..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

"الأستانة" بين المشاركة والمقاطعة

مجاهد مأمون ديرانية

١٦ يناير ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3151

580496fcc36188a31f8b46a8.jpg

شـــــارك المادة

اللغط بشأن الذهاب إلى الأستانة كثير والجدل لا ينتهي، بين مشجّع ومخذّل ومصوّب ومخطّئ ومبرّئ ومخوّن. وأنا لا ألوم من وافق على الذهاب ولا ألوم من رفضه، فلكل منهما وجهة نظر وجيهة وحجّة جديرة بالاحترام، وعسى أن يكون في موقف هؤلاء خير وفي موقف أولئك خير، وأرفض التخوين والمزايدات التي مزّقت جسد الثورة ولم نرَ منها خيراً في أي يوم من الأيام

كل الذي أتمناه هو أن يبقى الذاهبون والمفاوضون (إلى الأستانة قريباً وإلى جنيف وغيرها في أي وقت آت) أن يبقوا أوفياء لشهداء الثورة ولمئات الآلاف من المعتقلين والمغيَّبين ولملايين المشردين والمعذَّبين، فلا يتنازلوا عن ثابت الثورة الأكبر، بل الوحيد، فهو وحده الثابت الذي لا يقبل النقص والنقض والتغيير، وما عداه متغيرات تجوز المناورة فيها والمساومة عليها اعتماداً على ما نملكه من قوة وقدرة على التأثير.

* * *

هذا الثابت هو رحيل النظام بكتلته الصُّلبة كلها، أي بعبارة واضحة موجزة: "الأسد ومنظومته الأمنية الكاملة"، فهذا هو ما ثار السوريون من أجله أولَ مرة، وهو ما أهرقوا في سبيله أنهار الدم ودفعوا كرائم التضحيات. ولا يهمنا بعد ذلك أن نحاسب المجرمين أو لا نفعل، فلو نجا بعضُهم من محكمة الأرض أو نجا منها كلهم فلن ينجو أيٌّ منهم من محكمة السماء، وثقتنا بعدل الله وبحسابه أعظم من ثقتنا بعدل قضاة الأرض أجمعين.
المهم أن يرحلوا، وأن نعيش بلا قمع وبلا أجهزةِ أمنٍ مجرمة مجنونة. لا يمكن أن يرجع السوريون إلى حياة الخوف والذل والعبودية تحت سيطرة نظام قمعي بوليسي همجي كهذا النظام المجرم، فهم يعلمون علم اليقين أنهم لو فعلوا فسوف يضعون رقابهم في حبال المشانق، وأن نظام الاحتلال الأسدي سيفرغ لهم -بعد أن يستقر ويعود قوياً كما كان- فيبطش البطشة الكبرى وينتقم من كل من وقف في وجهه، ولو بهتافٍ في مظاهرة أو بمنشورٍ في فيسبوك. لقد قذف من قبلُ في باستيلات سوريا مَن ردّد طرفة فيها استهزاء بالصنم الذي يحكم سوريا، طرفة من أحد عشر حرفاً أمضى صاحبُها إحدى عشرة سنة في تدمر، سنة من العذاب مقابل كل حرف انتقد به الطاغية، فكم سيعذَّب من غرّد تغريدة تويترية من مئة وأربعين حرفاً أو نشر منشوراً فسبوكياً من ألف حرف؟

* * *

نحن اليوم لسنا في أحسن حالاتنا. إن الثورة تمر في ظروف شديدة القسوة، بغضّ النظر عن الأسباب التي كُتبت فيها مجلدات، فإذا اقتصرت مفاوضات الأستانة على بحث وقف إطلاق النار والاتفاق على هدنة مؤقتة لا تُنهي الثورة، مهما يكن طول هذه الهدنة، فهي اجتهاد يقدّره خبراء السياسة وأهل الميدان ويحتمل الخطأ والصواب، بعيداً عن الاتهام والتخوين، أما المصالحة مع النظام والموافقة على بقائه فإنها جريمة وخيانة لا تُغتفَر.
هذه فقط هي الجريمة والخيانة ولا شيء غيرها، فكل شيء سوى ذلك قابلٌ للمناقشة والمناورة والمساومة ويمكن القَبول فيه بأنصاف الحلول وأرباعها، كله يمكن البناء عليه والاستمرار بعده إذا تخلصت سوريا من النظام الأمني الطائفي، ولو بقي -لا قدّر الله- فهي النهاية القاصمة والضربة القاضية، وهي بداية رحلة من القهر والكرب والعذاب سيعاني منها ملايين السوريين لعشرات السنين.

قناة الكاتب على تلغرام

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع