علي سفر
تصدير المادة
المشاهدات : 3405
شـــــارك المادة
من مفارقات الواقع السوري، أن مسألة تسمية شعارات تظاهرات أيام الجمعة التي كانت مشكلة كبرى في السنة الأولى من الثورة، صارت تتكرر هذه الفترة، ولكن من خلال الاختلاف على أسماء المعارك التي تخوضها الفصائل المسلحة، ضد قوات النظام والميليشيات الطائفية المتحالفة معه..!
وبين الاختلاف الأول الذي كان يغرق الثائرون فيه إلى درجة القطيعة آنذاك، والاختلاف الذي يحصل الآن، مترافقاً مع نبضٍ أعلى في مقارعة المخالفين، مسافةٌ زمنية طويلة يبدو أن الكثيرين لم يتعلموا فيها أي جديد، يمنحهم القدرة على البقاء ضمن دائرة واحدة تجمعهم مع غير المتوافقين معهم في وجهات النظر، لا بل إن السوريين يزدادون شقاقاً، وتشظياً فيما بينهم، حتى تكاد تظن أن هؤلاء ليسوا بشعب واحدٍ، بل إنهم محشورون معاً تحت ضغط ما، وينتظرون اللحظة المناسبة ليفردوا أوراقهم ونزعاتهم، كي تصبح كل جماعة منهم دولة بذاتها..!
لكن، وبعيداً عن الجغرافيا الجامدة، هل ستكفي سوريا الراهنة كل الجماعات، لتأخذ كل واحدة منها حصتها التي تريد، كي تصنع منها دولتها الخاصة؟
لاشيء يحدث الآن في المشهد السوري، دون أن تسود ردود الأفعال حوله اختلافات هائلة، ربما يمكن اعتبار هذا الأمر صحياً طالما أنه يخلق روح النقاش والجدال الذي ينتج رؤى جديدة، لكن واقع الحال لا ينبئ عن أي إيجابيات، طالما أن هذه الاختلافات تبنى على انقسامات فكرية وسياسية وفصائلية، تحولت مع الوقت إلى "خندقة" تكاد ملامحها وامتداداتها تجعل التقسيم أمر واقعاً على الأرض، فإذا كان جمهور الثورة على تنوع مشاربه الذي اجتمع على فكرة إسقاط النظام التسلطي، يعيش كل هذا الإنقسام والتفكك، فهل يصبح غريباً أو مستهجناً أن يناور النظام بين حين وآخر في سياق حربه على السوريين، بطرح فكرة التقسيم؟!
من المؤكد أن طرح الأمر من قبل النظام وحلفائه سيعيد رسم المشهد، ليصبح السوريون المنقسمون على أنفسهم متحدين مرة أخرى ضد هذه الخطة الخبيثة التي عمل عليها منذ البداية، ولكن بمجرد غياب الحديث عنها، سيعود هؤلاء إلى حالة الانقسام والتفكك مرة أخرى.
هنا لا يمكن نقاش الأمر من خلال التمترس وراء فكرة مثالية تفترض أن جميع من هم ضد نظام الأسد يجب أن يكونوا متفقين في كل شيء، وذلك لسبب وحيد يفرضه جدل الواقع وديناميكيات تطوره، يقوم على ضرورة وجود هذا التنوع في الأراء، ويفترض أن الجدل والنقاش ومراجعة كل وجهات النظر هو السياق الطبيعي لتطور الحوار الديموقراطي بين أفراد المجتمع الذين سينقسمون وفق الإنتماءات الأيديولوجية، والتي ستجد تعبيراتها النظرية عبر الطرح العلني للأفكار، وبناء على ما سبق يمكن التمسك بروح الاختلاف الفكري والنظري عموماً بوصفها جزءاً من حمولة الفعل الديموقراطي، ولكن هل يمكن بناء حالة من الحوار ضمن حالة التمترس الشديد وراء الاختلاف والتخندق حوله؟
العودة إلى قراءة الواقع الجديد الذي أحدثته الثورة السورية وما ترتب عليها من انقسامات وصراعات، توجب الإقرار بأن هناك كماً هائلاً من القضايا المسكوت عنها في تاريخ سوريا، قد انكشفت أمام الجميع، وصارت جزءاً من الأعباء الهائلة التي يحملها مسار الثورة. وبينما كان يفترض أن تتم معالجة هذه القضايا ضمن مسار بناء الدولة الوطنية بعد استقلال سوريا، قامت الأنظمة المتعاقبة بالقفز عنها والهروب منها، وهكذا وبالتدقيق قليلاً في طبيعة الاختلافات العميقة الحاصلة راهناً سنرى كيف يقوم الجميع بتحميل قضيته الكبرى الموروثة من الأزمنة السابقة، على ظهر ثورة، كانت شعاراتها التي توحد الجميع تقوم على الانتصار للحرية والكرامة والعدالة.
لقد باتت حمولة الثورة وبفعل المظلوميات السورية، أكبر بكثير من قدرتها على الفعل، وضمن حالة تصارع نزعات المتحازبين التي تتعدى الفوران والمشاحنات على وسائل التواصل الاجتماعي، ليأخذ شكل المجابهة الميدانية بين الفصائل في الكثير من الأحيان، صار من الطبيعي أن يبدو الصوت الذي يحاول إعادة الشعارات الأولى إلى واجهة الفعل الثوري نافراً وضعيفاً، ومستغرباً أيضاً.. كل هذا يترافق مع غياب شبه كامل للمشاريع السياسية المتكاملة التي يفترض أن تطرحها القوى المتصارعة، إذ لا يحمل الإسلاميون على تنوع توجهاتهم أي خطة عملية لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وكذلك يفتقر الليبراليون ومعهم اليساريون والقوميون للرؤى التي سيتم من خلالها تجاوز آثار الحرب المدمرة التي شنها النظام على السوريين، ولعل قراءة الطروحات التي يقدمها المنتسبون إلى هذه التيارات تؤكد أن الحمولة النظرية التي يستندون لها في تقديم أنفسهم أمام جمهورهم وأمام جمهور المختلفين عنهم، تبدو جامدة وقائمة على أدوات قديمة غير محدثة، وقابلة للانهيار أمام استحقاقات الوضع الراهن عاجلاً أم آجلاً، إذ لا يمكن معالجة الأزمات التي يعيشها السوريون من خلال استدعاء طروحات نظرية تنتمي لعالم النصوص الجامدة، يرى أصحابها أنها صالحة لكل زمان ومكان؟!
تفرض الثورة السورية على الجميع، ومن خلال كونها الأداة الرئيسية للتخلص من نظام ديكتاتوري، قيّد قوى المجتمع طيلة أكثر من نصف قرن، أن يجتمعوا حول أساسيات لا يمكن الاختلاف حولها، ومن بين هذه الأساسيات نرى كيف أن جمهور الثورة بغالبيته اتفق على أن تقوم قواها الفاعلة بالدفاع عن المدنيين، بعد أن تقاعس العالم كله عن القيام بدوره الذي توجبه عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ونرى أيضاً أن هذا الفعل عاد إلى الواجهة مع معارك حلب الأخيرة، حيث كان من الطبيعي أن يلتف الجميع حول الفصائل التي قامت بكسر حصار مدينة حلب، وفي الوقت نفسه أن يتداعى كثيرون إلى دعوتها لأن تعلن عن خطة واضحة ذات مضمون إنساني ووطني خاصة بالتعاطي مع سكان المناطق التي ماتزال خاضعة لسيطرة النظام والميليشيات الطائفية المتحالفة معه، فإذا ألقينا نظرة على سلسلة الأفعال هذه من خلال قراءة التحولات التي جرت طيلة السنوات السابقة، هل سننتهي إلى نتيجة تكرس واقع الإنقسام والتشرذم؟ أم أننا سنستعيد أصداء أيام الثورة الأولى، والتي كانت شعاراتها تفرض على الجميع أن يُخلص لفكرة أنها قامت لأجل نصرة السوريين وحقهم في العيش الكريم، وبغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي أو الفكري؟
أورينت نت
عبد النور عنتر
عبد الوهاب بدرخان
نجوى شبلي
جورج سمعان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة