..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

التضحيات التي قدمها السوريون في مجال الإعلام

عابدة فضيل المؤيد العظم

٢٣ يوليو ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4279

التضحيات التي قدمها السوريون في مجال الإعلام
الصحفيين 000.jpg

شـــــارك المادة

كل شيء في سوريا أصبح عملاً بطوليا وتضحية، فالإطعام جريمة والإيواء جريمة، والإسعاف والإغاثة وإنقاذ الناس من الموت جريمة! ولعل التوثيق هو أكبرها على الإطلاق؛ ولو وجد النظام رجلاً يحمل السلاح ويقتل، وآخر يحمل كاميرا، لكان جزاء الأخير أشد وأنكى، وعقابه الاعتقال والسجن والتعذيب حتى الموت، وحسب جريدة القدس العربي فقد صرّح الأسد قائلا: “يغضبني الذين يصورون أكثر من الذين يتظاهرون”.

إن العاملين في المجال الإعلامي بسورية يصنفون أنهم يعملون في أشد الأماكن خطورة في العالم، وكانوا ضحايا وأهدافًا بكل سهولة للغارات والبراميل المتفجرة والقنص، ولقد وثق مقتل عشرات الإعلاميين على أيدي الجيش السوري، ومنهم من وثقت كمرته استشهاده، لقد لاحق النظام الإعلاميين (وكل من يقوم بالتوثيق من المدنيين) وأرهبهم، واعتقلهم في ظروف غير إنسانية، وعذب بعضهم حتى الموت بأبشع الأساليب والطرق، واستهدفهم بالقتل، وكذلك فعلت داعش وغيرها من الفئات الباغية، وقد وثقت إحصائيات على مواقع على النت (قبل حوالي عام)، مقتل 27 صحفيًا وناشطًا إعلاميًا على يدها، بينما أقدَمَ تنظيم جبهة النصرة على قتل 6، فيما قتلت جماعات لم تحدد هويتها 11 إعلاميًا، ما عدا حالات الخطف، التي تجاوزت 1027 حالة، كما قامت داعش بمنع النشطاء من العمل مع القنوات التلفزيونية، وفرضت قيودًا عليهم وأخضعتهم لرقابتها، وعلى سبيل المثال اقتحمت داعش مكتب كفرنبل الإعلامي ودمرته، وكسروا محتوياته وصادروا كل ما فيه من أجهزة ومعدات، واعتقلوا كافة النشطاء هناك.

ويذكر أن الشباب الذين وثقوا الأحداث كثيرون، ومنهم (أحمد حمادة) الذي صور لحظة استشهاده وكان يعمل مصورا صحفيا، و(أحمد الضحيك): الذي عاد من مصر خصيصاً ليشارك بالتوثيق فاستشهد وهو يصور الدبابات التي تقتحم مدينة تلبيسة بتاريخ 29/05/2011 عن عمر 29 عاماً، و(عبد الحميد مطر) الذي أصيب عدة مرات، واستشهد قبل أن تشفى جراحه (أثناء تصوير معركة)، و(وسيم العدل) الذي استهدفه العدوان الروسي، و(حامد المسالمة) الذي قضى تحت التعذيب، وكان له دور كبير في نقل أحداث درعا، و(ناجي الجرف) الذي اغتيل في تركيا، وأما (لانا) فقد اغتالوها في مكتبها في إذاعة صوت الغد، وخطفوا (رزان زيتونة) مع زوجها، وهي حقوقية عملت متخفية، وغيرت سكنها مراراً، إلا أنهم استطاعوا الوصول إليها وانقطع خبرها حتى اليوم.

وقد واجه الشباب صعوبات متعددة في التوثيق يذكر منها:

– الخوف من وشاية الشبيحة والمندسين، ومشكلة تهكير حساباتهم وسرقتها.

– وإذا لم يفتضح الفرد حال التصوير، وينجو من الاعتقال، فقد يمسكونه على أي حاجز لو اكتشفوا الوثائق في جهازه.

– صعوبة الحصول على نت جيد وسريع وقوي لرفع الفيديوهات التي يتم تصويرها على النت، وقد يضطر الناشط للسير مسافة 50 كيلو ليجد طريقة لبثه على الملأ، وقد تكتشفه الأقمار الصناعية خلال ذلك.

– ويشكل انقطاع الكهرباء، وفراغ بطاريات الجوالات مشكلة ضخمة.

– وإن أكثر التنسيقيات قامت على جهود شاب واحد أو اثنين، ولذلك توقف بعضها عن النشر، وماتت لأن الشاب القائم عليها استشهد، وكلمة السر معه، والنشاط والحماس من جهوده الشخصية.

– ولأن التوثيق يكون أيضاً بالمقالات الورقية، وبالكتابة والرسم على الجدران، وجد الناشطون صعوبات في الطبع والتوزيع، خوفاً من الاعتقال.

–كما أن الإعلام المعارض الذي يطمس حقائق ويضلل الرأي العام داخليًا وخارجيًا، جعل إيصال الصورة بشكل صحيح عملية شبه مستحيلة، ونسف الصورة التي كان ينقلها الناشطون على الأرض، متهمًا إياهم بالعمالة للخارج والفبركة الإعلامية.

هذه بعض الصعوبات، على أن هذه المشكلات أخرجت إبداع الأفراد، حيث حاولوا الالتفاف عليها؛ فصنع الناشطون جيوباً خفية دسوا بها موبايلاتهم وصوروا سراً، واستخرجوا الكابلات من باطن الأرض وربطوها بجوالاتهم، وتنصتوا بها على النظام، واستعملوا بطاريات السيارات في شحن أجهزهم لئلا يفوتهم شيء من التوثيق وتسجيل الوقائع والأحداث، واستعملوا الكاميرات التي تكون على شكل قلم أو سيجار فيسهل إخفاؤها، أو اشتروا من بريطانيا أجهزة متطورة -رغم غلائها الفاحش- لأنه لا يمكن للأجهزة اكتشافها، وتنقل الحدث مباشرة، بالإضافة إلى اضطرارهم لاستخدام خطوط دولية لبعض دول الجوار، واستعمالهم لأجهزة الثريا الفضائية، هذا بعض ما فعلوه، وقصص الإبداعات كثيرة.

ولقد سعدنا أننا نعيش في زمن فيه كاميرات وتقنيات ووسائل حديثة تتصيد الحدث وتخلده، فكان وبال ذلك علينا نحن السوريين في داخل سورية القتل، وفي خارجها الشك.

وبعد مرور خمس سنوات، ووصول القضية السورية إلى كل مكان، ومع كل ما يراه العالم، يطالبوننا بالتوثيق!؟ لقد أصبحت الشمس بحاجة لنور! وكم شعرت بأننا لا نحتاج –نحن السوريين- للتوثيق بقدر ما نحتاج لصديق! ولا نحتاج للتوثيق بقدر ما نحتاج للتصديق؛ فكثيرون -من الذين وثقوا- شكوا من أنهم تعرضوا للمخاطر حتى صوروا وكتبوا وجمعوا الوثائق، ولاقوا صعوبات جمة حتى سلموها للفضائيات أو للجهات المعنية، فلما عُرضت على بعضهم رفضوها لأسباب واهية أو غير واضحة، فبقيت حبيسة لدى أصحابها، وباتوا يخشون عليها من الضياع، أو الاندثار فيما لو وقعت في يد النظام أو داعش أو غيرهم من الطغاة، فيبرز واجبنا كإعلاميين بالاهتمام بتلك التوثيقات وتقديرها، ومحاولة نشرها بأي وسيلة، وعن طريق أي قناة متوفرة، ومن الضروري الاحتفاظ بها دون تشويه أو تبديل أو تعطيل، لنحاكم الظلمة بها، ولعله يكون في يوم قريب.

 

 

العهد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع