نجيب جورج عوض
تصدير المادة
المشاهدات : 2750
شـــــارك المادة
تقول المعطيات الميدانية، وعوامل القتل والاقتلاع والتهجير والنزوح والتشريد واللجوء، التي تعرّض لها الشعب السوري إن نسبة التعداد السكاني في داخل سورية تناقصت بشكل كبير، وإن الشعب الذي بلغ تعداده قبل المأساة بين 22 و23 مليون نسمة قد بقي منه من الذين كانوا "مواطنين" سوريين رسميين ما بين 8 و9 ملايين مواطن فقط يعيشون داخل سورية. وتناقصت كل نسب المجتمعات السكانية السورية المختلفة نتيجة ذلك، إذ لم يعد السنة يشكلون النسبة الأعلى في البلد (أقل من 60%) وما عاد هناك مسيحيون أكثر من 2-3% (بعد أن كانوا 8-10% قبل المأساة) وتناقصت نسبة المجتمع العلوي ما بين 1-2% عن نسبتها السابقة، في حين ازدادت فقط نسبة الوجود الكردي، نتيجة انزياحات ديمغرافية عسكرية الطبيعة، نتجت عن دخول قوات كردية من كردستان العراق وتركيا إلى شمال شرق سورية. كما أن نسبة الوجود الشيعي (كان ضئيلاً جداً قبل المأساة) ارتفعت أخيرا في البلد. لا توجد معطيات علمية تجيز القول إن التعداد السكاني في سورية اليوم ازداد بمقدار ستة ملايين على الأقل عمّا كان عليه قبل المأساة. هكذا خرج علينا النظام، أخيرا، ليقول أن التعداد السكاني لسورية حالياً هو 28 مليون نسمة، 21 منهم داخل البلاد. ما الذي جعل النظام فجأة يهتم بالجهد العلمي، ويقوم بإحصاء سكاني، وهو الذي لم يكن يُعنى لا بالعلم ولا بالواقع الحقيقي لسكان سورية يوماً؟ والأهم: ما الذي دفع النظام للخروج بإحصاءٍ كهذا، في هذا التوقيت، وفي قلب ظروف أبعد ما تكون عن الملاءمة لإجرائه؟ يمكن لسببين استراتيجيين:
أولا، يتحدّث الكل اليوم في دوائر صنع القرار عن انتخابات رئاسية مقبلة في سورية، سيُسمَح للأسد بالمشاركة بها، لا بل وستعمل روسيا، ومن يدعم النظام، على جعله يفوز فيها. وتقول الأرقام الواقعية إن من سيتمكن من الاقتراع داخل سورية سيكونون البالغين من بين الـ 8 و9 ملايين مواطن الذين مازالوا موجودين في الداخل. ولكن، ومع رفع عداد السكان إلى 28 مليونا، سيضخّم النظام أعداد الشطب الانتخابية ولوائحها، بشكل يخرج به الأسد فائزاً في الانتخابات رئيسا بنسبة اقتراع عالية، من مقترعين، قسم كبير منهم تعداد وهمي متضخم، سيتم دعمه بأرقام الإحصاء الجديد، خصوصا وأن هذا الإحصاء ادّعى أن عدد الموجودين في سورية 21 مليونا. وفي إطار تفعيل عملية التغيير الديمغرافي التي بدأها النظام في قلب سنوات المأساة، يصبح الإحصاء ليس ورقة انتخابية فقط، بل وورقة أساسية مرتبطة أيضاً برفض النظام الإقدام على أي محادثاتٍ رسميةٍ مع أي دولة تستضيف نازحين ومشردين سوريين في دول الجوار، بغية إيجاد آليةٍ لإعادة تلك الملايين من السوريين إلى أراضيهم وبيوتهم التي عاشوا فيها وامتلكوها قبل الحرب. يتعمّد النظام تجنُّب هذا، وربما يشرع به بعد الانتخابات الرئاسية، لأنه يعلم أن القسم الأكبر، إن لم يكن الكلي من هؤلاء السوريين لن يقترع له أبداً رئيسا، لهذا يحتاج أن لا يوجدوا على لوائح الاقتراع في الانتخابات العتيدة.
ثانيا، فرق الستة ملايين مواطن مزعوم سوري التي يقترحها رقم 28 مليونا يعبر عن عدد المنازل الخالية التي تركها سوريون مواطنون حقيقيون خلفهم، حين غادروا سورية نازحين أو مشرّدين أو مقتلعين أو لاجئين. هو عدد المنازل التي دمرتها الحرب أو أفرغتها من سكانها. إلا أن النظام قدّم مؤشراتٍ عديدة في السنوات المنصرمة إلى أنه عازم على إعادة إيجاد البنية السكانية في سورية من الصفر، وتغييرها بنيوياً في محاولته توطين أعداد كبيرة من المقاتلين الشيعة، وتجنيسهم وإسكانهم، جاءوا من كل حدب وصوب من العالم الشيعي، لمناصرته والدفاع عنه (مع غضه الطرف عن ازدياد أعداد الأكراد في مناطق تحرسها القوات الأميركية
لمصلحته في ذلك)، مع عائلاتهم وأقربائهم، وكل من يرغب بالانتقال معهم للعيش في سورية، كي يكونوا مجتمعاً سوريا جديداً (مجتمعه المتجانس) يعيد بناء الشعب السوري، ويغير نِسبَهُ الديمغرافية جذرياً. تلك الستة ملايين منزل أصبحت "منازل بلا سكان"، وسيجعلها النظام أماكن إقامة وعيش "لسكان بلا منازل"، عملاً بالمبدأ الصهيوني الذي تم تطبيقه على فلسطين "أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض". ولأن النظام لا يضمن قدرته على منع السوريين الأصليين من العودة إلى أرضهم بقرار دولي صارم، لا يقوى على الوقوف في وجهه (حين يصدر)، من الضروري منذ الآن تضخيم التعداد السكاني، كي يشمل في سجل السكان تلك الملايين التي يطمح النظام بتغيير بنية الشارع السوري بها في السنوات القليلة المقبلة.
خرج الشعب السوري إلى شوراع وساحات مدنه، منذ سبع سنوات، يصرخ "الشعب يريد تغيير النظام". واليوم، وبعد سنوات المأساة السورية الفظيعة، نجح النظام، بقرار دولي وإقليمي، في أن يحقق مشروع "النظام يريد تغيير الشعب". يعلم كل السوريين اليوم أن سورية التي نعرفها وننتمي لها ونتنفس هواءها لم تعد موجودة. الجديد الذي يهيئنا النظام (وأسياده) لترقبه ومواجهته في القادم من السنين أن الشعب السوري الذي كنّاه ونعرفه، وننتمي إليه، هو أيضاً لم يعد موجوداً كما كان... ما الذي بقي للسوريين؟ ربما بصيص أمل بأن يفشل مشروع تغيير الشعب السوري (بعد أن نجح مشروع تغيير البلد) في ضوء انتفاضة الشعب الإيراني، وفي ضوء بوادر تحاصصات وتقاسمات جديدة تريح الروسي من التزامه بإرضاء الإيراني، قد تـنقذ سوريتنا التي كنّاها يوماً.
طارق الحميد
بشير البكر
غازي دحمان
زياد الشامي
المصادر: العربي الجديد
العربي الجديد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة