..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

إلى أي مدى يمكن أن يصمد التحالف التركي الروسي؟

جورج فريدمان

١٣ أغسطس ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3310

إلى أي مدى يمكن أن يصمد التحالف التركي الروسي؟
اردوغان 000 بوتين.jpg

شـــــارك المادة

اجتمع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» يوم الثلاثاء. ليس من الواضح ما خرج به الاجتماع على وجه التحديد، ولكن من الواضح أن أمورا عدة صارت على المحك. روسيا هي قوة تعاني من الضعف، ويعد الاقتصاد قضيتها الرئيسية في الوقت الراهن، كما أن مسألة أوكرانيا لا تزال في صميم اهتماماتها الاستراتيجية. تركيا هي قوة صاعدة تدير أزمتها الداخلية الراهنة بشكل فعال. كلاهما ترى نفسها في مواجهة مع قوة كبيرة هي الولايات المتحدة. وهي قوة تبدو غير حاسمة في كثير من الأحيان في استخدام قوتها وتتصرف أحيانا بطريقة عشوائية وغير متوقعة. بالنسبة إلى روسيا وتركيا، فإن كلتيهما تعي أن خطوتها التالية سوف يكون لها عواقب وجودية. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنه لا شيء يحدث في كلا البلدين يرقى إلى مستوى كونه حدثا وجوديا. بعد المسافة وفارق القوة يعزلان الولايات المتحدة بشكل كبير عن مغبة سوء التقدير.

لذا فإن روسيا وتركيا تعايران تحركاتهما بأكبر قدر ممكن من الدقة. على المدى القصير، فإن كلا البلدين لديهما مصالح مشتركة. تريد كل منهما الحفاظ على مساحة المناورة الخاصة بها من خلال تشتيت انتباه الولايات المتحدة لتفادي مواجهتها بشكل مباشر. تراقب كلا الدولتين بحذر مساعي الاتحاد الأوروبي نحو إعادة تعريف نفسه ودوره. عدم اليقين في أوروبا يعطي كلا البلدين رئة للتنفس ولكنه في ذات الوقت يولد قدرا كبيرا من عدم الارتياح. كلا البلدين لا يمكنها التنبؤ بما سيحدث للتكتل الأوروبي بعد  سنوات من الآن. يمكن للفوضى أن تتكثف، كما يمكن أن تنتهي الأمر بنشوء دولة قوية أو تكتل قوي. في النهاية، أيا كان ما سيحدث في أوروبا فهو مهم بالنسبة إلى تركيا وروسيا.

المصالح المشتركة:
بشكل ظاهري، يبدو أن كلاً من تركيا وروسيا لديهما مصالح مشتركة. في الواقع، هناك دلائل على أن هذه المصالح المشتركة تؤتي ثمارها. منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، حافظت أرمينيا على علاقة تبعية وثيقة مع روسيا وهو ما سمح لها بهزيمة أذربيجان في الحرب التي وقعت في بداية التسعينيات والاستيلاء على منطقة كانت واقعة تحت سيادة أذربيجان قبل الحرب. تسمى المنطقة موضع النزاع باسم ناغورنو كاراباخ، والتي ظلت منذ ذلك الحين نقطة اشتعال متجددة بين البلدين. قتل قرابة 40 ألف شخص خلال هذه الحرب، وفر عدد أكبر من سكان أذربيجان من الإقليم، ولا يزال الإقليم يشهد اشتباكات دورية تسفر عن وقوع إصابات.

كانت السياسة الخارجية لأذربيجان معقدة. مع كونها محصورة بين إيران وروسيا، فقد كانت حريصة باستمرار على انتهاج سياسة تضمن استقلالها دون أن تمثل تهديدا لأي من البلدين. تريد أذربيجان علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة تواصل دفعها بعيدا بسبب قضايا حقوق الإنسان، وأيضا لأبعاد استراتيجية حيث لا ترغب الولايات المتحدة أن تضع نفسها في موقع بين روسيا وإيران وتركيا. تفتقر أذربيجان إلى مركز ثقل كبير لذا فإنها تقوم بتغيير اتجاه ثقلها باستمرار. ولكن قضية ناغورنو كاراباخ تظل قضية أساسية بالنسبة إلى أذربيجان.

علاقة أذربيجان مع تركيا قوية نسبيا، حيث تمثل بالنسبة لها نقطة عبور للطاقة. الأهم من ذلك، أن أذربيجان بدأت تعمل ضد أنصار كولن منذ عدة سنوات. ترتبط البلدان بعلاقات عرقية ثقافية منذ سنوات، كما تواجه كلاهما عدوا مشتركا هو أرمينيا.

بالنسبة لتركيا، فإن المسألة الأرمينية ربما صارت هامشية، ولكن تركيا لا تزال تشعر بالقلق تجاه الأرمينيين بالنظر إلى أنهم يسهمون في تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا كما تسببوا في جلب القوات الروسية جنوب القوقاز.

القضية الرئيسية هنا هي مسألة ما يعرف بـالإبادة الجماعية للأرمن. بعد الحرب العالمية الأولى، عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تنهار، كانت هناك فوضى عارمة في المنطقة وتسبب الأتراك في مقتل عدد كبير من الأرمن. في منطقة تتمتع بذاكرة طويلة وقدرة محدودة على النسيان، لا يزال الأرمن يتذكرون هذه الأوقات بمرارة في الوقت الذي يصر فيه الأتراك على نفي وقوع إبادة جماعية. يمثل الأرمن أعدادا كبيرة من المهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة وقد نجحوا في صناعة لوبي فعال يلعب دورا في تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا ولكنهم لم ينجحوا في توجيهها بشكل كامل. ويبدو أن هذا هو ما دفع الأرمن للتوجه إلى الروس.

منذ الحرب العالمية الثانية، لعبت روسيا دور الضامن للأمن القومي في أرمينيا، وكان هذا أحد أبرز الملفات التي سبب الانقسام بين روسيا وتركيا.

كان الوضع يبدو على وشك التحول حتى قبل محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو/تموز. ومنذ ذلك الحين، فإن هناك العديد من الأدلة على أن روسيا تبدو على وشك تحويل سياستها في أرمينيا. وقد اجتمع «بوتين» مع رؤساء أذربيجان وأرمينيا وبالطبع تركيا. هناك حالة من عدم الاستقرار في أرمينيا مع خروج القوى المعادية لروسيا إلى الشارع. لم تكن المظاهرات ضخمة جدا ولكن حقيقة أنها كانت مناوئة لروسيا لم تخل من دلالة. ويبدو من المرجح أن روسيا سوف تفرض اتفاقا في ناغورنو كاراباخ وتقلص من دعمها لأرمينيا. وهذا سيجعل الأذربيجانيين والأتراك سعداء وممتنين تجاه روسيا.

تشعر روسيا بالقلق تجاه تمتين الولايات المتحدة لعلاقاتها مع رومانيا وبولندا. كنا نتحدث عن خطة «بين البحار» الجديدة لاحتواء روسيا والتي تمتد من دول البلطيق إلى تركيا وربما أذربيجان. هذا قد يضع روسيا في موقف سيء. عملت تركيا مع بولندا ورومانيا في القضايا الدفاعية لفترة من الوقت خاصة في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية. من الواضح أن روسيا لا تريد أن تشهد انضمام تركيا إلى تحالف آخر مدعوم أمريكيا. وبدا أن تركيا تشعر بعدم الارتياح إزاء تبعيتها للولايات المتحدة منذ رفضها المشاركة في خرب العراق عام 2003. مع وجود روسيا معادية، فإن تركيا لن يكون لديها أي خيار سوى التعاون مع الأمريكيين. الآن، فإن الأتراك يملكون الخيار. عملية المبادلة التي تهدف إلى بناء الثقة ربما تشمل قيام روسيا بفرض مفاوضات برعايتها على أرمينيا، مقابل قيام تركيا بالابتعاد عن بولندا ورومانيا. هذا من شأنه أن يعزز موقف تركيا في منطقة القوقاز وموقف روسيا في الغرب.

هل نشهد علاقات استراتيجية؟
قد تكون هذه مجرد مناورة افتتاحية، لكن الأساس طويل الأمد للعلاقات لا يزال محل شك كبير. لدى كلا البلدين مشاكل داخلية كبيرة. لا يمكن لكلا البلدين تجاهل الولايات المتحدة أو الوقوف أمامها. والأهم من ذلك، هناك التوتر الجيوسياسي الواقع في قلب العلاقات الروسية التركية. لا يثق البلدان ببعضهما البعض. روسيا لا يمكنها أن تسمح لتركيا أن تصير القوة المهيمنة في البحر الأسود، كما أن تركيا لا يمكن أن تسمح لروسيا بالسيطرة على مضيق البوسفور. هذه الخطوات المبدئية يمكن أن تمثل أساسا لبدء العلاقة، ولكن استمرارها يتطلب تعاون البلدين حول مسألة النفوذ في بلدان البحر الأسود وخارجه، مثل مولدوفا، رومانيا، صربيا وأذربيجان. كما سيكون عليهما أيضا أن يعملا معا في آسيا الوسطى.

على المدى القصير، سوف تنجح هذه المصالحة. ولكن احتمال بقاء تركيا وروسيا دون اشتباك على المدى البعيد يبقى في حده الأدنى. بمجرد وقوع هذا الاشتباك فإن تركيا سوف تطلب مساعدة الولايات المتحدة، في حين سوف ترغب روسيا في بقاء الولايات المتحدة بعيدا.

التحالفات الناجمة عن الأحداث قصيرة الأجل مثل الانقلاب التركي يمكن أن تستمر لعقود فقط إذا توفرت الركائز الأساسية لهذه العلاقات. هذه الركائز لم تكن أبدا موجودة في حالة روسيا وتركيا، لذا فإن الأمور مرتبطة فقط بالأحداث. أرمينيا لم تعد بتلك الأهمية بالنسبة إلى روسيا، كما أن زيادة القوة الروسية سوف تشعر الأتراك بعدم الارتياح. يمكن لهذا التحالف أن يستمر لسنوات، ولكن السنوات ليست مدة كبيرة في عمر الجغرافيا السياسية. الأمر خطير وجاد، ولكنه لن يكون محددا لشكل عصرنا.

 

 ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد

جيوبوليتيكال فيوتشرز

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع