باسل العودات
تصدير المادة
المشاهدات : 4689
شـــــارك المادة
قبل بضعة أيام، وصف وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان فصائل المعارضة السورية بـ "الكفار والمرتدين"، وأكّد أن الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الطائفية التي "تدافع عن مراقد أهل البيت" في سورية، يقومون "بواجب ديني" ضد هذه المعارضة، ولم يكن يقصد الوزير الإيراني بكلامه تنظيم الدولة الإسلامية، لأن جبهاته أساساً ليست ضمن الرؤية العسكرية للقيادة الإيرانية، بل كان يقصد عموم الشعب السوري الثائر ضد النظام الذي سلّم مصير البلد لإيران.
كلام الوزير الإيراني هو استمرار طبيعي لكلام وتحريض (مُعلّمه) المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي وصف قبل ثلاثة أشهر الشعب السوري بـ "الكفار" أيضاً، وقال "إن جنودنا يطلبون الإذن للقتال في جبهة الإسلام ضد الكفر في سورية"، وقال إن قتلى الحرس الثوري الذين يلقون مصرعهم في سورية هم "شهداء يدافعون عن أهل البيت ضد التكفيريين".
لم يعد صدور مثل هذه الخطابات التكفيرية الطائفية أمراً غريباً عن الإيرانيين، فعباراتهم التحريضية وتصرفاتهم الطائفية تعكس فكرهم وإيديولوجياتهم المتطرفة جداً، وقسوة فتاواهم التي لم يجرؤ ابن لادن ولا الظواهري ولا البغدادي ومن شابههم على إطلاقها بمثل هذا التعميم والشمولية، والتي قادت سورية (والعراق واليمن) نحو حروب دينية طائفية طويلة الأمد.
تترافق هذه التصريحات مع حشد إيران لعشرات الآلاف من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني، ومثلهم من مقاتلي الميليشيات الطائفية العراقية واللبنانية، في شمال سورية ووسطها، مقاتلون توّاقون لتلطيخ بذّاتهم العسكرية بدماء الأطفال السوريين، فيما يُحاصر عشرات الآلاف من مريدي إيران مدناً عراقية بهدف إبادتها و"جعل عاليها سافلها قربة لله" كما يقولون.
يحرق الإيرانيون الرقة وحلب وريف دمشق الغربي والشمالي، ويحرقون القنيطرة وإدلب، وحمص والقلمون وغيرها الكثير، ويقتلون يمنة ويسرة دون أن يرفّ لهم طرف، فالسوريون إرهابيون مخرّبون كفرة، يستحقون القتل وفق عقيدتهم، بل إن قتلهم جهاد مُقدّس، ما أدى تلقائياً لتأجيج الإسلام المتطرّف وتمدده على حساب الإسلام المعتدل.
يكتب الجنود الإيرانيون ومقاتلو المليشيات العراقية واللبنانية التابعة لهم عبارات طائفية على الصواريخ التي يُرسلونها لقتل الأطفال السوريين، في شحن طائفي لا يهدف لربح المعركة بقدر ما يهدف لزرع الفتنة والتنفيس عن الحقد والكراهية.
لا يخجل الإيرانيون بأن يقولوا إنهم يثأرون لأحداث دينية تعود لأكثر من 1300 سنة خلت، ولا تخجل رجالاتهم أن تقول إن الصراع في سورية هو "صراع بين الحسين ويزيد"، وإن هذا الصراع سيبقى قائماً حتى يقضوا على أحفاد أحفاد أحفاد الأخير.
قبل أكثر من عقدين بدأ النفوذ الإيراني في سورية يأخذ طابعاً مُقلقاً، فالتصنيف الغربي لنظام حافظ الأسد بأنه داعم للإرهاب دفعه لإقامة تحالف استراتيجي مع إيران، تحالف عضوي لم يرغب به غالبية السوريين، لأنه وصل إلى درجة سمح فيها الأسد الأب لإيران بالمشاركة في رسم سياسات سورية الداخلية والخارجية، كما سمح لها باللعب بالتركيبة الطائفية للشعب السوري.
مع استلام الأسد الابن السلطة بالوراثة وانتهاجه سياسية داخلية أسوأ من سياسة أبيه وسياسة خارجية عبثية، وتشديد الغرب العقوبات على نظامه بعد اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وسوء علاقة الرئيس عديم الخبرة بالزعماء العرب والغربيين، كل ذلك دفعه لتسليم مصيره بالمطلق لإيران، وفتح لها أبواب سورية على مصراعيها مقابل أن تضمن له البقاء بالسلطة.
وثّقت المعارضة السورية وجود 35 ميليشيا شيعية طائفية تقاتل مع النظام السوري بإدارة إيرانية مباشرة، فضلاً عن الآلاف من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني، جندتهم إيران للدفاع عن مشروعها الفارسي في مواجهة ثورة عربية، ومشروعها الشيعي في مواجهة ثورة وصفتها إيران (والنظام وروسيا) بأنها سنّية، رغم أنها ثورة شعب واحد (كما شددت تظاهراته)، وزاوج قادة إيران الحالة القومية الفارسية بالحالة المذهبية الشيعية، وكل ذلك على أمل أن تصبح بلدهم قوة إقليمية رئيسية يُحسب لها حساب.
يعتقد الإيرانيون أنهم هم وحدهم الإسلام، ويتقمص داعميهم ومؤيدوهم في سورية وغيرها هذا الفكر، ليصبح كل من يقف بوجه إيران أو ينتقدها كافر يجب قتاله وإبادته، وكل من يؤيد سياساتها ويؤمن بولاية الفقيه هو مؤمن صالح طريقه مفتوح نحو الجنة.
بهذا المعنى، تحتكر إيران الدين، وتعتقد أنها وحدها من يمتلك النص وروحه والحقيقة المطلقة، ولذلك تقوم بتُوزّع فتاوى التكفير والتطهير على هواها، وصدّق آيات (الله) أنهم مندوبيون عنه، ونصّبوا أنفسهم مقررين عنه وباسمه، ووقّعوا حربهم بإمضائه، بينما في الحقيقة أن لا علاقة لحربهم بالدين، بل هدفها وأد الهوية الوطنية والقومية، ووأد أي هوية مختلفة سواء طائفياً أم إثنياً.
يمكن ـ تجاوزاً ـ فهم الحوامل الفارسية لسياسات إيران في المنطقة، وكذلك الأهداف القومية لحروبها، ويمكن فهم طموحاتها وأحلامها السياسية والعسكرية، ورغبتها بأن تكون صاحبة الكلمة المسموعة في الشرق العربي، بل وحتى أبعد من ذلك، يمكن فهم استخدامها للإسلام السياسي لتحقيق مآربها في العالم العربي، لكن ما لا يمكن تبريره أو غض النظر عنه استخدام آيات الله إيديولوجية طائفية حربية تدميرية شاملة لتحقيق هذه الأهداف، لكن ما لا ينتبه إليه الإيرانيون، هو أن هذه السموم الطائفية التي تكفي وحدها لتُدمير المنطقة، سُتدمّرهم في مرحلة لاحقة لاعتبارات تتعلق ببنية بلدهم العرقية والمذهبية الهشة جداً.
أورينت نت
سعد محيو
برهان غليون
زياد الشامي
الاتحاد برس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة