مروان قبلان
تصدير المادة
المشاهدات : 2707
شـــــارك المادة
شهد العالم العربي على امتداد العام 2011 ثوراتٍ وانتفاضاتٍ، بدأت كلها في سياق واحد، وبدوافع متشابهة، لكن كلا منها سلك بعد ذلك طريقا لا يشبه الآخر. في تونس، نجحت الثورة في إسقاط النظام سلميا، ونشأ عنها نظام توافقي منتخب، يواجه تحدياتٍ، لكنه يحاول النهوض مع غياب الدعم الخارجي. في مصر، نجحت الثورة في إطاحة رأس النظام، لكن قوى النظام القديم قامت بهجوم مضاد، واستعادت السلطة بانقلاب عسكري. في ليبيا، قامت الثورة، لكن النظام لم يسقط إلا بتدخل عسكري خارجي مباشر، دخلت بعدها البلاد في نزاعات أهلية (قبلية – جهوية.. إلخ) ما زالت مستمرة. في اليمن، تمت إطاحة رأس النظام وعائلته، عبر وساطة خارجية، لكن التحالف السياسي الذي أطاحه لم يستطع، مع قوى الثورة، إنتاج توافق وطني يؤسس لنظام جديد، فانتهت الثورة بانقلابٍ سيطر فيه الحوثي على صنعاء، ما استجلب تدخلا عسكريا خارجيا لإطاحته، والحرب مستمرة. في سورية، بدأت الثورة ضد النظام سلمية، استخدم النظام العنف الغاشم لقمعها، تسلحت الثورة، استعان الجميع بقوىً خارجية، ودخلنا في حرب وكالة، وانتهت الثورة بتقسيم البلاد مناطق نفوذ، وتشريد أهلها. لعبت ظروف كل بلد، وتركيبته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأهميته الجيوسياسية ووفرة موارده الطبيعية من عدمها، دورا رئيسا في تحديد الطريق التي سلكتها كل ثورة، على الرغم من أن دوافعها جميعا واحدة (فقر – ظلم – فساد – استبداد- بطالة الشباب- انسداد أفق سياسي). وفي أربع من الحالات الخمس التي عصفت بأنظمتها رياح التغيير، نجحت الثورة في إطاحة النظام أو رأس النظام، وإن فشلت ثلاثة منها في إنتاج بديل متماسك، فحصل إما ارتكاس إلى استبداد أشد من السابق (مصر)، أو دخلت البلاد في حالة من الفوضى والحروب (ليبيا واليمن)، أما في الحالة الخامسة (سورية)، فقد امتنع النظام عن السقوط، ولم تتمكّن الثورة أبدا من تجاوز خط المرحلة الأولى، حتى تحصل على فرصة تجريب إنتاج بديل، لماذا؟ يجد المجتمع، أي مجتمع، نفسه في حالة ثورة عند اجتماع عدة عوامل، يشترط حصولها في وقت متزامن. أولها حدوث أزمة اقتصادية خانقة على خلفية موجة تحديث واسعة، تكون نتيجتها صعود جيل أكثر شبابا وتعليمًا، ينشأ عنها فرق شاسع بين التطلعات والإمكانات (ambitions and resources). وثانيها، حصول انقسام داخل النخب الحاكمة بشأن كيفية التعاطي مع الأزمة. وثالثها توفر القدرة لدى قوى التغيير على التعبئة والحشد ودفع الجماهير إلى الشارع للاحتجاج. ولأن الأنظمة العربية، في غالبها الأعم، تستمد قوتها من الدعم الخارجي، يعد انقطاع الدعم عنها شرطا لازما وضروريا لإسقاطها. من المهم إذا، حتى تنجح ثورة في إسقاط نظام أن تتوفر لها العوامل الداخلية المذكورة مع دعم خارجي للتغيير، أو أقله عدم ممانعة فيه. في مصر، نجحت الثورة في إسقاط حسني مبارك، لتوفر جميع العناصر السابقة، فالوضع الاقتصادي الصعب، وانغلاق الأفق الاقتصادي والسياسي أمام قوى الشباب، ونجاح الحركات الاجتماعية وقوى التغيير في الحشد والتعبئة، ودفع كتل جماهيرية كبيرة إلى الشارع، وصمودها فيه، ومعارضة الجيش فكرة التوريث، ما ضمن حياده، وأخيرا تخلي الأميركيين عن مبارك، أدى ذلك كله إلى نجاح الثورة. في اليمن، توفرت العوامل نفسها تقريبا، إذ انقسمت النخب، وانشق الجيش، واستمر الشباب في الاعتصام والاحتجاج والضغط، ما أقنع السعودية، حليف علي عبدالله صالح الإقليمي الرئيس، بالتخلي عنه، ودفعها به وبعائلته إلى الخروج من المشهد، من طريق المبادرة الخليجية، بهدف تأمين انتقال سلس، يبعد قوى الثورة عن المشهد، ويعيد إنتاج النظام السياسي، إنما من دون صالح. في تونس، حصل انقسام بين النخب أيضاً، وتجسد في وقوف الجيش على الحياد، واحتشدت الجماهير التي ملت فساد بن علي واستبداده، وصمدت في الشارع، دافعة به إلى الهروب، كما تخلت فرنسا، بعد أن فقدت الأمل في إمكانية بقائه، عن حليفها بن علي، بعد أن دعمته بقوة في أيام الثورة المبكرة. في ليبيا، اختلفت الأمور، إذ لم تكن العوامل الداخلية تساعد كثيرا في إنجاح ثورتها، على الرغم من أنها جاءت في سياق ثورات الربيع العربي، وقامت بدوافعها نفسها. فقد تركزت الثورة في مناطق شرق البلاد التي عانت من تهميش، وشاركت فيها قبائل دون أخرى، ما أعطاها طابعا جهويا، ولم يحصل انشقاقٌ كبير يمكن اعتباره بين النخب الحاكمة (انشقاق مندوب ليبيا الدائم في الأمم المتحدة لم يترك أثرا داخليا مهما في بنية النظام وتحالفاته القبلية والجهوية)، كما ظلت سيطرة معمر القذافي على مصادر القوة والثروة شديدة عبر كتائب وأجهزة مواليه له، يقودها أبناؤه. جعل ذلك كله احتمال نجاح الثورة في إسقاط النظام شبه معدوم تقريباً، لولا أن حصل التدخل الخارجي. إذ وجدت قوى إقليمية ودولية عديدة الفرصة سانحة للتخلص من نظام "شاذ" في تفكيره وسياساته، وأسلوب حكمه، وإقامة نظام بديل أكثر استعدادا لمراعاة مصالحها في البلد الغني بالنفط. فسارعت الدول الغربية عبر مجلس الأمن إلى حفر قبر النظام بإصدارها قرارين (1970-1973)، نص الأخير منها على وجوب حماية المدنيين، استخدمته قوى التحالف في إطاحة القذافي. مثل ليبيا، غابت في حالة سورية بعض أهم عناصر نجاح الثورة، صحيح أن الأزمة الاقتصادية كانت قد بلغت ذروتها نهاية عام 2010 مع تكرار مواسم الجفاف، وصحيحٌ أن أعدادا غفيرة من الناس نزلت إلى الساحات العامة في مدن كبرى، كحماة وحمص ودير الزور وفي بعض الأحياء الطرفية من دمشق وحلب، إلا أن هذه الكتل لم تستطع الصمود طويلاً في الشارع، نتيجة العنف الشديد الذي استخدمه النظام في مواجهتها. كما أن انشقاقات كبيرة داخل النخبة الحاكمة لم تحصل. وحتى عندما حصلت، لم يكن تأثيرها مهما في بنية النظام العسكرية أو البيروقراطية، فانشقاق رئيس الحكومة، رياض حجاب، لم يترك تداعياتٍ كبيرة، لأن منصب رئيس الحكومة في سورية إداري، أكثر منه سياسي (موظف بمرتبة رئيس وزراء)، كما أنه لا يعد من مراكز القوة الرئيسة في البلاد، المحصورة في سلطات الرئاسة وجهاز الدولة الأمني والعسكري. ولم يترك انشقاق عدد ليس قليلا من الضباط أيضاً أثرا مهماً في بنية النظام العسكرية، ذلك أن الانشقاقات كانت إما فردية (وليس على شكل ألوية أو فرق كما حصل في اليمن مثلا) أو أن المنشقين لم يكونوا من مرتبات وحدات قتالية مهمة أو عاملة، باستثناء العميد مناف طلاس، الذي لم يعلن أبداً انشقاقه على أية حال، بل كان كثير منهم يخدم في أعمال إدارية. وفي العموم، ظلت المؤسسة الأمنية والعسكرية متماسكة، وتقف بقوة خلف النظام. أما الدعم الخارجي فقد ذهب عندما جاء بالاتجاه المعاكس إلى الحالة الليبية. حيث كان حلفاء النظام مستعدين للدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة. وواقع الحال أنه في أكثر الثورات التي يحصل فيها تعادل بين قوى النظام القديم والقوى الساعية الى التغيير، يلعب التدخل الخارجي الدور الأكبر في تغيير موازين القوى وتغليب طرفٍ على آخر. وهذا ما حصل في سورية، وهذا ما جعل الثورة فيها، بعكس الحالات الأخرى، تفشل في تخطي مرحلة إسقاط النظام.
أكرم البني
علي حسين باكير
أحمد موفق زيدان
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة