مروان قبلان
تصدير المادة
المشاهدات : 2714
شـــــارك المادة
بغض النظر عن الكيفية التي أسقطت بها الطائرة الإسرائيلية السبت الماضي، وعمّا إذا كان وراءها قرار روسي، بغرض رسم خطوط حمراء جديدة لإسرائيل، فيما يجوز وما لا يجوز لها ضربه في سورية، أو أن الأمر كان محاولة استدراج إيرانية لفرض قواعد جديدة للاشتباك، مع تزايد وتيرة الضربات الإسرائيلية، واتساع نطاقها، وهي الرامية إلى تحجيم وجود إيران العسكري في سورية، أو أن الأمر بدأ وانتهى نتيجة سوء تقديرات.. بغض النظر عن ذلك كله، فقد بتنا أمام وقائع جديدة فرضتها نتائج هذا الاشتباك الذي شهدته الأجواء السورية وأجواء فلسطين المحتلة. أولها محاولة إسرائيل التحول من مجرد "مقتنص فرص" أو "صائد طرائد" في الحرب السورية إلى لاعبٍ رئيس فيها، يحاول فرض أجندته وشروطه على ترتيبات ما بعد الحرب، ومخرجات التسوية السياسية المحتملة. وثانيها أن هذا التطور يخدم مصالح روسيا، بمقدار ما يعقد قدرتها على إدارة الصراع في سورية، إذ بات عليها الآن بذل جهد أكبر في إدارة التناقضات بين شركائها الثلاثة (تركيا وإيران وإسرائيل) الذين يتنافسون في الجزء الذي تستأثر بالسيطرة عليه من سورية، باعتبار أن الحصة الأميركية، الواقعة شرق الفرات، لا يملك أحد الاقتراب منها، كما تبين من الرد الحازم على محاولة استهداف مليشيا سورية الديمقراطية قرب دير الزور في وقت سابق من الشهر الحالي.
خلال العام الماضي، وبعد انتهاء معركة حلب، تمكّنت روسيا من إنشاء علاقة توازن بين القوتين الإقليميتين الرئيستين المتنافستين في سورية (تركيا وإيران) عبر تحويلهما إلى شركاء في مسار أستانة الذي أرادت من خلاله فرض رؤيتها للحل في سورية. وقد نجحت روسيا، إلى حد كبير، في اللعب على تناقض المصالح بين هذين الشريكين، واستغلت حاجتهما الكبيرة إلى التفاهم معها، وموازنة سياسات أميركا نحوهما من خلالها. فعندما كانت الأجندة الروسية تتطلب إضعاف المعارضة ميدانيا لإجبارها على قبول شروط الحل، كانت روسيا تطلق اللجام لإيران للإجهاز عليها. وعندما كانت الأمور تذهب باتجاه التسوية، كانت إيران تُلجم، فيما يتعزّز الدور التركي الذي يتولى تسويق الحل لدى المعارضة.
أخيرا، تجاهلت روسيا اعتراضات إيران، وسمحت لتركيا بإطلاق عملية "غصن الزيتون" في عفرين، في مقابل تعهد تركي بجلب المعارضة السورية إلى مؤتمر سوتشي، من بين أشياء أخرى. لكن الفشل في فرض الحل في سوتشي، وإسقاط الطائرة الروسية فوق إدلب، رفعا أسهم إيران من جديد. وبالطريقة نفسها تقريباً، أدار بوتين التناقض الإيراني - الإسرائيلي في سورية، إذ كان يسمح لإسرائيل بضرب قوافل أو مخازن أسلحة استراتيجية تابعة لإيران وحزب الله، تعدّها إسرائيل تهديدا لها، لكنه كان يمنع عليها ضرب قدرات إيران وحلفائها المخصصة لدعم النظام السوري ضد المعارضة. بمعنى أن روسيا تقبل الوجود الإيراني في سورية فقط، إذا كان هدفه دعم النظام، وتسمح بضربه إذا خرج عن هذه المهمة.
مع تعثر خطته للتسوية، واتجاه الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بوجود عسكري طويل شرق الفرات، ما زال بوتين بحاجة إلى وجود إيران العسكري في سورية، لا بل يتوقع أن تتعاظم حاجته إليه خلال الفترة المقبلة، مع تزايد التوتر مع الولايات المتحدة، وتنامي القلق من احتمال تزويد المعارضة السورية بأسلحة أميركية تهدّد السيطرة الجوية الروسية في سورية، وميل بوتين إلى المقاربة الإيرانية الداعية إلى حسم معركة إدلب، ومنع تركيا من السيطرة عليها. لهذه الأسباب، لا يريد بوتين ضربات إسرائيلية تؤثر في قدرات إيران الميدانية في هذه المرحلة. لكن إذا تمكنت إسرائيل من مساعدته في تخفيف التوتر مع واشنطن، والتقارب معها بما لها من نفوذ لديها، فإن الأمور قد تختلف، وتقل الحاجة إلى وجود إيران العسكري في سورية.
إلى أن يحصل ذلك، على بوتين أن يدير بقدر كبير من الدقة الصراع الدائر بين شركائه الثلاثة في سورية، حيث تقف إيران ضد وجود تركيا (في الشمال)، وتقف إسرائيل ضد وجود إيران (في الجنوب)، وتعارض تركيا وإيران الطموحات الكردية التي تدعمها إسرائيل (في الشرق). لعبة خطرة لا يبدو أن بوتين يفتقد طرفا عربيا فيها.
عادل سليمان
برهان غليون
طارق الحميد
سعد محيو
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة