منير محمد الغضبان
تصدير المادة
المشاهدات : 4268
شـــــارك المادة
كثيرا ما يقف الدعاة والمجاهدون وهم في منتصف الطريق، يتساءلون عن نصر الله -عز وجل-، وهم قد يخوضون المعارك، ويقدمون التضحيات، ويبذلون الدماء والأرواح والمهج، فيستبطئون النصر ، ويقفون أمام الله قول الله عز وجل: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقوله تعالى (ولينصرن الله من ينصره)
ويجيبنا سيد -رحمه الله- على هذه التساؤلات بقوله : (والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا، وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله تعالى.. قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المسلمة لم تنضج بعد، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية، وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر حينئد لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا . وقد يبطئ النصر، حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله .
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها، ثم تكل الأمر بعدها على الله . وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على المنهج بعد النصر عندما يتأذن الله به، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله . وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وتضحياتها لله ولدعوته، فهي نقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه، وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، عن الرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليرى، فأيها في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) كما قد يبطئ النصر لأن الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير ، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا ، ويذهب وحده هالكا، لا تتلبس به ذرة خير تذهب في الغمار . وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ، فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بفساده، وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه . وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة ولا يستقر لها معها قرار، فيظل الصراع قائمنا حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ولاستبقائه . من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية . وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ولله عاقبة الأمور) فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يخلف: هو أن ينصر الله من ينصره، فمن هؤلاء الذين ينصرون الله؟ فيستحقون نصر الله القوي العزيز الذي لا يهزم من تولاه
أمينة أحمد زاده
أسرة التحرير
سيد قطب
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة