حسين عبد العزيز
تصدير المادة
المشاهدات : 2300
شـــــارك المادة
أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل أيام أن المهام المتعلقة بمحاربة الإرهاب في إدلب (في سورية) شارفت على نهايتها، وأن الهجوم على إدلب أصبح وشيكا، وأن من حق النظام السوري محاربة الإرهاب. وتوازى هذا التصريح مع استكمال دمشق حشودها العسكرية في محيط إدلب، في وقت لا يزال فيه المسؤولون الأتراك يتحدّثون عن إمكانية تفادي وقوع معركة، على الرغم من قناعة أنقرة أنها واقعة لا محالة، ليس بسبب التصريحات الروسية والحشود العسكرية للنظام فحسب، بل لأن مسار تطور الصراع يؤكد أن معركة إدلب من الضرورات الاستراتيجية التي لا غنى عنها، للانتقال جدّيا إلى المستوى السياسي، والانتقال إلى بحث قضايا أخرى ما فوق ثنائية النظام/ المعارضة، كالمسألة الكردية، ومسألة الوجود الأميركي، واللاجئين، وملف إعادة الإعمار. من الواضح أن تركيا نجحت في تأخير العملية العسكرية، وستنجح، على ما يبدو، في ضبط إيقاعها وحدودها، فلن تكون معركة كسر عظم مع المعارضة السورية، أي لن تكون معركة واسعة ومفتوحة للنظام، من أجل السيطرة على كامل إدلب، فالعلاقة الروسية ـ التركية الآن لا تسمح بذلك، وإنما ستكون عملية محدودة، أقصى هدف ممكن لها هو معرّة النعمان، أو ربما مدينة إدلب. كيفية تحييد التنظيمات الإرهابية وكيفية التعامل معها أو مع بعضها لاحقا، ودور فصائل المعارضة في المعركة، مسائل تعقد المشهد، لكنها تظل، في نهاية المطاف، تفاصيل غير استراتيجية. وما هو استراتيجي يكمن في معركة إدلب في حد ذاتها، محدودة كانت أو واسعة، لأن الأبعاد الاستراتيجية للمعركة ستنعكس على صعيد الجغرافيا العسكرية المحلية (النظام/ المعارضة) أولا، وعلى صعيد الجغرافية العسكرية الإقليمية ـ الدولية (روسيا/ تركيا) ثانيا، وعلى موازين القوى التي سترتب عليها في المديين، القريب والمتوسط، ثالثا. ويمكن تلخيص الأهمية الاستراتيجية هذه في ثلاثة عناوين رئيسية: أولا، تعتبر محافظة إدلب آخر بقعة جغرافية وازنة، تحت هيمنة فصائل المعارضة (منطقتا درع الفرات وعفرين تحت الهيمنة التركية ونشأتا وفقا لتفاهمات إقليمية/ دولية لا علاقة لها بثنائية النظام/ المعارضة)، وخسارتها كليا أو جزئيا تعني تحويل الفصائل العسكرية إلى قوىً كامنة في حالة القوة، غير قادرة على الانتقال إلى حالة الفعل والتأثير. بعبارة أخرى، ستخسر الفصائل القدرة على اتخاذ القرارات العسكرية، سواء بقيت في بعض مناطق محافظة إدلب أو انتقلت إلى منطقتي درع الفرات وعفرين، وسيصبح القرار العسكري بيد أنقرة، وبالتالي ستنتهي عمليا المعارك بين المعارضة والنظام، على الأقل وفق الموازين الاستراتيجية القائمة. ثانيا، من شأن القضاء على جميع التنظيمات الإرهابية أن يؤدّي إلى نشوء مساحة جغرافية صافية لفصائل المعارضة، وخالية من أية تنظيمات أيديولوجية متطرّفة، ما يسمح للمعارضة بإعادة إنتاج نوع من السلطة المحلية، ونوع من القوة المتماسكة، وإن كانت معطلة عمليا. ومن شأن القضاء على التنظيمات الإرهابية أيضا أن يجعل التفاهم بين موسكو وأنقرة أسهل حيال مستقبل فصائل المعارضة، ومصير ما تبقى من إدلب. ثالثا، أهمية معركة إدلب تكمن فيما بعدها، حيث ستكون مناطق المعارضة المدعومة من تركيا بين فكي كماشة، ومحاطة من عدوين: عمليا النظام ونظريا قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وستكون المرحلة التي تلي معركة إدلب عنوانا لتفاهمات جديدة بين موسكو وأنقرة حيال الوجود التركي في سورية. وإذا كانت المرحلة الحالية لا تسمح بطرح هذا السؤال، فإن المرحلة المقبلة تسمح بذلك. وقد يستغل النظام و"قسد"، كلٌّ لأسبابه، تلك المرحلة لإجراء تفاهمات مشتركة تجاه منطقتي عفرين ودرع الفرات، بما يؤدي إلى إرباك العلاقة الروسية ـ التركية، ووضعها على سكة جديدة. والحقيقة أن روسيا لا تزال تعول على اختراق أو إعادة العلاقة مع القوى الكردية إلى سابق عهدها، كما كانت قبل سنتين، ما قد يسمح للكرملين بقدرة أوسع على ملاعبة الفاعلين المحليين والإقليميين، ويجعلها في موقفٍ أقوى على ممارسة الابتزاز السياسي. ولن يكون مستبعدا أن ترفع روسيا بعد معركة إدلب مستوى ضغوطها على تركيا، سواء على مستوى الجغرافيا العسكرية أو على المستوى السياسي، مدركة أن أنقرة أصبحت مكشوفةً في سورية، فمن الناحية السياسية لا توجد قوى دولية وإقليمية قادرة على مساندة الموقف التركي حيال المسألة الدستورية، والانتقال السياسي، باستثناء مواقف أميركية مبعثرة، وهذا أمر يخدم روسيا، خصوصا في ظل العلاقة المتوترة بين أنقرة وواشنطن. ومن الناحية العسكرية، ستتقلص المساحة الجغرافية المحسوبة على تركيا، وستتقلّص معها الخيارات العسكرية. وربما يدفع هذا الواقع المستجد إلى تغيير جذري في بيئة الصراع، بحيث تحوّل أنقرة قوتها مع فصائل المعارضة لمقاتلة "قسد"، بدعم مضمر من روسيا، في مقابل السماح لها بالبقاء في منطقتي درع الفرات وعفرين. وربما تذهب روسيا أبعد من ذلك، عبر دعم تركيا عبور نهر الفرات شرقا، في محاولةٍ لجعلها رأس حربة في الصراع مع الولايات المتحدة، تحت عنوان التهديد القومي الكردي. في كل الأحوال، سيكون المشهد السوري مختلفا كثيرا بعد معركة إدلب، وسيكون الدور التركي في سورية، وطبيعة تحالفاته، عنوانا للمرحلة المقبلة.
برهان غليون
حسان الحموي
أحمد دعدوش
أنور مالك
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة