..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أسئلة المؤمنين (2) هل ينتصر الخير دائماً؟

مجاهد مأمون ديرانية

١٢ يونيو ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3344

أسئلة المؤمنين (2) هل ينتصر الخير دائماً؟
مأمون010.jpg

شـــــارك المادة

قطعاً، لا أشك في ذلك أبداً، وما شككت فيه منذ عقلت وآمنت، فإن الشكّ في انتصار الخير هو شَكٌّ في عدل الله، والشك في عدل الله كالشكّ في وجوده. أليس من أسماء الله جَلّ جلاله "المُقْسط"؟ وما المقسط؟ هو الذي "ينتصف للمظلوم من الظالم" كما قال الإمام الغزالي في "المقصد الأسنى".

*   *   *

إنّ من الناس من أصابه الإحباط مما يراه من ضَعف أهل الحق وقوة أهل الباطل، ومنهم مَن شكّ في عدل الله وقدرة الله، وربما شك بعضهم في وجود الله فقال: لو كان الله موجوداً لانتصف للمظلوم من ظالمه ولوقَفَ البغيَ والظلمَ والعدوان. أستغفرُ الله من رواية ما يقولون.

ولكنْ مهلاً يا قوم! إنما مَثَل من يقول ذلك كمثل رجل ذهب لمشاهدة مسرحية من ثلاثة فصول، فلما أُسدلت الستارة في نهاية الفصل الأول قام مُغضَباً وغادر المسرح قائلاً: يا لها من مسرحية سخيفة! كيف قَبِل كاتبُها ومخرجها بأن ينتصر الأشرار والظالمون؟

سيقول له العقلاء المدركون من النظّارة، من المشاهدين: مهلاً يا هذا. انتظر قليلاً، فعمّا قليل سترتفع الستارة مرة أخرى ونشهد الفصل الثاني، ثم تنزل الستارة وترتفع من جديد في الفصل الثالث والأخير. فكيف أجزت لنفسك أن تحكم على المؤلف والمخرج من مشاهدة جزء صغير قصير من مسرحية طويلة متكاملة؟ هلاّ انتظرت لحظة الختام؟

*   *   *

يا أيها الناس: إن الحياة التي نحياها في هذه الدنيا هي أول الفصول وأقصر الفصول. إنكم ترونه فصلاً طويلاً لأنكم لا تعلمون ما بعده، فإذا انتقلتم إلى الحياة الثانية في البرزخ رأيتم ما قبله كرحلة يوم أو بعض يوم، كاستراحة مسافر نزل بشجرة فاستظل بظلها كما شبّهها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو العليم بها وبما بعدها من فصول.

البرزخ حياة طويلة ينعَم فيها الصالحون ويشقى الطالحون: {النار يُعرَضون عليها غُدوّا وعَشياً}. ثم ينتقل الجميع إلى الفصل الثالث والأخير، الفصل الطويل الطويل الذي لا نهايةَ له، حيث يطبَّق قانون العدالة الكاملة على المجرمين الذين نجوا من عدالة الدنيا الناقصة، فيعاقَبون بالعذاب الأبدي السرمديّ في نار الجحيم.

المؤمنون يعلمون ذلك كله فيطمئنون، أما الذين شكّوا في المَعاد والحساب أو أنكروه فإنهم سيعيشون أبداً في اكتئاب، لأن فطرة الخير التي جُبلوا عليها تنكر ما يرونه في الدنيا من ظلم وطغيان، والقدرات المحدودة التي يملكونها تَحول بينهم وبين تغيير هذا الواقع الكئيب، وهم يظنون أنه نهاية الطريق.

*   *   *

قرأت قوله تعالى: {إنّا لنَنْصُر رسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} فعلمت أنه يقين. ولكنْ كيف نُصِر أنبياء الله وفيهم من أُخرج ومن قُتل؟ أجاب الطبري عن هذا السؤال في تفسيره بجواب عام فقال إن المراد هو "الانتصار لهم ممّن آذاهم، سواء أكان ذلك في حضرتهم أو غيبتهم أو بعد موتهم"، وإلى ذلك ذهب أكثر المفسرين.

على أنني أرى في هذا التفسير تكلّفاً وتعارضاً مع الواقع الحاضر ووقائع التاريخ، فالنص يقطع بنصر الله للمؤمنين، والله لا يُخلف وعده، لكننا ننظر فنرى أن الباطل هزم الحق في جولات كثيرة على مَرّ الزمان وأن المؤمنين لم ينتصروا على عدوهم في كل حال، فلزم أن المقصود هو "الانتصار المعجَّل" في الحياة الدنيا أو "الانتصار المؤجَّل" في الآخرة يوم يقوم الأشهاد.

هذا المعنى تحتمله الآية لأن الواو تأتي بمعنى "أو" عند الكوفيين، كقوله تعالى في سورة فاطر: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}. ونجد المعنى نفسه في وعد الله للمؤمنين بالعاقبة، فالسياق القرآني يفسّرها بالانتصار الدنيوي مرة والانتصار الأخروي مرة؛ قال تعالى: {استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين} وقال: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين}.

*   *   *

كم مضى على طاغية الشام وهو مستمر في الظلم والجبروت؟ لو أنه وقع اليوم في يد الثوار فقطّعوه ألف قطعة ونثروا أشلاءه ومِزَقَه في طول سوريا وعرضها لبردت أكبادٌ واطمأنت قلوب. إننا نرضى ونطمئن إذا شاهدنا هذا المصير بعين البصر، ولو آمنّا بالله حق الإيمان لأبصرنا بعين البصيرة مصيراً أشدَّ منه وأقسى بما لا يُقاس، في يومٍ يزول فيه كل مُلْك وتضمحل كل قوة فلا يبقى إلا ملك الله وقوة الله، يومٍ ينادي فيه المنادي: لمَن الملك اليوم؟ فيأتي الجواب الحاسم: لله الواحد القهار. في ذلك اليوم يُصفّى الحساب، فيه ينتقم الله من الظالمين.

إن الذين يملكون اليقين الكامل بأننا راجعون كلنا إلى الله، والذين يوقنون بقدرة الله وعدل الله، أولئك يعيشون مطمئنين لأنهم يعلمون علم اليقين أن الخير منتصرٌ في النهاية لا محالة، وأن أحداً من المجرمين لن ينجو من عقاب الملك المنتقم الجبّار.

 

 

 

الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع