..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الغلو وآثاره السياسية على الثورة السورية

محمد العبدة

٨ مايو ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6945

الغلو وآثاره السياسية على الثورة السورية
العبدة0909.jpg

شـــــارك المادة

الغلو ظاهرة دينية – سياسية ظهرت مبكراً في تاريخنا، وأسبابها كثيرة:

منها الجهل بمقاصد الشريعة وعدم فهم النصوص مقارنة بأمثالها، ومنها هوى النفوس الطامحة للظهور والرياسة، لأن التشدد يظهر الطامح وكأنه هو المتمسك دون سائر الناس بعرى الدين .

ولخطورة هذه الظاهرة يجب أن نستصحب دائماً تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل هذا الغلو بل والتشديد عليهم بشكل ملفت للنظر، ذلك لأن سلوكهم يؤدي لتشويه صورة الإسلام أمام الآخرين عدا عما هو أخطر من ذلك وهو تكفير المسلمين.

إن عودة هذه الظاهرة في العصر الحديث لم يلفت نظر أهل العلم كثيرا حتى تتم محاصرتها ومقاومتها مبكراً قبل أن تستفحل وتنتشر بين صفوف الجهلة من الشباب الذين يعيشون حياة مأزومة، حياة الاستبداد والظلم من الأنظمة الديكتاتورية.

ولم تستشعر المؤسسات الدعوية خطورة هذه الظاهرة وتنشر الرأي الصحيح والفكر السديد في المشكلات المعاصرة لتقطع الطريق على الغلاة ومذاهبهم، ولم تراجع هذه المؤسسات التاريخ ليعلموا كيف كان (الخوارج) في العصور الإسلامية الأولى ثمرة سامة داخل الجسم الإسلامي وشوكة في خاصرة الدولتين الأموية والعباسية، ولم يتم دراسة ما حصل في الجزائر بعد الانقلاب على الانتخابات عام 1991 وكيف فعلت الفصائل المتطرفة بمن يريد الإصلاح والعودة إلى الانتخابات.

خرج هؤلاء الغلاة في فترة مضطربة ولا تملك الأمة زمام أمرها لتقف في وجه هذا التخريب والهدم الذي يمارسه هؤلاء، وتحول هذا الغلو من بذرة تدمر الداخل إلى بذرة لاستجلاب الخارج أيضاً، وقد أدمن هؤلاء الغلاة القتل وشحنوا أتباعهم بخيالات وأوهام حول مستقبل لايعرفون الوصول إليه، وكان لهذا الأمر تبعات على الساحة الداخلية السورية وعلى الساحتين الإقليمية والدولية.

1- الساحة الداخلية:
ونعني تأثير أهل الغلو على التركيبة الداخلية للثورة وعلى كل الحركات والفصائل التي تحاول فك أسر الوطن من الديكتاتورية والفساد. في البداية نجحت الثورة في إرباك النظام السوري وإظهاره بموقف الرافض لمطالب الجماهير في الحرية والعدالة، وأصر النظام على رفع شعاراته المستهلكة المكررة وهي أن الثورة تستهدف نظام الممانعة والصمود وهي شعارات يعلم أكثر الناس أنها دجل وكذب، ثم سرعان ما تحول إلى شعار آخر وهو أنه يقاتل التطرف والإرهاب، وهو يعني كل المتدينين الذين خرجوا في المظاهرات من المساجد، وهذا أيضاً من الدجل لأن الكل يعلم أن هؤلاء المتظاهرين ليسوا إرهابيين ولكن بظهور أهل الغلو على أرض الواقع براياتهم وعمائمهم وجد النظام فرصته واستغل وجود هؤلاء أسوأ استغلال، ووظف ما سماه محاربة الإرهاب لتأليب الأقليات وإشعارهم أنهم في خطر من هذه الثورة، مما جعل غالب هذه الأقليات تصطف معه أو يقف بعضهم على الحياد، ويبقى أن الأثر الأخطر هو ما حصل من إضعاف الجبهة الداخلية للمقاومة والمعارضة، وتحول الغلو إلى سلاح لضرب التجمعات المعتدلة التي تقاتل النظام لاسترجاع سورية الحرية والكرامة، مما اضطرت معه هذه التجمعات لقتال هذه الفئة المتطرفة وهذا تفتيت للجبهة الداخلية وإظهارها أمام الشعب السوري والشعوب العربية وكأن المقاومة في سورية يتقاتل بعضهم مع بعض، وهذا تشويه لوجه الثورة.
إن دخول الغلاة على خط المقاومة أعطى مبرراً لبعض المترددين أن يتخوفوا من هذه الثورة، وربما أدى بهم الحال إلى الانحياز مع النظام، والخطر الآخر الذي يمثله هؤلاء الغلاة هو بعد رحيل هذا النظام لأن المتطرف يبحث دائماً عن مواقف متطرفة ليثبت شخصيته.

2- الساحة الإقليمية:
إن ظاهرة الغلو وكأنها جاءت وصفة سحرية للأنظمة القمعية التي لاتريد الاستجابة لصوت الناس ولا لصوت العدالة، وقد هالها واقعة الربيع العربي وباتت في حيرة من أمرها، فوجدت في ظاهرة الغلو مناسبة لتعديل مسار الربيع العربي، وسارعت إلى استخدام هذه الظاهرة لتدعيم استمرارها.

أصبحت المصطلحات وتعريفها مشاعاً لكل من هب ودب حسب أهواء كل فريق، ليس هناك رؤية موحدة كي تتضح الأمور وتعرف المقاومة الحقيقية بعيداً عن العنف العبثي، واختلطت المصالح السياسية مع ظاهرة الغلو فلم يعد الغلو محصوراً في جهة واحدة محددة، وهو خلط شنيع والتباس ليس في صالح أمن المنطقة ولا في صالح الدعوة الإسلامية، فهذا هو الذي فتح الباب لتدخل دول مثل ايران التي تدعي وتتاجر بأنها تحارب الإرهاب.

وفي التحالف الذي شكلته أمريكا لمحاربة الإرهاب أصبحت ايران معتدلة، وهكذا غطت على التطرف (الشيعي) بمنظماته المتعددة، وقد أدى هذا اللبس في عدم التفريق مابين المقاومة الحقيقية وأهل الغلو إلى أن المتهم دائماً هم أهل السنة، ويكتب وزير خارجية ايران (جواد ظريف) في مجلة (فورين أفيرز) أن من أهداف بلاده محاربة الإرهاب، فهو يحاول أن يجعل من الغلو ورقة سياسية للمساومة مع القوى الدولية.

لا شك أن الغلو مرفوض من جميع النواحي، ولكن محاربة الإرهاب (إذا قبلت الدول تعريفه بشكل حيادي) لا تكفي فيه القوة وحدها، بل لا بد من الحوار وقوة البيان لإقناع المغرر بهم، ولا بد من تفهم هذه الظاهرة ولماذا نشأت وكيف نشأت، ولا يكون هذا المصطلح وسيلة لخدمة من يريد ضد من يريد.

3- الساحة الدولية:
كان من آثار دخول الغلو على مسار الثورة السورية أن ظهرت الثورة بمظهر فرض رؤى معينة، وكأن الثورة بهذا الفعل حرمت من التضامن الدولي، وهو ضروري في الظروف المعاصرة، وإذا كان الغرب يناهض تمكن الإسلام على كل الأحوال ولكن الغلو أعطاه ذريعة لمحاربة الإسلام نفسه وليس محاربة الغلو فقط، قد يقال إن الغرب يحتج بذريعة محاربة الإرهاب ليترك الساحة للنظام يفعل ما يشاء بالشعب السوري، نعم هو كذلك ولكن أهل الغلو يقولون صراحة أن هدفهم محاربة الغرب، والذي يقاوم لتحرير بلده لا يقول مثل هذا الكلام، كما أن الغلو حرم الثورة من العون العسكري بحجة أن إعطاء المعارضة سلاحاً فتاكاً من شأنه أن يصل إلى هؤلاء الغلاة، وإذا كان الغرب غير صادق وهو كذلك ولكن يجب على الثورة ألا تسمح لسياق مخالف لسياقها أن يفرض عليها توجهات تعرقل نجاحها، والأصل أن تكون الثورة في موقع الفارض للرؤى والتوجه وليس لردات الفعل.

كيف يطلب الغرب التعاون مع روسيا والصين لمحاربة الإرهاب وهو الذي أدان إرهاب روسيا في اوكرانيا وغيرها، ولم يحدد الغرب ولا روسيا ما هو الإرهاب، ولا تفسير لهذا إلا أنهم يطبقون معاييرهم الخاصة وأن عندهم نية مبيتة لمحاربة الإسلام ووجدوا في الغلو التبرير المناسب، ولكن مقصدهم ألا يستعيد المسلمون في سورية حريتهم وكرامتهم، ولا أن تستعيد المنطقة عافيتها وتستقر أمورها على حال تساعد على نهضة شعوب هذه المنطقة، وإذا كان الغرب يحارب الإرهاب ظاهرياً وإعلامياً فقد وقع في غلو أكبر حين تحالف مع روسيا التي تقتل الشعب السوري المدنيين وغير المدنيين، فهل هذه هي  الإنسانية التي يرفع شعارها الغرب أم هي الكراهية للإسلام وأهله؟

وإذا كان الغلو مرفوض من قبل العلماء ومن قبل الفصائل المعتدلة ومن قبل الشعب السوري بمجمله ولكن هذا لا يعني التنازل عن هوية هذا الشعب وقيمه وعقيدته، وهو ماض في ثورته بإذن الله وهو الذي سيبعد الغلو عن أرضه وعن ثقافته، ولن يؤثر كل هذا الضجيج ويثنيه عن عزيمته، وأما الغرب وأمريكا خاصة الذين أزعجوا الدنيا بقصة الإرهاب فإنهم لم يكونوا على المستوى الأخلاقي في معالجة المشاكل الكبرى في العالم.

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع