مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3158
شـــــارك المادة
هل ينتصر الخير حتماً؟ لماذا سمح الله بوجود الشر؟ كيف يكون في الشر خير؟ لماذا يسكت الله عن الظلم ويمد في آجال الظالمين؟ لماذا يموت الأخيار مبكرين؟ ما سبب البلاء؟ لماذا لا يُستجاب الدعاء؟ إذا كنا متوكلين على الله حقاً فلماذا نطلب المساعدة من الناس؟ هل الإسلام دين خيالي غير قابل للتطبيق؟ إذا قامت دولة الحق فهل تبقى أبداً؟ لماذا نُتعب أنفسنا من أجل انتصار لا يدوم؟
الأسئلة السابقة ليست جديدة، لكن المؤمنين يطرحونها اليوم كما لم يطرحوها من قبل، فقد ثقل الحِمْل على الناس وطالت المحنة فأثارت مكنونات النفوس، فأمسى كثيرون فرائسَ للقلق والهواجس، وباتوا حَيارَى يبحثون عن أجوبة مقنعة تُطمئن نفوسهم القلقة وتحفظ عليها الإيمان واليقين.
لعلكم لاحظتم أنني جمعت الأسئلة كلها تحت عنوان واحد: "أسئلة المؤمنين"، لأن جوابها لا يمكن تقديمُه ولا يمكن فهمه إلا باللغة التي يعرفها ويفهمها المؤمنون، فمَن لم يؤمن بالإسلام ابتداءً أو شكّ في نصوصه وتصوره للإنسان والحياة والوجود فلن تنفعه هذه الأجوبة، ولا أظن أنه سيجد غيرها أبداً في أي مكان.
* * *
"لحكمة يعلمها الله". كثيراً ما يسأل المبتلَون بأنواع البلاء: لماذا يا ربّ؟ فلا يجدون جواباً سوى تلك الكلمات، فيطمئنون زماناً ويسكتون، لكن البلاء يستمر ويتعاظم فيدفعهم إلى السؤال من جديد. وما تزال الأسئلة تعصف بأذهانهم القلقة فيكررون السؤال مرة بعد مرة، ويسمعون الجواب نفسه في المرات جميعاً، وذات يوم يبلغ الاحتمال بأحدهم غايتَه فيصرخ غاضباً: ما معنى لحكمة يعلمها الله؟ ما هذه الحكمة التي لم يعرفها ولا يفهمها أحدٌ من الناس؟
الذين بلغ بهم اليأس والغضب هذا المبلغ هم الذين أقصّ عليهم هذه القصة.
أخذني أبي ذات يوم إلى المدرسة وأنا في الرابعة، لم آلَفْ فراق الأب والأم ولم آنَس إلى الأغراب، ثم تركني ومضى. ما زلت أذكر صورة ذلك اليوم الحزين من وراء حجاب السنين؛ خمسٌ وخمسون سنة لم تُنسِني رهبته وكآبته. أُغلِق الباب على عشرين طفلاً من المخلوقات الرقيقة الضعيفة، ونظر الصغير حوله فرأى وجوهاً غريبة لا يعرفها، فاندفع إلى الباب يريد فتحه واللحاق بالأب الذي اختفى وتركه وحيداً بين الغرباء. وكذلك صنع كل واحد من الأطفال، فما كان من المعلّمة إلا أن جَرّت الطاولة فوضعتها وراء الباب، ثم جلست فوقها فأغلقت طريق النجاة الوحيد إلى عالم الحرية والأمان!
أمضى الأطفال وقتاً طويلاً بالبكاء، ربما اليومَ بطوله، حتى عاد الآباء فحرروهم من الحبس ورفعوا عنهم البلاء. لكنّ الغدَ كان محمَّلاً بالمزيد من تلك الآلام، وغداةَ الغد والذي بعده وبعده... وفي كل يوم يتشبث الطفل بأبيه، لكنّ أباه يُسْلمه إلى الكرب المُضني ويمضي. لماذا يا أبتِ؟ لحكمة ستعلمها يا صغيري ذات يوم.
وجاء اليوم الذي انكشفت فيه الحكمةُ فعرفها الصغير.
ما كل عمل يعمله الكبار يفهم حكمتَه الصغار، ولكنهم يَقبلون ويسكتون ويطمئنّون لأنهم يشعرون أنهم في أيد أمينة، رغم أن الفرق بين عقل الصغير وعقل الكبير هو فرقُ الأضعاف المفردة، ثلاثةُ أضعاف أو خمسةٌ أو عشرة. ولتكن مئةَ ضعف، ولتكن ألفاً، فهل فكرتم قَطّ بالفرق بين علم المخلوق وعلم الخالق؟ بين حكمة الخالق وحكمة المخلوق؟
إن الأبوين يطالبان صغيرَهما بالاستسلام لرأيهما لأنهما على يقين أنهما أعلم بما هو صالح له، وهما واثقان من محبتهما له ورحمتهما به، فلن يختارا له إلا الخير. وما نسبةُ علمهما بخير الصغير إلى علم الخالق بخير المخلوق؟ لماذا يرضى الواحد منا لنفسه بأن يهيمن على حياة الطفل الصغير ولا يرضى أن يهيمن عليه ويختار له قدرَه الربُّ الرحيمُ الحكيم العليم؟
لماذا أتجرأ وأنا الأب فأقول لولدي الصغير وهو يتجرّع الدواء المُرّ: ثق بي وتجرّعْه، فإن وراء مرارته الظاهرة ما لا تعلمه من الخير والنفع والشفاء. لماذا أقول لولدي ذلك ثم ألتفت إلى ربي متسخّطاً غاضباً وأقول: لماذا كتبت عليّ الشقاء والألم في هذه الدنيا يا ربّ؟ أين رحمتك؟ أين عدلك؟ أين محبتك ورأفتك بعبادك المؤمنين؟
يا أيها المؤمنون: إما أن تؤمنوا بالله كما وصف الله نفسه في قرآنه الكريم، فهو الرب العليم الرحيم الكريم الخبير القدير، وعندئذ سترفعون إلى السماء رؤوسكم كلما أصابكم البلاء فتقولون: شكراً يا رب، فأنت أعلم بما يصلح لنا ولن تختار لنا إلا الخير. أو تؤمنوا بإله غيره، معاذ بالله.
نعم، إنّ هذه الجملةَ جوابٌ للمؤمنين الذين تُلحّ على عقولهم القلقة تلك الأسئلةُ وأمثالها، ولكنّ لها أيضاً أجوبةً أخرى أرجو أن يجدوا فيها الرضا والاطمئنان. التفاصيل في بقية حلقات هذه السلسلة، فادعوا لي بالبركة في الوقت لكتابتها ونشرها في هذا الشهر الفضيل.
الزلزال السوري
ماجد كيالي
إبراهيم قرة غل
محمد بسام يوسف
حسان الحموي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة