..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ورقة "الخمس" السورية.. دلالاتها وأثرها على مسار سوتشي

عامر راشد

١ فبراير ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2217

ورقة

شـــــارك المادة

 

حملت الأيام القليلة الماضية تحولاً مهماً في السياسة الأميركية بشأن الملف السوري والمنطقة عموماً؛ بدأ بكشف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن عزم واشنطن الاحتفاظ بوجود عسكري لأجل غير مسمى في سوريا، في إطار إستراتيجية أوسع تشمل العراق وأفغانستان، "لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.

وكان لافتاً ربط تيلرسون هذا الهدف بهدف آخر -فيما يخص سوريا- وهو "تمهيد الطريق أمام مغادرة الرئيس بشار الأسد السلطة في نهاية المطاف"، وفُهم من ذلك أن إدارة دونالد ترمب بصدد إطلاق إستراتيجية جديدة تعيد بها الولايات المتحدةانخراطها في الملف السوري، بعد سنوات من سياسات التردد والانكفاء التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

 

استراتيجية جديدة
الخطوط العامة للإستراتيجية الأميركية الجديدة بخصوص سوريا كشفت عنها ورقة الدول الخمس (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن)، أو ما اصطُلح على تسميتها -في الورقة ذاتها- بـ"المجموعة الصغيرة".

فأهمية هذه الورقة -دون الانتقاص من مكانة الدول الأربع الأخيرة- تكمن أولاً في أن الأميركيين هم من عملوا على صياغتها، كتطبيق عملي للتغيرات التي اعتمدتها إدارة ترمب على المستوى الإستراتيجي بدفع من جنرالات البيت الأبيض، وأظهرت جدية في التعامل معها -حتى الآن- لجهة الخطاب السياسي والتحرك على الأرض.


وهي تعبير عن أحد المحاور المهمة في السياسة الخارجية، يتشابك مع العديد من الملفات المهمة الأخرى إذا لم نقل الأهم، وفي مقدمتها ملف العلاقة مع روسيا والملف الإيراني وارتباطه بملفيْ العراق واليمن.

الورقة حملت عنوان "ورقة غير رسمية بخصوص إحياء العملية السياسية في جنيف بشأن سوريا"، وجاء في ديباجتها: "تناقش هذه الورقة المنهجية التي ستكون عليها عملية المفاوضات في جنيف استناداً إلى قرار مجلس الأمنرقم 2254، مع التركيز بشكل مباشر وفوري على مناقشة إصلاح الدستور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة".

إلا أن الورقة -في جوانب عديدة منها- تثير أسئلة أكثر مما تقدم إجابات حول منهجيتها وبنودها، رغم أنها أُدرِجت تحت مسمى توصيات "غير رسمية"، وقُدمت إلى مبعوث الأمم المتحدة في سوريا ستيفان دي ميستورا لوضع مسار للمحادثات المستقبلية في جنيف.

أول الأسئلة التي أثارتها الورقة يتعلق بتوقيت الإعلان عنها بالتزامن مع الجولة التاسعة من المفاوضات السورية، التي جرت استثناء في فيينا بسبب استضافة جنيف لـ"منتدى دافوس"، كما أن التوقيت جاء على أبواب انعقاد مؤتمر سوتشي.

في الجزئية الأولى؛ وجَّهت الورقة نقداً لاذعاً لأداء دي ميستورا دون أن تسميه صراحة، بتأكيدها -في الفقرة الأولى- أن العملية التفاوضية بقيادة الأمم المتحدة لم تحقق أي شيء يذكر منذ استئنافها عام 2017، بل وأكثر من ذلك اعتبرت الورقة أن "تسميات الجولات" أثارت بلا داع توقعات بإحراز تقدم ملموس في كل جولة.

وبتزامن الورقة مع الجولة التاسعة -التي انتهت بالفشل كسابقاتها- يتضح أن أول أهداف طرحها في هذا التوقيت هو إعادة توجيه دفة المفاوضات، وتغيير منهجية عمل دي ميستورا لجهة الأولويات، كما تراها واشنطن وحلفائها في "المجموعة الصغيرة".

وفي الجزئية الثانية -ربطاً بتوقيت إصدارها قبل أيام من انعقاد مؤتمر سوتشي- حملت الورقة رسالة إلى موسكو، مفادها أنه لا يمكن لروسيا أن تشق عبر مؤتمر سوتشي مساراً خاصاً كبديل عن مسار جنيف. ولا يمكنها الإبقاء على استفرادها بالملف السوري، بل عليها إعادة حساباتها بعد أن قرَّرت إدارة ترمب الانخراط في مختلف جوانب الملف السوري.

 

رسائل متعددة
وكحصيلة مباشرة للورقة؛ ساعد توقيت طرح الورقة في اتخاذ "هيئة التفاوض" قرارها بمقاطعة مؤتمر سوتشي، وبانضمام "هيئة النسيق" للمقاطعة، واعتذار واشنطن وباريس عن عدم المشاركة بصفة مراقب، ففَقَدَ المؤتمر زخمه الذي كان مفترضاً، وراهنت موسكو حتى اللحظة الأخيرة من التحضيرات على إمكانية تحقيقه.

هناك رسالة أخرى لا تقل أهمية عن الرسالة الأولى أرادت واشنطن وحلفاؤها في "المجموعة الصغيرة" إيصالها لروسيا وإيران وربما لتركيا أيضا، وبالطبع للسوريين المشاركين في مؤتمر سوتشي؛ وهي تحذير الورقة من أن عملية إعادة إعمار سوريا ستتم "عندما يكون هناك انتقال سياسي شامل"، عبر مفاوضات تعتمد القرار رقم 2254 و"بقيد تنفيذ بيان جنيف2012، مثلا عند بناء بيئة محايدة".


ووجهت الورقة بذلك ضربة قاصمة للوثيقتين الأولى والثانية التي أعدتهما موسكو لتكونا مخرجات لمؤتمر سوتشي، وهما "البيان الختامي" و"نداء سوتشي"؛ فقد وضعت "المجموعة الصغيرة" ثمانية أسس وضوابط بشأن "مضمون الدستور الجديد أو نصه الفعلي أو الإصلاح الدستوري"، تنسف الأسس التي اعتمدتها مسودة "البيان الختامي" لمؤتمر سوتشي بمبادئه الاثني عشر.

كما أن اشتراطات "المجموعة الصغيرة" لإعادة الإعمار" تُفقد "نداء سوتشي" أي قيمة عملية، حيث إن النقطة المحورية فيه هي "إعادة الإعمار"، وهي مهمة لا يمكن لروسيا أن تنهض بها دون تعاون المجتمع الدولي.

وبقليل من التدقيق؛ يلاحَظ أن السياق الذي قدمت فيه "المجموعة المصغرة" ورقتها يعطي انطباعاً بأن الهدف منها هو دعم عملية المفاوضات في جنيف، وقطع الطريق أمام أي قنوات تفاوضية موازية، غير أن المبادئ التي اعتُمدت في الورقة تجعل رؤيتها لمنهجية عملية المفاوضات في المرحلة القادمة رؤيةً إشكالية.

فرغم الحديث في ديباجة الورقة عن أن "المفاوضات في جنيف ستكون استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254، مع التركيز بشكل فوري ومباشر على مناقشة إصلاح الدستور، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة"؛ فإننا نجد أن الورقة لا تثبّت تفسيرات سبق أن قُدّمت في مواجهة تفسيرات موسكو والنظام السوري للقرار 2254، بل تقدم تفسيرات جديدة لبعض بنود القرار يرقى بعضها إلى تعديل جوهري في منطوقه.

ففي فقرة "مناقشة الدستور في محادثات جنيف"؛ تحدد المبادئُ المقدمة على شكل توصيات -بشكل مفصل- المخرجاتِ التي يجب أن تخرج بها مفاوضات جنيف بشأن مضمون الدستور، فيما يخص "الصلاحيات الرئاسية، الحكومة، البرلمان، القضاء، لا مركزية السلطة، الحقوق والحريات الأساسية، إصلاح قطاع الأمن، الانتخابات".

 

إشكاليات كبيرة
وتبرز إشكالية كبيرة في بندين: الأول البند المتعلق بالبرلمان والذي نص على أن "يتكون البرلمان من مجلسين، يكون ممثلاً في مجلسه الثاني من كافة الأقاليم، للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المركزية". والبند الثاني المتعلق بـ"لا مركزية السلطة/ موازنة المصالح الإقليمية"، وينص على "منح سلطة واضحة للحكومات الإقليمية استناداً إلى مبادئ اللامركزية/ تفويض السلطة، مع العمل بمبدأ فصل السلطات أيضاً".

والإشكالية هنا أن النصين مبهمان مما يجعلهما عرضة للالتباس؛ فهل المقصود منهما تحويل نظام الحكم في سوريا إلى نظام فدرالي؟ وهل هذان البندان بوابة لإقامة كيانات اثنية وطائفية تحت مسمى أقاليم؟ وهذا السؤال المركّب يُطرح من قبل النظام والمعارضة معاً، وبشكل يثير حفيظتهما على حد سواء.

ويلاحظ أن الورقة اجتزأت البند الأول من فقرة المبادئ والخطوط التوجيهية في "بيان جنيف1"؛ حيث اكتفت بالتأكيد على أنه "في مرحلة من عملية الإصلاح، ستكون هناك حاجة إلى تغييرات ملموسة في نظام الحكم لتهيئة بيئة آمنة.."، بينما ينص بيان جنيف1 على "إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية".
أي أن "المجموعة الصغيرة" أسقطت في ورقتها مطلبَ "إقامة هيئة حكم انتقالية"، مما قد يُفسَّر بأنه موافقة ضمنية على استمرار نظام حكم الأسد في المرحلة الانتقالية، الأمر الذي سيثير مخاوف المعارضة بصرف النظر عن مقولة "إن مجمل المبادئ الواردة في الورقة تضمن عملياً الوصول إلى تهيئة بيئة آمنة، لا سيما أن العملية برمتها وُضعت بيد الأمم المتحدة".

وهذه بحد ذاتها أيضاً ستكون قضية خلافية، وفقاً لما ورد في القرار 2254 الذي أعرب فيه مجلس الأمن "عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تسيّرها الأمم المتحدة...".

وفي الفقرة الأخيرة من ورقة "العناصر التي تساهم في بيئة آمنة ومحايدة" تمت صياغة البند (أ) بطريقة حمّالة للأوجه، بالحديث عن "مشاركة الأطراف السورية الحقيقية في مفاوضات جنيف، خاصة في القضايا الدستورية".

 

ومن شأن هذه الصيغة أن تثير حفيظة النظام والمعارضة من زاويا مختلفة، وحفيظة تركيا أيضاً كطرف إقليمي لا يمكن تجاوز دوره في الملف السوري، بما في ذلك موقفه من تمثيل "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي"، الذي تصنفه أنقرة على أنه "النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني".

وأخيراً؛ فإن إبعاد تركيا عن "المجموعة الصغيرة" -بصرف النظر عن الحجج التي سيقت لتبرير ذلك- ربما يدفع الحكومة التركية لاتخاذ موقف سلبي من الورقة، وإيجاد مقاربات مع روسيا وإيران لتعطيلها، في مناورة للضغط على واشنطن وحلفائها في "المجموعة الصغيرة" لأخذ الاشتراطات والملاحظات التركية بعين الاعتبار.

ناهيكم عن أن الورقة لن تمرّ بسهولة دون تفاهمات مع روسيا، وثمن ذلك معروف أيضاً، وهذا يرجِّح أن الورقة ستخضع لعمليات مساومة قد تطول، ومن المقدَّر لها أن تؤثر سلباً على العملية التفاوضية في المدى المباشر.

فغياب دور الولايات المتحدة وحلفائها خلال السنوات السبع الماضية أحدث وقائع على الأرض استغلتها روسيا لإحكام قبضتها عسكرياً وسياسياً في سوريا، ولا يُمكن تجاوزها بمجرد إظهار واشنطن عزمها العودة بقوة إلى الملف السوري.

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع