علي سفر
تصدير المادة
المشاهدات : 2481
شـــــارك المادة
يغلب في هذه الأيام على السوريين الثائرين ضد نظام بشار الأسد إحساس عالٍ بالانكسار، يتبدّى في تدويناتهم السريعة على صفحات التواصل الاجتماعي، وكذلك فيما يسطره بعضهم في المقالات والتحليلات، حيث تتحدث الغالبية عن هزيمة الثورة بعد سلسلة هزائم عسكرية لحقت بالفصائل المسلحة، تمكّن النظام بعدها من استعادة السيطرة على مجمل المناطق التي خرجت عن سيطرته طوال السنوات السبع السابقة.
غير أن السؤال الذي تفرضه تفاصيل ما يجري وما يكتب يقول: هل يستطيع المرء عملياً، ضمن الحالة السورية المضطربة الراهنة، أن يحصل على إثبات فعلي بوقوع هزيمة شاملة، يمنح الشعور بالانكسار والخيبة الصدقية؟ مواجهة الواقع النفسي المتردي لدى الجماعات والأفراد، في مثل هذه اللحظات، قضية مهمة للغاية، إذ لا يمكن أن يتحدّث مدون أو كاتب عن ثورة مهزومة، بينما تقول الوقائع إن هؤلاء الثوار "المهزومين" نظرياً وعملياً، كما تردّد وسائل إعلام الممانعة، لم يرفعوا الراية البيضاء نفسياً أمام عدوهم، وما زالوا يقارعون هذه الموجة العاتية من محاولات تعويم النظام عالمياً. وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن خسارة هائلة قد وقعت على الأرض، زلزلت نفوس كل من راهن على تحرير الأرض السورية من سيطرة الديكتاتورية، حينما استطاعت القوى المتحالفة مع النظام السوري (روسيا، إيران، مليشيات طائفية، مرتزقة) إحالة هزيمته العسكرية على يد الفصائل الإسلامية بالدرجة الأولى، والجيش الحر بالدرجة الثانية، والتي كادت تكون كاملة بين 2012 و2015 إلى ما يشبه النصر على الأرض في 2018.
لا يحتاج متتبع التفاصيل اليومية في الشأن السوري إلى جهد كبير، لكي يخلّص هذه التفاصيل من الأكاذيب التي يكسو بها الإعلام الممانع وقائع الأحداث، فأدوات حرب النظام الراهنة لم تكن موجهةً ضد الجماعات التي رفعت السلاح ضده بشكل رئيسي، بل كانت تغرق المدنيين بالموت الجماعي والتدمير الشامل، وغالبية الإحصائيات التي قدمتها جمعيات حقوق الإنسان كانت تؤشر إلى أن العمليات العسكرية كانت تستمر عبر قصف جوي عنيف فترة طويلة، تتم فيها تسوية المباني السكنية بالأرض، وتجعل الموت احتمالاً حاضراً، حتى لدى الذين كانوا يلجأون إلى الأقبية، لتجنب خطر البراميل والصواريخ المدمرة.
وفي نهاية الخطة، كانت الفصائل المسلحة، إسلامية أو محلية، وما تبقى من كتائب الجيش الحر، تبرم اتفاق تسويةٍ مع النظام عبر الوسيط الروسي، لتخرج من المنطقة المستهدفة. ما يعني أن الانتصارات المزعومة فعلياً لم تكن سوى قدرة القوة العسكرية الغاشمة للنظام وحلفائه على تنفيذ أكبر العمليات الإرهابية ضد المدنيين، لإجبار العسكريين على المغادرة أو التسليم!
ترك الساحة السورية، والالتفات إلى قضايا أخرى، هذا ما فعله العالم وهو يشاهد المذابح اليومية التي ارتكبها النظام وحلفاؤه طوال السنوات السبع السابقة. وبالتأكيد، ليست قدرة الجماعة الإنسانية على التحمل مطلقة. وبالتالي، سيصبح الانكسار أمام هذا الضغط أمراً محتملاً في أي لحظة، طالما أن البشر يقاومون دون وجود الدعم الذي يقويهم ويمنحهم القدرة على الصمود. وعلى الرغم من ذلك، لم ينجح النظام في حربه ضد السوريين الثائرين عليه إلا بعد ثماني سنوات، وعبر استخدام آلة الموت الروسية الجبارة التي جلبت لسورية من أجل تجريبها بالسوريين، فهل ستبقى لمعاني الانتصار التي يروّجها الإعلام الممانع ومن معه، المعاني نفسها المتفق عليها في كتب التاريخ؟ وهل ستصبح الخلخلة النفسية الراهنة لدى السوريين الذين انتقلوا من النزوح إلى اللجوء والشتات في أصقاع الأرض، هزيمة فعلية؟
أراد العالم أن يتخلص من المشكلة السورية، لكن محاولاته كلها كانت تتركّز على معالجة النتائج، لا الأسباب. ولهذا استطاع النظام أن يصدّر لهذا العالم ذاته المشكلة تلو الأخرى، طالما أن أحداً لم يرد أن يقدم على فعل التخلص من النظام. وفي النهاية، كان خيار التخلص من السوريين أنفسهم الواقعة الأشد وضوحاً في السياق. لقد تمت إبادة الجماعة البشرية، تحت سمع ومرأى العالم كله. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الثائرون لا يسلمون بقصة انتصار الأسد، إنهم يعرفون الحقيقة، ولا يكذبون على أنفسهم؛ لقد استباحت روسيا وإيران المدنيين، فهرب العسكريون، ومد النظام رأسه أمام الكاميرات، ملوّحاً بشارة النصر، ولكن من انتصر على من؟ هل يصدّق أحد كل ما يساق من أجوبة؟.
عبد الله الطنطاوي
محمد أبو رمان
منذر الأسعد
حسين عبد العزيز
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة