عباس شريفة
تصدير المادة
المشاهدات : 3885
شـــــارك المادة
لم يكدِ النِّظامُ السُّوريُّ يتيهُ بنصرِهِ الموهومِ في إكمالِ إحكامِ طوقِ الحصارِ على مدينةِ حلبَ، ويعلنُ عن ممرَّاتِهِ الآمنةِ لتفريغِ المدينةِ منَ المدنيِّينَ؛ ضمنَ خطَّةِ التَّغييرِ الدِّيمغرافيِّ، وبينَما كانَ يجهِّزُ للاحتفالِ، ويُظهِرُ على إعلامِهِ كيفَ يقومُ المسلَّحونَ بتسليمِ أنفسِهِم وسلاحِهم للجيشِ العربيِّ السُّوريِّ، حتَّى باغتتْهُ فصائلُ الثَّورةِ السُّوريَّةِ بما لم يكنْ بحسبانِهِ؛ بضربةٍ عسكريَّةٍ حقَّقتْ هدفاً مزدوجاً يكسرُ الحصارَ عنِ المدينةِ، ويغلقُ الطَّوقَ على رقبةِ النِّظامِ في حلبَ، ليجدَ النِّظامُ أنَّ ما حقَّقهُ في ستِّ سنواتٍ من حصارِ حلبَ وفقَ خطَّتِهِ المسمَّاةِ دبيبَ النَّملِ يكسرُهُ الثُّوَّارُ في ستَّةِ أيَّامٍ بوحدتِهِم. لم يكنِ الانتصارُ في معاركِ حلبَ أمراً عاديّاً، فلقد جعلَ منْ حزبِ اللهِ وأُسطورتِهِ في مواجهةِ إسرائيلَ هباءً منثوراً، وأدركَ أنَّهُ وقعَ في مستنقعٍ موحلٍ لا سبيلَ لهُ بالانسحابِ، ولا سبيلَ لهُ في المتابعةِ، وأنَّ ما كانَ يزهو بهِ من انتصاراتٍ على إسرائيلَ ما هوَ إلَّا نزهةٌ بمقابِلِ ما لقيَهُ من هذا الشَّعبِ الَّذي علَّمَهُ المقاومةَ على أصولِها. وذَهَبَ بهيبةِ روسيا، الَّتي يجبُ عليها أن توقنَ يقيناً لا يشوبُهُ الشَّكُّ أنَّها لا تناصرُ نظاماً شرعيّاً بمواجهةِ عصابةٍ مسلَّحةٍ، وإنَّما تواجهُ شعباً يبحثُ عن حرِّيَّتِهِ في مواجهةِ نظامٍ ساقطٍ، بقيَتْ هياكلُهُ لتعطيَ غطاءً لتدخُّلٍ خارجيٍّ يحتلُّ أرضَنا، ويجوسُ في ديارِنا. كذلك إيرانُ هيَ الأُخرى لُقِّنَتْ درساً قاسياً، ومُرِّغَ أنفُها في التُّرابِ، وأدركَتْ أنَّها لا مكانَ لها في بلدٍ يتصارعُ عليهِ الكبارُ، وهيَ لا تزالُ تنقلُ قتلاها في طوابيرَ منَ الصَّناديقِ، لا لأجلِ شيءٍ؛ وإنَّما انتصاراً للحسينِ في حلب. لم تحقِّقْ معركةٌ من معارِكِ الثَّورةِ السُّوريَّةِ إجماعاً بينَ الفصائلِ ما حقَّقتْهُ معركةُ فكِّ الحصارِ عن حلبَ، ولعلَّ إغلاقَ قوَّاتِ الاحتلالِ المجوسيِّ الصَّليبيِّ لطريقِ الكاستيلو كانَ خيراً علينا، فمنذا الَّذي يتجرَّأُ على حبسِ الأسودِ في عرينِها دونَ أن يسمعَ زئيرَ غضبِهم، وتمزِّقَهُ مخالبُهُم؟! في هذِهِ المعركةِ لا تستطيعُ أن تذكرَ فصيلاً دونَ آخرَ، ولا أبناءَ محافظةٍ دونَ محافظةٍ، فكلُّ أبناءِ المحافظاتِ السُّوريَّةِ، وكلُّ الفصائلِ الثَّوريَّةِ، كانتْ جنباً إلى جنبٍ، تمتزجُ دماؤُهُمُ الطَّاهرةُ على ثرى حلبَ، في مشهدٍ يلخِّصُ مشهدَ الصِّراعِ في كل سوريا، وإنْ كانَ العتبُ موصولاً لفصائلِ الجنوبِ، الَّتي طالما تمنَّينا أن تتَّخذَ قرارَها في هذا الوقتِ بصفعةٍ أخرى للنِّظامِ. عن أهمِّيَّةِ الفتوحاتِ في حلبَ يقولُ المحلِّلُ السِّياسيُّ الإسرائيليُّ، تسيفي برئيل، في مقالٍ لهُ في صحيفةِ هآرتس، بعنوانِ “لماذا حلب؟”: إنَّ قربَ حلبَ من تركيا في الشَّمالِ سيجعلُ منها قاعدةً لوجستيَّةً بدعمٍ تركيٍّ إسلاميٍّ لتفرضَ نفسَها بقوَّةٍ في سوريا، وسينطلقُ الجيشُ الحرُّ من هذِهِ القاعدةِ لتحريرِ كاملِ سوريا. كما قالَتْ صحيفةُ التّايمز: معركةُ حلبَ “مصيريَّةٌ” لنظامِ الأسدِ، ونتائجُها ستحدِّدُ قدرتَهُ على البقاءِ أو السُّقوطِ. لقد كانَ الغربُ ينظُرُ إلى المعركةِ بعينِ الرِّيبةِ، وعدمِ الارتياحٍ، الغربُ لا يخشى فكَّ الحصارِ عن حلبَ، بل فكَّ الطَّوقِ عنِ الثَّورةِ السُّوريَّةِ بعدَ حالةِ التَّلاحمِ بينَ الجميعِ، من الأهالي والفصائلِ، وهو يعلمُ أنَّ فكَّ الحصارِ سيعيدُ للثَّورةِ السُّوريَّةِ قرارَها السِّياسيَّ المسلوبَ بالهُدَنِ، والمصالحاتِ، والانشغالِ في إطفاءِ الحرائقِ، والملفَّاتِ الإنسانيَّةِ، عن إسقاطِ النِّظام. فقدْ أثبتَتِ المعركةُ الأخيرةُ أنَّهُ لا فائدةَ منَ العملِ السِّياسيِّ والجلوسِ على الطَّاولةِ مستجدياً وأنتَ مهزومٌ منكسرٌ على الأرضِ، وأنَّ ما تخسرُهُ في المعركةِ لا يمكنُ أنْ تربحَهُ في السِّياسةِ، والمفاوضاتِ، والاستجداءِ، وأنَّ البندقيَّةَ لا تزالُ هيَ أهمَّ وسائِلِ الحلِّ في المعادلةِ السِّياسيَّة. انتصرَتْ حلبُ عندَما جرَّدَتِ الهويَّةَ من مرادفاتِها المتشعِّبَةِ، وأعتَقَ الرِّجالُ رقابَهم منَ التَّبعيَّةِ الحزبيَّةِ، فأصبحَتِ المعركةُ صفريَّةً، إمَّا نكونُ أو لا نكونُ، هي معركةُ حياةٍ أو موتٍ، التفَّتْ فيها الحاضنةُ الشَّعبيَّةُ حولَ أبنائِها منَ المجاهدينَ، ولم يتَّجهْ سوريٌّ واحدٌ إلى المعابِرِ الآمنةِ الَّتي أعلنَ عنها النِّظامُ، فقدْ كانوا على يقينٍ راسخٍ أنَّ لهم إخوةً وأبناءً لا ينامونَ على الضَّيمِ، وأنَّ الموتَ تحتَ البراميلِ والحصارِ أهونُ من إعطاءِ الدَّنيَّةِ لذلكَ النِّظامِ الغاشمِ. في خِضمِّ هذِهِ الانتصاراتِ الكاسحةِ علينا أنْ نفطنَ إلى أفعيينِ خطيرتينِ تتحرَّكانِ دائماً في مثلِ هذِهِ الظُّروفِ؛ أفعى داعش التي تأرِزُ إلى جُحرِها إذا ما كانَ المجاهدونَ في حالةِ ضعفٍ وتراجعٍ، وتمدُّ برأسِها وقتَ انتصارِهم لتلدَغَهم وتطعَنَهم في الظَّهرِ. وإلى أفعى الـ”بي كا كا” (وحدات الحماية الكرديَّة)، الَّتي تـأرِزُ إلى جُحرِها وقتَ انتصارِ المجاهدينَ، وتمدُّ برأسِها لتغدرَ بهم وقتَ ضعفِهم وتكالبِ الأعداءِ عليهم. لقد أثبتَتْ هذِهِ المعركةُ أنَّ استراتيجيَّةَ ضربِ المواقعِ العسكريَّةِ أنجعُ وأنفعُ من خوضِ المعاركِ الشَّرسةِ لأجلِ تحريرِ بناءٍ في مدينةٍ لنتيهَ بنصرٍ تكتيكيٍّ، فإنَّ ضَرْبَ المواقعِ العسكريَّةِ يعطيكَ منَ القوَّةِ بمقدارِ ما يفقدُ خصمُكَ من قدراتٍ وقوَّةٍ، فلا بدَّ منَ المتابعةِ في دَكِّ المواقعِ العسكريَّةِ الاستراتيجيَّةِ للنِّظامِ. كما أثبتَتْ هذِهِ المعركةُ لكلِّ ذي لُبٍّ أنَّهُ لا مندوحةَ عنِ الوحدةِ والاجتماعِ على الهدفِ المقدورِ، وأنَّ ما يَخسَرُهُ بعضُنا تُجاهَ بعضٍ في سبيلِ وحدةِ الكلمةِ سنربحُهُ أضعافاً مضاعفةً من حسابِ عدوِّنا حينَما نواجهُهُ بوحدةِ القرارِ والهدفِ، وأنَّ ما نكسبُهُ في فُرقتِنا من مكاسبَ فصائليَّةٍ ضيِّقةٍ سنخسرُهُ أضعافاً مضاعفةً في مواجهةِ عدوِّنا، ولنعلم أنَّ عشراتِ الخسائرِ التَّكتيكيَّةِ أمامَ مكسبٍ استراتيجيٍّ أهمُّ بكثيرٍ من عشراتِ الانتصاراتِ التَّكتيكيَّةِ مقابلَ هزيمةٍ استراتيجيَّةٍ واحدةٍ. لذلِكَ نقولُ إنَّ انتصاراتِ حلبَ هي انتصاراتٌ استراتيجيَّةٌ في كلِّ المقاييسِ، حاصَرَتِ النِّظامَ، وكسرَتِ الحصارَ عن أهلِنا، وأفقدَتِ النِّظامَ أهمَّ معاقِلِهِ ونقاطِهِ العسكريَّةِ، وحقَّقَتْ للمجاهدينَ كمِّيَّةً كبيرةً منَ الغنائِمِ، الأمرُ الَّذي سيجعلُهم قادرينَ على المتابعةِ في التَّحريرِ بدونِ أيِّ عائقٍ ومصادرةٍ للقرارِ. أخيراً يقولُ صلاحُ الدِّينِ الأيُّوبيُّ: “ما سُرِرْتُ بفتحِ قلعةٍ أعظمَ من سروري بفتحِ قلعةِ حلبَ؛ فإذا فُتِحتْ حلبُ فُتِحَتِ الشَّامُ كلُّها بعونِ اللهِ”. فنسألُ اللهَ تعالى أنْ تكونَ فتوحاتُ حلبَ هي بدايةَ الغيثِ لفتوحاتٍ تصلُ إلى كلِّ شبرٍ من بلدِنا، وتكسرُ الحصارَ عن كلِّ محاصرٍ في داريَّا، والغوطةِ، والرِّيفِ الشَّماليِّ لحمصَ، والقلمونِ.
مركز عزام للدراسات
مجاهد مأمون ديرانية
شريف عبد العزيز
أحمد أبازيد
عبد العزيز ناصر الجليل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة