..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل آن الأوان لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا؟

وسام الدين العكلة

١٨ مايو ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2981

هل آن الأوان لإقامة المنطقة الآمنة شمال سوريا؟
الآمنة00.jpg

شـــــارك المادة

لم يعد من ضرب الخيال الحديث عن إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، فهناك العديد المؤشرات والمعطيات الجديدة التي باتت تبدو منطقية أكثر من أي وقت مضى للسير باتجاه إقامة منطقة آمنة تمتد من منطقتي “أعزاز ومارع” غربًا إلى “منبج  وجرابلس” شرقًا تحظى بتوافق دولي وعدم اعتراض روسي – على الأقل في المرحلة الراهنة –  لتطهير الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا من وجود أي تنظيمات متطرفة على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية الذي استهدف مدينة كلس التركية الحدودية بأكثر من ٥٠ صاروخًا منذ بداية العام الجاري.

ولا يمكن التأكيد فيما إذا كان الهدف الأساسي من وراء إطلاق هذه الصواريخ هو جر تركيا للتدخل العسكري والتورط في مواجهة مباشرة في المستنقع السوري. لكن هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده بشكل نهائي، ويبدو أن المسؤولين الأتراك يدركون خطورة هذا التدخل بشكل منفرد وغير مدروس وبعيداً عن التنسيق مع الحلفاء الدوليين أو على الأرض.

من هذه المؤشرات ما أعلنه قبل أيام “أنتوني بلينكن” مساعد وزير الخارجية الأميركي الذي صرح بأنه تم الاتفاق بين واشنطن وأنقرة على تطهير الشريط الحدودي الممتد من “مارع” إلى “منبج” أي بعمق نحو 35 كيلومترًا داخل الأراضي السورية من أي وجود لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وهو ما دعمه إعلان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، عن استعداد بلاده لتطهير الجانب السوري من الحدود من أي وجود لهذا التنظيم، خاصة مع تكرار تعرض المدن الحدودية التركية إلى هجمات صاروخية انطلاقًا من المناطق التي يسيطر عليها. وتأكيده على بدء إجراء التحضيرات اللازمة لهذه العملية، مشيرًا إلى احتمال اتخاذ تركيا للإجراءات اللازمة لحماية حدودها بشكل منفرد إن لزم الأمر، وربما تأتي العملية الخاطفة التي قامت بها فرقة من القوات الخاصة التركية في الثامن من الشهر الجاري في سياق هذه التحضيرات، حيث توغلت القوات التركية داخل الأراضي السورية لعدة ساعات لأغراض استكشافية من أجل رصد مواقع منصات إطلاق الصواريخ التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية عقب زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان التركية إلى ولاية “كلس”.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية شعرت بالخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقعته فيه بسبب تجاهلها للاقتراحات والمطالبات التركية بإقامة هذه المنطقة، وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الأسبق ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية لعقود “جيمس بيكر”  واعترافه بالخطأ الذي ارتكبته الإدارة الأمريكية بسبب عدم تجاوبها مع الخطط التركية لإقامة هذه المنطقة في وقت كانت الظروف مهيأة بشكل كبير لتطبيقها.

وأضاف “بيكر” خلال جلسة استماع في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي الخميس الفائت “إنه لمن المؤسف أننا لم ندعم ما كان يطالب به الأتراك، أي إنشاء منطقة حظر طيران على طول حدود سوريا الشمالية”. وأنه  كان ينبغي على الولايات المتحدة التفاوض على صفقة مع حلفائها في المنطقة تقوم هي بموجبها بتوفير الغطاء الجوي والمعلومات الاستخبارية واللوجستية، في حين ترسل تركيا والكويت والسعودية والإمارات قوات برية. مضيفًا أن المنطقة لم تكن لتشهد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية لو أن صفقة مثل هذه أُبرمت. مشددًا على أن الوقت “ربما لم يفت بعد ، وربما نستطيع إقامة تحالف من هذا القبيل، لكنني أعتقد أنه كان يتحتم علينا فعل ذلك من قبل”. واصفًا عدم موافقة إدارة الرئيس “باراك أوباما” على الاقتراح التركي بإنشاء منطقة حظر للطيران في شمال سوريا، بأنه “قرار سيء جدًّا”.

الأهم من كل ذلك ما تسرب من داخل اجتماعات الفصائل العسكرية السورية في أنقرة مع مسؤولين أمنيين من تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وما نتج عن هذه الاجتماعات التي عقدت عدة مرات خلال الشهرين الماضيين من التقاء وجهات النظر لتشكيل “جيش الشمال” من الفصائل الفاعلة في المنطقة الشمالية الذي ستناط به مهمة تطهير المناطق المذكورة بإسناد جوي ومدفعي ودعم استخباراتي من قبل القوات الأمريكية والجيش التركي ولكن على نحو أكثر فعالية مما سبق ومن عدة محاور.

ويعزز هذه المعطيات وصول وحدات من القوات الخاصة السعودية والقطرية (برية وبحرية) للمشاركة في التدريبات العسكرية والمناورات البحرية المعروفة بتدريبات (Efes) التي ستقام في مدينة “إزمير” شمال غرب تركيا وتمتد حتى نهاية الشهر الجاري بمشاركة نحو 11دولة على رأسها الولايات المتحدة وتركيا وألمانيا وأذربيجان. وذلك بالتزامن مع مناورات “الأسد المتأهب” الأمريكية – الأردنية التي بدأت في الأردن وتستمر حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري. والهدف المعلن لهذه المناورات هو الاستعداد لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وإبراز القدرات ورفع الكفاءة العالية، وتعزيز التعاون وتوثيق التفاهم العسكري، وتنفيذ المهام المختلطة في بيئة باتت تعج بالجيوش الأجنبية خاصة في سوريا والعراق.

والجدير بالذكر أن الحكومة التركية تقدمت منذ أيلول/ سبتمبر 2012، باقتراح يتضمن إقامة “منطقة آمنة” شمال سوريا تحت حماية الأمم المتحدة، لإيواء اللاجئين السوريين الفارين من جحيم العمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام على عموم مناطق البلاد، إلا أن هذا الاقتراح قوبل برفض من قبل الولايات المتحدة متذرعة بأنه يحتاج لقرار من مجلس الأمن وهو ما يصعب تحقيقه بسبب الفيتو الروسي، إضافة إلى المعوقات العملية لإقامة هذه المنطقة.

لكن التطورات الأمنية التي شهدتها تركيا خلال الأشهر الأخيرة دفعت الكثير لمطالبة الحكومة التركية بالتدخل العسكري بشكل منفرد أو بمشاركة قوى إقليمية على رأسها المملكة العربية السعودية، خاصة بعد تعرض الأمن القومي التركي لتهديدات حقيقية وانتقال الأعمال الإرهابية إلى داخل أراضيها، وللإسهام في وقف مأساة الآلاف من اللاجئين والمدنيين السوريين الذين يتعرضون للقصف بشتى أنواع الأسلحة من قبل قوات النظام السوري وحلفائه. فما هي وجهة النظر القانونية لهذا التدخل في حال حصوله من وجهة نظر القانون الدولي؟؟

تنص المادة الثانية (الفقرة 4) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه (يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”…

إلا أن هذه المادة لا تنتقص من حق الدولة المعتدى عليها بالدفاع عن النفس تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وهذا الحق تمنحه المادة (51) من الميثاق والتي تنص على أنه (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي)، وطالما أن مجلس الأمن يعتبر معطل حاليًا بسبب الفيتو الروسي فهذا الحق يبقى قائماً للدولة التي يتعرض أمنها لاعتداء حقيقي أو وشيك الوقوع (أي الدولة التركية) وكل ما يترتب عليها في هذا المقام هو إبلاغ مجلس الأمن بالتدابير التي اتخذتها استعمالًا حق الدفاع عن النفس.

كما يمكن للحكومة التركية الاستناد إلى اتفاقية “أضنة” الأمنية لعام 1998 بين الحكومة التركية والنظام السوري والتي منحت الجيش التركي الحق في التوغل داخل الأراضي السورية لمكافحة الإرهاب الذي كان يستهدف الأمن القومي التركي حينذاك، والمتمثل بنشاط عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي كان ينشط بقوة على الأراضي السورية.

أخيرًا، ندرك أن هناك صعوبات كبيرة قد تعوق إقامة المنطقة الآمنة وعلى رأسها الوجود الروسي المباشر في سوريا في ظل الخلافات الحادة بين موسكو وأنقرة، وحاجة تركيا إلى غطاء قانوني يبرر هذا التدخل، والتخوف من التداعيات المستقبلية له خاصة وأن دخول الحرب يبدأ بقرار صعب لكن بالتأكيد الخروج منها سيكون أصعب. هذا إلى جانب تواجد ودور القوات الكردية في هذه المنطقة أو اقترابها منها وهي القوات التي تحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة إلى جانب روسيا، ومن هي الفصائل التي ستتولى إدارة وحماية هذه المنطقة وغيرها من التحديات الأخرى. لكن هناك معادلة صعبة لا بد أن يدركها المسؤولون الأتراك وهي أن استمرار المعاناة السورية وتهجير من تبقى في سوريا سيزيد من الضغوط على الحكومة التركية على كافة المستويات، وكل منطقة أو موقع يخسره الثوار والجيش الحر لصالح قوات الأسد والميليشيات الأجنبية التي تقاتل إلى جانبه في شمال سوريا إنما تخسره تركيا، وكلما انحسرت المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الحر في شمال سوريا كلما تقلصت دائرة الأمن القومي التركي واقترب الخطر منها .كما يجب أن يدرك القادة الأتراك أن الحرب في سوريا هي حربهم وكلما تأخروا في خوضها هناك إنما سيخوضونها على أراضيهم وفي عقر دارهم. فماذا تنتظرون؟ روسيا وإيران جاءتا من آلاف الكيلومترات ليحفظا مصالحهما في سوريا، وأنتم على بعد مرمى حجر؟ سؤال يطرح نفسه بقوة!

 

 

ترك برس

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع