام الشعب وكوابيسه، أصنام كما يسميها عامة السوريين. بعضها يشبه شكري سرحان، وبعضها يشبه "أبو عصام"، وبعضها يشبه أم عصام. فيها كلها؛ يقف الأسد وحده، مع أنه ابن الشعب البار حسب أدبيات الحزب، عديمة الأدب، أو يجلس وحده، إلا تمثال صلاح الدين الأيوبي، فهو على حصانه، وبيده سيفُه، ومعه جنده، ولا يشبه أحداً. وليست التماثيل من عقيدة عامة شعبها، فعدم وجود نصب تذكاري لن يزيد في ذكره كثيراً، ولن ينقص منه قليلاً. ونصب صلاح الدين، مُحدَث الإنشاء، من تصميم الفنان عبدالله السيد، قبالة قلعة دمشق. قلعة من حجر وأمامها قلعة من بشر. تعرّض صلاح الدين لمحاولتي اغتيال، نفذها الحشاشون، أجداد الذين يحكمون دمشق الآن. في المحاولة الأولى 1175، دخلوا إلى خيمة صلاح الدين، فعرفهم أحد الأمراء، فاشتبكوا معه وأثخنوه جراحاً. كانت المحاولة الثانية في نواحي حلب. تسلل أحد الحشاشين، وطعن رأس صلاح الدين بخنجر، لكن صلاح الدين كان، بعد المحاولة الأولى، شديد الحذر من الباطنيين. هكذا صار اسم الحشاشين في آثار المؤرخين. وكان يعتمر من باب الاحتراس بمغفرٍ زردٍ تحت القلنسوة، ويضع حول عنقه تباناً مزرداً، فارتد الخنجر، ونجا من تلك المحاولة أيضاً. وعزم على مهاجمة عاصمة الحشاشين في مصياف. تقول رواية ابن الأثير إن شيخ الجبل، رشيد الدين سنان، أرسل إلى خال صلاح الدين يهدِّد الأسرة جميعها بالقتل، فرفع الحصار عن مصياف. والثانية حشاشية، خيالية، تقول إنَّ صلاح الدين طلب مقابلة شيخ الجبل، ونثر كلساً حول خيمته، ورأى الشيخ ينساب مثل النسمة، من غير أن يُرى له أثر على الكلس، تاركاً له كعكةً مسمومة، هدية، فارتاع وعاد بسرعة إلى دمشق. وكف عنهم خوفاً منهم. ولم يغلب الحشاشين أحدٌ سوى المغول. اغتال أحفاد هؤلاء القتلة، بعزمٍ لا يلين، نخبة سورية الكريمة؛ صلاح الدين البيطار، وزوجة عصام العطار، وكمال جنبلاط، ورفيق الحريري وعشرات القادة، وصولاً إلى قتل الشعب السوري بالبراميل. الأسد نُصِّبَ رئيساً لسورية لمنع ظهور صلاح الدين الجديد، وما نصب صلاح الدين إلا قناع، مثله مثل صلاة الأسد في الجامع للتقية. نعرف ما قاله حلّاق الوطنية، بل نزيد فنذكّره بأنَّ صلاح الدين أرسل طبيبه لمعالجة قائد جيش العدو، وليس مثل الأسد الذي عالج آلام شعبه بالسارين والبراميل والموت تحت التعذيب، وقصة الأم الفرنجية التي فقدت رضيعها، فأمر صلاح الدين الجيش كله بالبحث عنه، وليس مثل الأسد الذي أثكل الأمهات السوريات. تتالت التعليقات بعد تصريح زعيم باب الحارة الذي بعثه المخرج من الموت، وأفضلها الذي قال: إذا كان صلاح الدين قد انتصر نصف انتصارٍ في حطين، فإن الأسد سلّم الجولان إلى إسرائيل من غير حرب، وابنه سلّم سورية كلها للروس والإيرانيين والأميركان وشراذم الأرض. لصلاح الدين أنصابٌ تذكارية في القاهرة ودمشق وبغداد، نصبها النصّابون، وقد أضاعوا البلاد. بقي صلاح الدين أسطورة في بلاد الفرنجة، تخوّفُ به الأمهات أطفالهن حتى يناموا. وكان قد سحر الغرب بحلمه وفضله وإحسانه وأخلاق الفرسان، حتى إنّ دانتي أليجيري أكرمه في الأنشودة الرابعة، وهي أنشودة من مات من غير تعميد، وشرّفه مع عظماء العالم القديم الوثني، في الحلقة الأولى من الجحيم. ولعل إعجاب المؤرخين والأدباء الفرنجة، عادلين وظالمين، بصلاح الدين، يؤكّد ما قاله حفيد غورو الذي يحاول ستر الشمس بغربال، مثل العنزة الجرباء المصرية، يوسف حديدان، التي عمدت إلى أول النبع، لا لتشرب منه، بل لتبعر فيه. و"قد تُنكر العين ضوء الشمس من رمد/ وينكر الفم طعم الماءِ من سقم". الأمر أسوأ من الرمد والسقم. ليست رمّانة بل قلوب مليانة. انتهى زمنٌ كان فيه الحلاق طبيباً لأسنان البشر، فرفع نفسه، وأمسى يعمل في قلع أسنان التاريخ.
جهاد أبو حمزة
باسم الجسر
قتادة الطائي
خالد مصطفى
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة