حسين عبد العزيز
تصدير المادة
المشاهدات : 2335
شـــــارك المادة
لا تكمن أهمية الضربة الأميركية (بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا) لمواقع تابعة للنظام السوري المنفَّذة يوم 14 أبريل/نيسان الجاري في أبعادها العسكرية، بقدر ما تكمن في أبعادها الإستراتيجية المرتبطة بالصراع الأميركي/الروسي.
فالولايات المتحدة ثبتت عبر هذه الضربة خطها الأحمر بقوة السلاح لا على صعيد السلاح الكيميائي فحسب، وإنما أيضا -وهذا هو الأهم- على صعيد ترتيبات الجغرافيا العسكرية داخل سوريا، وهو ما يؤرق موسكو ويضعها في عنق الزجاجة.
مأزق إستراتيجي المشكلة التي تواجهها روسيا في سوريا -ولا إمكانية لحلها في الأفق القريب- تكمن في أن موسكو غير قادرة على تغيير الحدود الداخلية التي رسمتها واشنطن، ولا هي قادرة على لجم الهجمات الأميركية، بينما الأخيرة قادرة على لجم اندفاعة حلفاء الروس وضربهم، كما جرى في دير الزور قبل شهرين وجرى في الضربة الأخيرة.
والأمر ذاته ينطبق على الحليف الأميركي (إسرائيل) القادرة على ردع وضرب النظام وإيران، بينما لا يستطيع الأخيران فعل ذلك، وقد تلقى الحلف الروسي خلال الشهرين الماضيين ضربات عنيفة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي ضوء ذلك؛ لم تنجح موسكو في استثمار نجاحاتها العسكرية في سوريا على الصعيد الإستراتيجي، وبقيت أسيرة الأراضي التي تسيطر عليها، وهذه إحدى مفارقات الجغرافيا حين تنقلب على روادها.
هكذا يبدو المشهد الميداني: واشنطن تسيطر على مقدرات البلاد الاقتصادية (المياه/ نهر الفرات، الكهرباء/ سد الفرات، الثروات الباطنية/ نفط وغاز، الزراعة)، وستسيطر تقريبا على كامل الحدود باستثناء الحدود اللبنانية التي لا تفيد النظام السوري بقدر ما تفيد لبنان.
الروس في عنق الزجاجة؛ فقدراتهم العسكرية الكبيرة وصلت إلى حدها الأقصى، وبدأت تستحيل إلى عبء إستراتيجي، فلا هم قادرون على وقف المعارك ولا هم قادرون على فتح باب السياسة.
وتصريحات سيرغي ريابكوف -وهو نائب وزير الخارجية الروسي- توضح المأزق الروسي وعجز صناع القرار على اجتراح حلول لمأزقهم، في ظل طغيان الحضور الأميركي؛ فقد قال ريابكوف إن "موسكو لا تعلم كيف سيتطور الوضع في سوريا فيما يتعلق بالحفاظ على وحدة أراضيها".
ومع أن هذا التصريح يحمل في طياته رسائل سياسية تحمّل واشنطن المسؤولية عن تقسيم سوريا؛ إلا أنه يحمل في طياته فشلا واعترافا روسياً مضمرا بالعجز.
ويترافق ذلك مع فشل روسي مضاعف على جبهة النظام السياسية، فإلى الآن لم تستطع موسكو إقناع دمشق بإطلاق مسار سياسي جاد، وحتى اللجنة الدستورية المنبثقة عن مؤتمر سوتشي قوبلت برفض من النظام.
ومع غياب إستراتيجية أميركية واضحة المعالم للحل والتقارب مع روسيا، وجد صناع القرار في الكرملين أنفسهم مضطرين إلى الاعتماد على إيران وتركيا لمواجهة المخططات الأميركية، مع ما يعنيه ذلك من ضعف يصيب روسيا على حساب حليفيها الإقليميين، ولذلك جاءت معركتا عفرين والغوطة الشرقية.
غير أن هذا المأزق لا يقتصر على موسكو، بل يمتد إلى طهران ودمشق أيضا؛ فبالنسبة لإيران فإنها محكومة بسقف لا تستطيع تجاوزه في سوريا (روسيا)، وبعدوّ يتربص بها (إسرائيل)، وبحليف لا يمنحها كل ما تريده (النظام السوري).
ولذلك وجدت طهران نفسها مضطرة إلى اجتراح أساليبها الخاصة وإن كانت ذا تكلفة باهظة على سوريا الضعيفة، كما جرى في دير الزور قبل شهرين، وما جرى حين أرسلت مؤخرا طائرة مسيرة إلى الأجواء الإسرائيلية.
وبالنسبة لدمشق؛ فهي قادرة -إلى الآن- على استعادة مناطق جغرافية خارج معادلة الصراع، وقادرة على تعطيل الملف السياسي، لكنها عاجزة عن إعادة تأهيل نفسها عسكريا وسياسيا.
خيارات عسكرية أمام انسداد الأفق العسكري والسياسي؛ يجهد المحور الروسي على استكمال العمل العسكري في المناطق التي لا يصطدم بها مع الأميركيين، أي المناطق الرخوة (القلمون الشرقي وريف حمص الشمالي وبعض أرياف حماة). لكنّ المنطقتين المهمتين بالنسبة لهذا المحور في هذه المرحلة، هما: إدلب والجنوب السوري؛ فبالنسبة لإيران تعتبر إدلب ذات أهمية كبيرة من الجنوب بعكس ما تروجه وسائل إعلام المحور الإيراني، ذلك أن طهران بدأت تستشعر خطر التمدد العسكري التركي، مع ما يعنيه ذلك من حضور إستراتيجي تركي في الملف السوري.
أما الجنوب السوري فيشكل تكلفة كبيرة لإيران لا تستطيع تحملها في ظل فيتو أميركي/إسرائيلي مشترك، وقد خبرت إيران مؤخرا حجم الرد الإسرائيلي مرتين، الأولى في فبراير/شباط الماضي، والثانية في أبريل/نيسان الجاري.
أما بالنسبة للنظام السوري؛ فإن اهتمامه منصب على الجنوب لاعتبارات عديدة أولها الجانب الاقتصادي، فالنظام لا يملك أي معبر حدودي باستثناء معبر البوكمال (معابر لبنان لا أهمية لها لأنها تخدم لبنان)، ومن شأن السيطرة على المعابر مع الأردن أن تعيد تنشيط التجارة الخارجية.
كما أن النظام والروس -وهذه مسألة في غاية الأهمية- يسعيان إلى تحييد إسرائيل عن المشهد السوري، عبر منع إيران من ارتكاب حماقة توجيه طائرات إلى الأجواء الإسرائيلية، كما حدث قبل شهرين وترتبت عليه تكلفة كبيرة، صاحبتها تصريحات إسرائيلية بتدمير النظام السوري إذا تعرضت إسرائيل لأي تهديد حقيقي.
وعليه؛ فإن النظام يسعى -بدعم روسي- إلى انتزاع السيطرة على الجولان، وهذه خطوة تلقى تأييدا إسرائيليا على اعتبار أن النظام السوري التزم باتفاقية فك الاشتباك منذ عام 1974. كما أن هذه الخطوة -على ما يبدو- لا تلقى رفضا من أميركا وإسرائيل، بسبب رغبتهما في إبعاد إيران ومليشياتها عن الحدود مع إسرائيل.
إن تحييد إسرائيل -أو تقليص هامش مناورتها في سوريا- ضرورة لا بد منها لروسيا للتفرغ لمواجهة الولايات المتحدة، مع إبعاد "حزب الله" والمليشيات الإيرانية عن الحدود طبقا للتفاهمات السابقة.
لقد أدت الضربات الإسرائيلية إلى إحداث ضرر كبير في البنية العسكرية السورية لاسيما في منصات الصواريخ، والتكاليف العالية تأتي من إسرائيل وليس من الولايات المتحدة.
ومع ذلك؛ فلكلتا المنطقتين تعقيداتهما، فبالنسبة للجنوب لا إمكانية للقيام بعمل عسكري دون حصول تفاهمات مع واشنطن غير متاحة الآن، والرسالة التي بعثتها الإدارة الأميركية لفصائل الجنوب تؤكد إصرارها على بقاء الجنوب ضمن مناطق خفض التوتر، ولن تسمح لدمشق بتدمير الاتفاق.
تهدئة سياسية وبالنسبة لإدلب؛ فإن الأمر يتطلب تنازلا تركياً غير متوفر الآن أيضا، وليست روسيا بصدد الدخول في توتر مع تركيا، الدولة الأكثر إستراتيجية بالنسبة لموسكو في صراعها مع واشنطن.
عقدة المحور الروسي تمتد إلى منطقة التنف عند المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، وهي منطقة لا أهمية إستراتيجية لها، وتنبع أهميتها فقط من انتشار القوات الأميركية فيها، حيث شكل وجودها إسفيناً جغرافياً بين الشمال الغربي (دير الزور) والجنوب الغربي (السويداء). ولا تشير المعطيات الراهنة إلى رغبة أميركية في التخلي عن هذه المنطقة، وقد خبرت إيران والنظام السوري الرد الأميركي على محاولتهما الاقتراب من هذه المنطقة.
وبناء على ذلك؛ تبدو الآفاق العسكرية للمحور الروسي مغلقة، إلا إذا جرت توافقات غيرت من الواقع القائم، والملف السوري مليء بهذه المتغيرات. لكن إلى أن يحين ذلك؛ يجد المحور الروسي نفسه مضطرا إلى تدوير الزوايا وكسر القواعد القائمة.
وهنا ستكون إدلب ربما المنطقة الأسهل في هذه المناطق الثلاث بسبب بعدها عن التجاذبات الأميركية، أو إبقاء الأوضاع على ما هي عليه ريثما ينجلي الموقف الأميركي من مسألتين: الأولى الانسحاب من سوريا، والثانية إدخال فرقاء إقليميين ودوليين إلى الساحة السورية.
أمام انسداد الأفق في وجه المحور الروسي؛ سيكون باب السياسة مدخلا لتبريد العلاقة بين موسكو وواشنطن، وسببا في عودتهما لرفع مستوى التنسيق العسكري/السياسي بينهما.
وقد بدت ملامح ذلك أولا في دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظيره الروسي فلاديمير بوتين للحضور إلى واشنطن، وثانيا في تضمين مشروع القرار الأميركي/البريطاني/الفرنسي -في مجلس الأمن- الإشارة إلى اللجنة الدستورية، التي كانت أهم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري المنعقد في سوتشي.
يبدو أن ثمة رغبة أوروبية/أميركية في تحريك الملف السياسي عبر شقيْ جنيف ومجلس الأمن، من خلال قرار دولي ينظم آلية عمل اللجنة الأممية المستقلة الخاصة بالسلاح الكيميائي السوري.
ويترافق ذلك مع تسريبات إعلامية غربية عن جهود أوروبية/أميركية لإقناع بوتين بالمضي قدما في تسوية سياسية جدية بسوريا مقابل أثمان إستراتيجية.
لكن مشكلة موسكو ستعود للظهور مجددا، متمثلة في عدم قدرتها على ممارسة ضغوط على طهران ودمشق لتقديم تنازلات سياسية، وسيعاد المشهد التفاوضي من جديد.
وهكذا ستكون الخيارات الروسية العسكرية والسياسية شبه مغلقة، وسيكون مفتاح حل الأزمة السورية في يد واشنطن لا في يد موسكو.
طارق الحميد
حسان الحموي
محمود عثمان
علي الأمين
المصادر: الجزيرة نت
الجزيرة نت
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة