أحمد أبو دقة
تصدير المادة
المشاهدات : 3123
شـــــارك المادة
جوهر الصراع الدائر في سوريا بين أقلية علوية أورثها المستعمر الفرنسي حكم البلاد وبين أغلبية سنية قضت عقود تحت طائلة القمع والتهميش والرق السياسي، ومنذ أن انطلقت الثورة السورية ضد الأقلية المتسلطة بدأنا نلحظ تدخلا عجيباً من القوى الغربية سواء على صعيد الدعم المباشر الذي قدمته روسيا لحلفائها في طهران ودمشق أو على صعيد الإدارة الأمريكية الأوروبية للصراع.
بتاريخ 18 ديسمبر/2015 تبنى مجلس الأمن مشروع قرار رقم 2254 يتعلق بالبدء في محادثات سلام بين الأطراف السورية في يناير الماضي، وأكد القرار الذي قدمته الولايات المتحدة على أن يتم تشكيل حكومة انتقالية تشرف على تنظيم انتخابات برعاية الأمم المتحدة مع قيام الأطراف المعنية باتخاذ خطوات لتهدئة المعارك في الميدان.
في 22 فبراير الماضي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه ونظيره الأمريكي باراك أوباما اتفقا على بيان مشترك لوقف إطلاق النار في سوريا، ابتداء من السبت الموافق 27 فبراير. استثنى القرار الذي اتفقت عليه القوى الكبرى تنظيم "داعش" وجبهة " النصرة" باعتبارها تنظيمات إرهابية.
في 22 أبريل بدأ الطيران الروسي والسوري بشن غارات مكثفة على مدينة حلب أوقعت أكثر من 250 قتيلا من المدنيين، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان.
كانت الرعاية الأمريكية للمفاوضات في جنيف تدعم إشراك شخصيات من حكومة النظام السوري في الحكومة الانتقالية المستقبلية، بالإضافة إلى كون الروس يرفضون إبعاد الرئيس السوري بشار الأسد عن سوريا الجديدة.. في الوقت نفسه كانت تركيا وبالتحالف مع المملكة العربية السعودية تراهنان على الجهود العسكرية على الأرض والتي وإن كانت ضعيفة تضمن لهما أن يبقى ممثلي الفصائل السورية في جنيف متمسكين بشروطهم التي تقضي بإقصاء نظام بشار الأسد وهذا يعني فشل مخططات واشنطن في دعم إقامة دولة للأكراد على حساب سوريا الجديدة، وكذلك ضمان إنهاء أي وجود للإيرانيين في سوريا.
على الأرض استعان النظام السوري بالأكراد وخصوصاً حزب الاتحاد الديمقراطي لدعم تقدمه في حلب والمناطق المحيطة بها، فمقابل حماية الجيش السوري لحي الشيخ مقصود الكردي في حلب من الاعتداءات كان المقاتلين الأكراد يوفرون الحماية للشيعة في (نبل-الزهراء)، وأضحى التعاون بين الطرفين كبير جدا حيث ينفذ الجيش السوري بالتعاون مع الأكراد هجمات متواصلة ضد الفصائل السورية المسيطرة على ممر أعزاز، الذي يعتبر أخر الممرات التي تستخدمها الفصائل للوصول إلى الأراضي التركية. ويحيط بالممر من الشرق تنظيم "داعش"، ومن الغرب "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي"، ومن الجنوب الجيش السوري وحلفائه.
يقول الباحث الأمريكي فابريس بالونش، إن الحرب التي أعلنتها روسيا على حلب مؤخرا، تمثل رسالة واضحة لأنقرة التي تعتبر الطرف الوحيد الذي يدعم المقاتلين الثوار في حلب والذين يمثلون أملها الوحيد في إبعاد الأكراد عن المنطقة الحدودية في محيط "منبج"، وتريد موسكو من زيادة وثيرة القتل عدة غايات أبرزها أنها سترسل إلى الحدود التركية مئات الآلاف من اللاجئين الجدد في حال لم تتوقف أنقرة عن دعم الفصائل المقاتلة وأغلقت الحدود في وجهها، والأمر الأخير دفع ممثلي الفصائل في الهيئة العليا للمفاوضات إلى تقديم تنازلات والقبول بالأسد كشريك في الحكم من خلال إضعاف ورقتهم الأخيرة وهي المقاتلين على الأرض.
نجحت واشنطن على المدة القصير من استثناء "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" من اتفاق وقف إطلاق النار، في زيادة الإنقسامات داخل صفوف المقاتلين على الأرض، ولا يستبعد أن يؤدي أي إتفاق سياسي مستقبلي بين الفصائل التي تشارك في المفاوضات والنظام السوري إلى إندلاع معارك شرسة بين ممثلي تلك الفصائل على الأرض مثل "جيش الفتح" وبين التنظيمات المحسوبة على "القاعدة" مثل "جبهة النصرة" و"أحرار الشام"..
تبقى معركة حلب خياراً أخيراً بالنسبة لتركيا التي أرادت منذ بداية الثورة السورية فرض منطقة آمنة على طول حدودها مع سوريا خوفاً من تقدم المليشيات الكردية لتلك المنطقة التي تعتبر جزء من الدولة الكردية المستقبلية، ففي معلومة نشرتها صحيفة "يني شفق" التركية في يونيو/2015 أكدت أن الجيش التركي يحضّر المخططات المتعلقة بإقامة منطقة حدودية آمنة شمالي سوريا بعمق 35 كم وطول 110كم.
في معلومة نشرها معهد واشنطن في تقرير بعنوان" معركة حلب: مركز رقعة الشطرنج السورية"، ذكر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب من نظيره التركي رجب طيب أردوغان عدم معارضة الجهود الأمريكية-الكردية للسيطرة على منبج خلال اجتماعهما الذي عقد في 31 مارس في واشنطن.
لكن الرئيس التركي الذي لا يأمن الجانب الأمريكي رفض ذلك الطلب وشدد على أن تقوم العشائر العربية بطرد تنظيم "داعش" من تلك المنطقة وليس الأكراد كما يريد أوباما، وتتخوف تركيا أن يمثل ذلك خطوة أخرى نحو إنشاء دولة كردية في شمال سوريا.
تكشف الأحداث أن اللاعبين الكبار وهم روسيا والولايات المتحدة ليس لديهم مانع من إطالة أمد سيطرة تنظيم "داعش" على المساحات الكبيرة من الأرض، فبالنسبة لأمريكا وروسيا يسيطر التنظيم على جزء كبير من الحدود السورية مع تركيا ويقلص قدرات الدعم التركي للفصائل السورية، ويخفف من تأثير التدخل التركي في المعارك.
وبالنسبة للنظام السوري والروس فإن التنظيم يمثل غطاء جيد للتخفيف من النقد الدولي للهجمات التي تستهدف المدنيين في حلب وغيرها من المناطق، ويعطي الحكومات الغربية سبباً آخر لعدم إجبار الأسد على ترك السلطة.
أما بالنسبة للأكراد فإن الحرب على "داعش" أكبر أسباب الوحدة لديهم كما أنها تسهم بشكل كبير في إضعاف خصمهم وهو تركيا، بالإضافة إلى إجبار الأسد على التحالف معهم. كما أن تنظيم "داعش" ساهم ويساهم بشكل كبير في حصار حلب وتقليص قدرات الفصائل المعارضة للنظام السوري على المناورة.
إن معركة "حلب" هي معركة حاسمة بالنسبة لجميع الأطراف ونتائجها ستنعكس بشكل كبير على نتائج المفاوضات السياسية، وكذلك على مستقبل الدولة السورية، فإضعاف المقاتلين المعارضين للأسد يعني المزيد من التنازلات على طاولات المفاوضات وفقدان المعارضة لأبرز أوراق اللعبة، كذلك بالنسبة لتركيا التي استهدفت بالإرهاب الكردي عدة مرات في الفترة الأخيرة وبالمزيد من القلاقل الأمنية بالإضافة إلى إزالة صواريخ باتريوت الأمريكية من على أراضيها بالتزامن مع تصاعد أزمتها مع روسيا، فإن الفصائل المسلحة هي أملها الكبير في منع إقامة الدولة الكردية، لذلك لا يستبعد أن تخوض تركيا غمار مغامرة عسكرية في حال تمكن النظام السوري من السيطرة على ممر أعزاز ومحاصرة الفصائل المتواجدة في حلب، دفاعاً عن سيادتها ومستقبلها..
مجلة البيان
زهير سالم
حسان القطب
فيصل القاسم
عمر قدور
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة