أبو بصير الطرطوسي
تصدير المادة
المشاهدات : 3336
شـــــارك المادة
كثيراً ما يستدلون بالآية الكريمة: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] البقرة:120. على الاستعداء العسكري، وعلى عولمة المعركة العسكرية، وضرورة المواجهة العسكرية مع العالَم كله، وفي آنٍ واحد، وبخاصة مع اليهود والنصارى، وعندما تنصحهم، وتنكر عليهم سوء فهمهم، وصنيعهم، سرعان ما يستدلون عليك بالآية الكريمة الواردة أعلاه! أقول: ليس من معاني ودلالات الآية الكريمة ضرورة المواجهة العسكرية، وعولمة المعركة العسكرية مع العالم كله، فالرضا، وأن ترضى عنهم، ويرضوا عنك، شيء، وأن تستعديهم عسكرياً عليك وعلى أمتك شيء آخر، فلا تلازم بينهما، فليس كل ما لا ترضاه، ولا يرضاك، يعني بالضرورة يجب أن تقاتله، ويُقاتلك! نعم؛ التباين والمفاصلة والعداوة العقدية الدينية، والفكرية الثقافية، واردة وحاصلة، لهم دينهم ولنا دين، لنا عقيدتنا، ولهم عقيدتهم، لا هم يرضون عنا وعن ديننا وعقيدتنا، ولا نحن نرضى عنهم وعن دينهم، وعقيدتهم، ونقول لهم ما أمرنا ربنا أن نقول: [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ] الكافرون:1-6. قال ابن كثير في التفسير: قال ابن جرير: يعني بقوله، جل ثناؤه: [ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ] وليست اليهود -يا محمد- ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق ا- هـ. هذا هو المراد من الآية الكريمة، وليس المراد منها ما ذهب إليه أولئك النفر من تأويل خاطئ، حملهم على عولمة المعركة، وتذعير العالَم كله عسكرياً على المسلمين، والمستضعفين منهم، وفي وقت واحد! ويُقال أيضاً: لم يُعرَف عن النبي صلى الله عليه وسلم قط أنه قاتل عدوين في آن معاً، وفي معركة واحدة، ولما كان يجتمع عليه أكثر من عدو وطرف يعمل على تفريقهم، وشق أحلافهم، يخذل عن المسلمين ما استطاع، حتى قبائل اليهود التي كانت موجودة في المدينة، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ قبيلة بجريرة وخطأ قبيلة أخرى، بل كان يُعامل كل قبيلة منفردة بما تستحق، وبحسب ما يظهر منها. ويُقال أيضاً: الآية الكريمة الواردة أعلاه التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم من ربه، كان صلى الله عليه وسلم يتلوها، ويلقنها لصحابته، وأمته، وفي نفس الوقت، كان صلى الله عليه وسلم يُعاهد، ويُسالم، ويُجير، اليهود والنصارى، وغيرهم، ويقبل من شاء منهم أن يدخلوا في ذمته وعهده، وأمانه وفق شرطه، فلم يكن صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه من بعده يرون من معاني ودلالات الآية الكريمة ضرورة الاستعداء العسكري مع جميع اليهود والنصارى، وغيرهم، على أي وجه، وأي حال كان، كما فهم أولئك النفر الذين يضعون الآية في غير موضعها، فأساؤوا من حيث يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً!
صفحة الكاتب على فيسبوك
محمد راتب النابلسي
ندا أبو أحمد
الألوكة
سهير علي أومري
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة