..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أزمتنا أزمة إيمانية

عامر الهوشان

٢٩ إبريل ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3154

أزمتنا أزمة إيمانية
7_65.jpg

شـــــارك المادة

لا أعني بالأزمة الإيمانية هنا جوهر اليقين بوجود الله سبحانه وتعالى , أو التسليم والإيمان بملائكته سبحانه وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره , بل المقصود هو أثر ذلك الإيمان في السلوك , وانعكاس آثار اليقين بأركان الإيمان على مجريات حياة المسلمين اليومية.. فهنا تكمن الأزمة في الحقيقة .
كثيرة هي المشاهد والسلوكيات التي تعج بها الحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية التي تشير في نهاية المطاف إلى وجود أزمة تتعلق بالإيمان والعقيدة واليقين والتسليم بما هو منصوص عليه في كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم , وإن كانت تبدو للبعض في الظاهر أنها أزمات حياتية معاشية حياتية عادية .
قد يكون التنافس على اكتساب الرزق و الصراع على تحصيل المال وإن كان مشبوها في كثير من الأحيان أو حتى بيّن الحرام ...أحد أهم مظاهر الأزمة التي يتحدث عنها المقال , فبعض المسلمين اليوم باتوا في حمأة التكالب على الدنيا والتنافس على اقتناء المال لا يتورعون عن الحرام فضلا عن الشبهات في مصدر رزقهم ولقمة عيشهم , رغم أن الله تعالى قد ضمن لهم رزقهم , وتكفل بقوتهم وقوت عيالهم , وأمرهم بتحري الحلال في كسب المال وتجنب الشبهات والحرام .
لا يمكن استعراض جميع الآيات والأحاديث التي أكدت هذه الحقيقة في هذا المقام , فهي من الكثرة و الاستفاضة بمكان , ويكفي ذكر بعض منها للتأكيد على تعلق الأمر بالإيمان والتسليم واليقين .
قال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } هود/6 , وقال تعالى : { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } الذاريات/57-58 , وقال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } الروم/40 .
وفي الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم ) صحيح ابن ماجة للألباني برقم/1743 .
قد يكون الجانب النظري من اعتقاد المسلمين بحقيقة كون الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وحده , وبأن الإنسان لن يموت حتى يستوفي رزقه كاملا غير منقوص .....متوفر وموجود ويعترف به كل لسان , إلا أن الجانب العملي السلوكي لهذه العقيدة وذلك الإيمان لا نراه متجليا في كثير من الأحيان , ويكفي أن ينزل أحدنا إلى الأسواق أو يدخل معترك التجارة والتعامل بالمال مع البعض , حتى يلاحظ استعجال الكثير لأرزاقهم , وانزلاق آخرين في محاذير أكل أموال الغير بالباطل أو الغش أوالخداع أوالتزوير أوالنصب والاحتيال أو.......الخ لاكتشاف هذه الحقيقة .
وإذا كان التنافس على الرزق والصراع من أجل الحصول على المال حتى وإن كان مصدره من حرام أحد أهم مظاهر الأزمة الإيمانية , فإن غفلة المسلمين عن الاعتبار بالموت الذي يحصد كل يوم عددا منهم , وعدم تحويل إيمانهم النظري بحتمية وقوعه واستحالة الفرار منه إلى سلوك يتناسب مع هذا العقيدة وذلك اليقين لا تقل أهمية عن سابقتها في إبراز الأزمة العقدية التي يعيشها المسلمون في مجتمعاتهم .
بل إن هناك من القصص التي يرويها البعض عن سلوكيات وممارسات بعض المسلمين بعد موت أحد الوالدين , من تنازع الأبناء على الميراث ومحاولة بعضهم الاستئثار بالتركة كلها أو جلها على حساب إخوته , ناهيك عن استمرار حرمان النساء من ميراث آبائهن وأمهاتهن وأبنائهن ...ما يندى له الجبين , ويعزز من تساؤل الغيورين على الدين بتعجب استنكاري : أليس هؤلاء بمؤمنين ؟! ألا يعتقدون أنهم سيموتون وسيحاسبون على مخالفتهم أمر الله في كتابه العزيز وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة ؟!
إن وجود وشيوع مظاهر أزمة إيمانية في حياة المسلمين وسلوكهم يؤكد ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان , وأنه يزيد وينقص , يزيد بكثرة ذكر الله تعالى باللسان وتلاوة القرآن , وبالإقبال على الطاعات والعبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج , وبإطلاق العنان للتأمل والتفكر في خلق الله سبحانه وتعالى , ومن المعلوم أن الشيء الذي يقبل الزيادة فهو بلا شك يقبل النقصان .
قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الأنفال/2 , وقال تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } التوبة/124 , والآيات التي تدل على أن الإيمان يزيد وينقص أكثر من أن تحصى .
وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) صحيح البخاري برقم/2475 , وهو ما يؤكد ان الإيمان ينقص بالذنوب والمعاصي والموبقات , فقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم كماال الإيمان عن مرتكب هذه الكبائر .
أحد أهم حلول الأزمة التي نتحدث عنها يتمثل في تكثيف العلماء والدعاة والمربين والمصلحين لجهودهم في تجديد الإيمان في القلوب , والتركيز على ترسيخ العقيدة واليقين في النفوس , وتنقيتها مما علق بها من بدع ومحدثات , وتخليصها من حالة الفتور التي يمكن ملاحظة آثارها في سلوك كثير من المسلمين .
لن تقتصر آثار هذا العمل الدعوي على إعادة إيقاد جذوة الإيمان في النفوس فحسب , بل ستظهر نتائجه في حياة المسلمين بشكل واضح، من خلال ارتباط الأقوال بالأفعال , وتلازم الإيمان بالسلوك .

 

موقع المسلم 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع