..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سوريا: ثلاثة سيناريوهات للعام 2018

إياد الجعفري

٣١ ديسمبر ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5235

سوريا: ثلاثة سيناريوهات للعام 2018

شـــــارك المادة

 

ماذا ينتظر السوريين في 2018؟، نجيب باختصار أن ذلك يتوقف، بنسبة كبيرة، على ما يريده الأمريكيون في سوريا، وعلى طبيعة تفاعلاتهم مع الروس هناك. وبناء على ذلك يتجه المشهد السوري نحو واحد من ثلاثة سيناريوهات مرجحة في العام الجديد.

 

أول تلك السيناريوهات، التي ما تزال واردة في نظر الكثير من المراقبين، هي "أفغنة سوريا"، بمعنى أن الأمريكيين قد يذهبون بعيداً باتجاه استنزاف الروس والإيرانيين وحليفهم الأسد. هذا السيناريو الذي تهاوت احتمالاته في السنتين الأخيرتين، بسبب تحول "داعش" إلى أولوية للاستراتيجية الأمريكية في سوريا، عاد إلى الواجهة في الأيام الأخيرة من العام 2017، حيث ألهبت مؤشرات عديدة، تصورات المراقبين بخصوصه، أبرزها الصاروخ الحراري الذي أسقط طائرة للنظام قبل أيام في ريف حماة، والذي قالت منصات إعلامية ورسمية روسية، أنه من منشأ أمريكي.

 

ورغم أن الرواية الأرجح بخصوص تلك الحادثة، أن الصاروخ المستخدم هو من أصناف الصواريخ التي حصلت عليها فصائل معارضة من ترسانات أسلحة النظام، في فترات سابقة. وهو صاروخ لا يفيد إلا في استهداف طائرات على ارتفاع منخفض، ومتهالكة، من صنف طائرة النظام التي أُسقطت بالفعل.. إلا أن الضجيج الإعلامي والرسمي الروسي، حيال دعم أمريكي للـ "الإرهابيين"، ومساعٍ أمريكية لتخريب النجاحات الروسية في سوريا، أعاد سيناريو "أفغنة سوريا" إلى الواجهة، ودفع ثلة من المراقبين إلى التأكيد بأن الأمريكيين يدبرون أمراً ما للروس في سوريا.

 

يدعم ذلك، الموقف الأمريكي المستغرب، قبل أسابيع، حينما وقف الأمريكيون متفرجين على تقدم قوات النظام والميليشيات الشيعية الداعمة، للسيطرة على البوكمال، أحد أبرز المنافذ البرية الرئيسية بين العراق وسوريا. وحينها، تفاقمت التساؤلات: أين ذهبت التأكيدات الأمريكية بعدم السماح بالوصل البري بين طهران ودمشق، والذي تحقق أخيراً، على مرمى حجر من مواقع للقوات الأمريكية، وقريباً من غطائها الجوي؟!، وهو ما فُسّر حينها في قراءتين، إحداهما أن الأمريكيين غير مستعدين للانخراط بنشاطات عسكرية بعيدة المدى في سوريا، فيما تذهب الأخرى إلى خلاف ذلك، ومفادها أن الأمريكيين يريدون فتح المجال للمزيد من التورط الإيراني والروسي، في المستنقع السوري، الذي لا ينوي الأمريكيون تجفيفه قريباً.

 

ويفتح السيناريو الأول، الباب أمام احتمال انتكاس الأمريكيين مجدداً نحو استراتيجية التحالف مع الجهاديين، التي اعتمدوها في أفغانستان قبل عقود، وكذلك في سوريا، خلال السنوات الأولى من الثورة السورية. وهنا تُطرح "تحرير الشام"، كحليف محتمل، عبر وسطاء إقليميين، من بينهم تركيا. خاصة بعد التحولات النوعية في خطاب "تحرير الشام" وانفصالها عن تنظيم "القاعدة"، وحملتها على بعض رموز التنظيم في أوساطها.
 

وبخلاف السيناريو الأول سابق التفصيل، والذي يحظى بنسب ترجيح منخفضة، يبرز السيناريو الثاني بمؤشرات دعم عديدة، ويعتمد على مقولة مختصرة مفادها، وجود تفاهمات شبه كاملة بين الروس والأمريكيين لترتيب المشهد السوري، وأن ما بقي فقط، اللمسات الأخيرة التي تُرك للروس إخراجها كي تكون الخاتمة للصراع في البلاد.

 

تفاهمات تمثلت خلال 2017 في دعم الأمريكيين لمبدأ مناطق خفض التصعيد، وتطورت لاحقاً إلى تشكيل منطقة خفض تصعيد مشتركة، روسية – أمريكية، بشراكة أردنية، وضوء أخضر إسرائيلي، في الجنوب السوري. مروراً بالحديث المتواتر عن عدم وجود اعتراض أمريكي جازم على بقاء نظام الأسد، بعد إعادة تأهيله، برعاية روسية.

 

ووفق هذا السيناريو، سيبدأ العام 2018، بمحاولة روسية شرسة، للقضاء على آخر القوى المتمردة على التفاهمات الدولية في سوريا، وهي جبهة تحرير الشام، في إدلب. وهي محاولة بدأت بوادرها منذ الأسابيع الأخيرة من العام 2017، وستتصاعد لتشكل محور الأسابيع الأولى، وربما الأشهر الأولى، من العام الجديد. قبل أن يتم العمل على ترتيب تسوية سورية – سورية، برعاية روسية – إيرانية – تركية، في سوتشي. تحظى لاحقاً بقبول دولي، في جنيف، وبضوء أخضر أمريكي.

 

ويبقى تفصيل مهم معلّق في هذا السيناريو، وهو مصير المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد، برعاية أمريكية، في الجزيرة السورية. وهو تفصيل يعتقد مراقبون أنه سيجد طريقه للحل عبر التوافق الأمريكي – الروسي على فدرلة سوريا، حسب الكثير من التصريحات الرسمية لمسؤولي البلدين.

أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر ترجيحاً في العام 2018، يتمثل بذهاب الأمريكيين بعيداً في تدعيم الكيان الكردي في الجزيرة السورية، بالتزامن مع رفضهم لانفراد الروس بترسيم خاتمة الصراع السوري على مزاجهم في سوتشي. وهو سيناريو بدأت مؤشراته تظهر جلية في تصريحات ومواقف عديدة لمسؤولين أمريكيين. أبرزها، حديث وزير الدفاع الأمريكي عن زيادة الوجود المدني الأمريكي، على مستوى الخبراء والدبلوماسيين، بهدف إعادة البناء في الجزيرة السورية، والحرص على عدم عودة "داعش".

 

ويدعم هذا السيناريو، موقف فصائل البادية السورية، المدعومة في معظمها من الأمريكيين، والتي رفضت حضور مؤتمر سوتشي. الأمر الذي يوحي بعدم رضا الأمريكيين عن تفرد الروس بترسيم الحل السياسي في سوريا، ورغبتهم في تخريب المحاولة الروسية.

وإن ذهب هذا السيناريو إلى أقصاه، قد يكون مقدمة لتقسيم البلاد بين كيانين، أحدهما يتبع النفوذ الأمريكي ويضم أكثر من ربع مساحة البلاد، وجزءاً كبيراً من ثرواتها، مقابل كيان آخر يتبع النفوذ الروسي – الإيراني، ويضم الجزء الأكبر من الديمغرافيا السورية، ويعاني من متاعب اقتصادية جمّة. فيما قد يبقى ملف الجنوب السوري عالقاً وسط التفاهم الأمريكي – الروسي، الأولي، على إبقاء تلك المنطقة، خارج النفوذ الميداني الإيراني.

 

ووفق هذا السيناريو، قد يشهد العام 2018، محاولات متكررة من جانب النظام والإيرانيين، بدفع روسي حذر، لتلمس مدى جدية الأمريكيين في الدفاع عن الكيان الذي يحظى بدعمهم في الجزيرة السورية. وهو أمر حذّر منه مسؤولون أمريكيون، صراحةً.

 

أما بالنسبة لـ "داعش"، فمن المرجح أن تبقى خلال العام 2018، ورقة يلعب بها الطرفان، الأمريكي والروسي (الإيراني – الأسدي)، على جبهات متعددة. إلا أنه من المستبعد أن يستعيد هذا التنظيم ألقه بالصورة التي كان عليها قبل العام 2017.

 

أما بالنسبة لفصائل المعارضة وقواها المختلفة، فستبقى خاضعة لمعادلات اللاعبين الخارجيين، وأجنداتهم، مع ترجيح أن الفصيل الأكثر تمرداً، وهو "هيئة تحرير الشام"، سيواجه حرباً روسية شعواء لتقليم أظافره بصورة نوعية، وسط لامبالاة تركية وأمريكية.
 

أما بالنسبة لملف الوجود الإيراني قرب هضبة الجولان المحتلة، فسيبقى ملفاً يستخدمه الإيرانيون والإسرائيليون، على حدٍ سواء، في ابتزاز بعضهما، والأطراف الحليفة لهما. لكنه لن يخرج عن قواعد اللعبة التي تم إرساؤها في 2017، والتي سُمح بموجبها للإسرائيليين باستهداف أي نشاط إيراني يرون فيه تهديداً لأمنهم، داخل الأراضي السورية.

 

هل يمكن أن يفاجئنا العام 2018 بسيناريوهات غير متوقعة؟، هناك سيناريوهان مستبعدان نسبياً، لكنهما واردان بطبيعة الحال. الأول أن نُفاجأ بتكتل نوعي لقوى المعارضة الميدانية والسياسية، بصورة تسمح لها بتشكيل قوة مستقلة قادرة على التأثير في مجريات المشهد السوري، وتطويع أجندات بعض اللاعبين الخارجيين، وفق مصالحها. أما السيناريو الثاني، أن نُفاجأ بتطور الاحتجاجات في إيران إلى منحى غير مسبوق من الاضطراب السياسي، بصورة تضطر الإيرانيين للانسحاب من المشهد السوري، الأمر الذي سيغيّر كل المعادلات في الساحة السورية.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع