..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كن غبياً وصدق مفاوضات جنيف

فواز تللو

١٨ إبريل ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2781

كن غبياً وصدق مفاوضات جنيف
تللو-0-.jpg

شـــــارك المادة

صحيفة “الشرق الأوسط” تنقل عن مصادر غربية وجود مباحثات أمريكية – روسية بعيداً عن معظم أعضاء “مجموعة دعم سوريا” (بشكل أساسي بعيداً عن الفرنسيين والسعوديين والأتراك والقطريين)، مباحثات لوضع خطة سلام في سوريا قبل الصيف الحالي تتيح لرئيس النظام البقاء في السلطة خلال المرحلة الانتقالية ولعب دور رئيسي فيها، مع استصدار قرار ملزم من مجلس الأمن بالخطة لفرضها مما يعني خروج من يعارضها عن “الشرعية الدولية” مع ما يتيح ذلك من إمكانية ضربه.

ديميستورا والروس والأمريكيون يتحدثون عن دستور جديد وانتخابات وحكومة تدير المرحلة الانتقالية وكأننا في بلد ديموقراطي يواجه أزمة حكومية بلا دماء، متجنبين أي حديث عن تنحي رأس النظام على الأقل مع إصرارهم على بقاء الأجهزة الأمنية والعسكرية “الطائفية” وإدماج بعض فصائل المعارضة فيها من التي تقبل هذه العملية السياسية.

الأمريكيون يقولون منذ خمس سنوات أن لا مستقبل لرئيس النظام في سوريا بعد أن فقد شرعيته لكن ليس من المطلوب أن يرحل الآن ملمحين إلى ما بعد المرحلة الانتقالية مع ترك الأمر مفتوحاً زمنياً، ويلوحون للمعارضة بفرض تقسيم سوريا كمخرج في حال فشلت المفاوضات وفق المقاربة الحالية، بما يعنيه ذلك من استكمالٍ لتدمير الثورة والتهجير الطائفي والتغيير الديموغرافي وفرار القتلة من الجريمة وتضييع كل التضحيات.

الروس يطرحون إدارة سوريا بمجلس عسكري في حال فشلت المفاوضات في التوصل لحكومة وحدة وطنية بإدارة رئيس النظام، والبعض يروج ليكون ممثلاً للمعارضة في هذا المجلس بعد أن “أخذ مسافة” من النظام، كما يقول لاروس أنه وفي حال فشل هذه الحلول فإن تقسيم سوريا باسم الفيدرالية يمثل حلاً مناسباً لذلك يعملون عسكرياً مع الإيرانيين وخادمهم الأسدي على رسم “حدود الأمر الواقع” للتقسيم بتشجيع أمريكي.

مراسل “الحياة” في دمشق منذ ما يقرب العشرين عاماً مع “انتقاله” مؤخراً للعيش في الخارج، ينقل عن مصدر في هيئة التفاوض المعارضة في لهجة قبول تبريرية من قبل المصدر (كما أوحى كاتب المقال) أن ديميستورا ولحل معضلة مشاركة رئيس النظام في المرحلة الانتقالية عرض على المعارضة بقاء أسد في السلطة في الفترة الانتقالية مع تفويض بعض صلاحياته لثلاثة نواب تشترك فيهم المعارضة.

الناطق باسم هيئة التفاوض “سالم المسلط” ينفي أن يكون ديميستورا قد عرض ذلك مضفياً صفة الحياد على الوسيط الدولي بينما كبير المفاوضين “محمد علوش” يقول أن ديميستورا عرض ذلك لكن الوفد رفضه، ويقول أن أوان الازدواجية والتفاوض الموازي والسري من تحت الطاولة قد ولى ومن يفعل ذلك عليه أن يجد له مكاناً آخر، موحياً بأدوار يلعبها بعض أعضاء هيئة ووفد والتفاوض.

ديميستورا المصاب بعمى الألوان السياسي لا يرى “المجلس الوطني الكردي في وفد التفاوض” ممثلاً للكرد مع أن هذا المجلس يضم الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية الكردية التي عارضت النظام الأسدي لنصف قرن، لذلك يريد أن يتمثل الكرد “الغائبين” (حسب عينه العمياء) في وفود المعارضة وبشكل مستقل عنها بحزب الاتحاد الديموقراطي (النسخة والتابع السوري لحزب العمال الكردي الإرهابي تابع إيران والنظام الأسدي) علماً أن حزب الاتحاد الديموقراطي عمل كشبيح للنظام منذ تأسيسه ولا زال يعمل بإمرته بغض النظر عن التصريحات الشكلية والتسميات لزوم الإخراج المسرحي التي يصممها النظام الأسدي والإيراني والروسي والأمريكي معاً.

خلافاً لرفض هيئة ووفد التفاوض، فإن المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديموقراطي المتنافسين على تمثيل الكرد، يتفقان على مطلب الفيدرالية في المناطق التي يتواجد بها كرد أو لم يتواجدوا بها إن اقتضت ذلك الجغرافيا وجمال الخريطة والحاجة للموارد الطبيعية والدور الخدماتي الضاغط على الأتراك، لتبقى مشكلة المجلس الوطني الكردي الرئيسية مع الاتحاد الديموقراطي رغبته في الحصول على “حصة” في الكعكعة التقسيمية الموعودة والتي يريد الأخير التفرد بها باعتباره القوة العسكرية على الأرض بحكم تبعيته للمة المعلمين “الأسدية الإيرانية الروسية الأمريكية”.

ديميستورا وبدعم أمريكي روسي يستمر في محاولاته لتشكيل وفود معارضة إضافية موازية منافسة مع الاستعانة بـ “الصديق البريطاني” للضغط على المعارضة، ويستدعي عشرات الشخصيات إلى جنيف بصفة مستشارين طوال جولات التفاوض ويجتمع معهم علناً كمعارضين أثناء التفاوض لإضفاء الشرعية عليهم، ويطلق هؤلاء تصريحات صحفية من موقع من يجتمع مع ديميستورا ويفاوضه كمعارضة وليس كجهات استشارية.

ديميستورا يستقبل وفداً ينتقيه ويسميه “مؤسسات المجتمع المدني”، ويطرح تمثيل هذه المجموعة ضمن وفد موازٍ ومنافس لهيئة التفاوض ويشوش عليها تمثيلها وتفاوضها والتي وللمفارقة يتواجد أعضاء منها أو ممثلين عنهم في وفد “مؤسسات المجتمع المدني”.

ديميستورا يسمي ينتقي ويعين مجموعة لتمثيل نساء سوريا كمعارضة لتصبح “نساء ديميستورا” بديلاً عن كل “نساء هيئة التفاوض”، التي انتفض “بعضهن” منها ليس ضد هذا التمثيل الموازي المشوش بل دفاعاً عن أي انتقاد سياسي أو شخصي للتاريخ أو الدور السياسي أو ما صدر من بيان عن “نساء ديميستورا” يطالب برفع العقوبات عن النظام ويعتبر ضمناً رئيس النظام شريكاً، ويقدم نفسه كمنافس لوفد التفاوض التي تنتمي له تلك “المنتفضات” دفاعاً عن المرأة وكانها معركة “جندر”.

أيضاً انبرى البعض من “نساء هيئة التفاوض” لانتقاد فكرة دي ميستورا “النسائية” المسجلة باسمهن منذ محاولتهن الفاشلة لحضور مؤتمر جنيف 2 باسم نساء سوريا ليتم تجاهلهن اليوم من قبل ديميستورا في “فرصة عمل” قيادي جديد ضمن تشكيل ديميستورا النسائي المعارض المنافس الجديد، بعد أن كن قد فقدن “فرصة العمل” ضمن الهيئة العليا للتفاوض أو وفد التفاوض واكتفين بلقب استشاري في هيئة التفاوض.

المعارضة المنبثقة عن 110 عضو تم انتقاؤهم لحضور مؤتمر الرياض انتخبت 35 عضو كهيئة عليا للتفاوض الذين عينوا بدورهم خمسة أعضاء كوفد للتفاوض منهم أعضاء لا علاقة لهم بالهيئة، وكجائزة ترضية لكل من فاتته “الكعكعة” في أي مرحلة سابقة تمت تسمية كل المعترضين والطامحين من ذوي الأصوات العالية كهيئة استشارية لهيئة التفاوض والتي تركت الباب مفتوحاً لتوسيعها حسب الحاجة لتصل إلى خمسين عضواً وربما أكثر، لا يهم فالأرقام لا تعني شيئاً سياسياً بل مجرد زيادة فاتورة الإقامة والسفر و”الخير واجد”.

إلى جانب التمثيل الكردي المستقل الذي يرغبه ديميستورا، فهو “ما عبى عينه” خمسة أعضاء لوفد المعارضة التفاوضي مع أنه هو من حدد عددهم مقابل خمسة عشر لوفد النظام حدد عددهم ديميستورا والنظام معاً “لغاية في نفس يعقوب”، غاية تبين أنها رغبة ديميستورا بتعيين وفدين إضافيين “منافسين” للمعارضة يتمثل الأول بخمسة أعضاء يمثلون شخصيات مؤتمرات القاهرة القريبة من النظام وموسكو المؤيدة له ومجموعة قاعدة حميميم الممثلة لمخابرات النظام، وممثل عن نساء ديميستورا وآخر عن مؤسسات المجتمع المدني، مع العلم أن كثيراً من الشخصيات هي عضو في أكثر من مؤتمر مما ذكرت.

أما وفد المعارضة الثاني الذي يرغب دي ميستورا بتعيينه فيتمثل بخمس شخصيات “مستقلة” ينتقيها بتوصيات أمريكية روسية إيرانية أوروبية ممن مروا على “الغربال” خلال خمس سنوات يتوسم فيهم خيراً لمشروعه السلمي ومستعدون للقبول البراغماتي بالقليل والوقوف في وجه وفد التفاوض ومطالبه الإنسانية غير المعقولة فيما يتعلق بقضايا المعتقلين والحصار ووقف القصف، كما يدرك هؤلاء “المستقلون” فرصة السلام التي يعطيها ديميستورا للسوريين لوقف معاناتهم ووقف القتل والدمار بأي طريقة (مع تجهيل الفاعل كالعادة) مقابل قبولهم باستسلام كامل للثورة بعد تغليفه بورق “هدية” مكتوب عليه أن الثورة حققت أهدافها، وكمثال بسيط عن الكواليس السياسية لمحادثات جنيف نراه في طرح ديميستورا مقايضة رفع العقوبات عن النظام وأزلامه مقابل إطلاق “بعض” المعتقلين، في تطابقٌ تام مع أسلوب ومنهجية تفكير النظام اٍدي الطائفي في أهم ملف إنساني لا يجوز أن يقايض عليه عدو شريف فكيف بمن يسمي نفسه وسيطاً دولياً.

حركة أحرار الشام الإسلامية كبرى الفصائل المسلحة والحامل الرئيسي السياسي والعسكري الممكن لهذه القوى والتي انسحبت من مؤتمر الرياض منذ تأسيسه، تقرأ هذا المشهد السياسي وما تيسر الاطلاع عليه بشق الأنفس من كواليسه فتصدر بياناً يضع بعضاً من النقاط السابقة على الحروف متهماً وفد التفاوض المنقسم على نفسه وفريق مستشاريه ومشجعيه في جنيف بضياع البوصلة والرؤية والتخبط والتخلي عن أهداف الثورة وعدم الشفافية والعمل من تحت الطاولة، ليرفع أكبر فصيل عسكري مسلح الغطاء عمليا عن هيئة التفاوض وكل ما سبقها وما تلاها، وليرفع “ورقة التوت” عنهم في الادعاء بأنهم يمثلون الثورة سياسياً، كما ينزع الادعاء بتواجد فصائل الثورة المسلحة في الوفد حيث يمثل الفصيل الوحيد فيها أي جيش الإسلام ما لا يزيد عن 5-7% من القوى المسلحة على الأرض وتغيب باقي قوى الثورة العسكرية الفاعلة.

يمكن تشبيه هذه اللوحة السريالية الحمراء/السوداء التي يجري كتابتها ورسمها بدماء وتضحيات السوريين وعلى حساب أهداف ثورتهم، بدوري لألعاب أولمبية سياسية، يقفز فيها حكم الساحة ديميستورا باستمرار من دور الوسيط إلى دور مدرب فرق المعارضة “القاصرة” إلى دور مساعد مدرب فريق النظام الأسدي، ويراقب عمله حكما الخط الأمريكي والروسي اللذان بينما يمثل البريطاني التابع للأمريكي دور مستشار مدرب المعارضة وعين هيئة الحكام على المعارضة، وبينما يقف الإيراني قرب الملعب كمشجعٍ نظرياً لكنه يصدر التعليمات ويتدخل مباشرة في الملعب، يغض الحكام النظر عنه ويركزون رقابتهم الشديدة على مشجعي المعارضة لمنعهم من تقديم أي عون حقيقي لفريق المعارضة الأساسي الذي يتعرض للضرب في الملعب ولا يتنافس فقط مع فرق النظام بل مع فرق المعارضة الأخرى المتواطئة مع النظام ليحتل المركز الأول وتحصل على الفتات مقابل خسارة ساحقة لفريق وفد التفاوض، أما الهدنة فمجرد دفتر الإنذارات الأحمر والأصفر الذي يشهره الحكام حصراً في وجه الثورة كلما احتاج النظام الأسدي ذلك، وبينما يمتلئ الملعب بمشجعي النظام فإن قوى الثورة الحقيقية خارج الدوري بينما يشاهد المشجعون السوريون المؤيدون للثورة الذين دفعوا كل الثمن ولا زالوا، يشاهدون بعض لقطات “منتقاة” من هذه المباراة التي يجري نقلها عن بعد على أقنية سياسية وإعلامية مشفرة تديرها هيئة الحكام “الأمريكي الروسي” ورابطة المشجعين الإيرانيين في إطار فيفا “مجلس الأمن”، ليشاهد جمهور الثورة لقطات منتقاة هدفها تمرير رسالة يأس لهؤلاء السوريين ليقبلوا بأي شيء يعرضه عليهم ديميستورا ومن ورائه وغالباً لا شيء، مقابل تقديمهم كل شيء يملكوه من روح ومال وولد وعائلة ومستقبل وبلد بل كرامتهم وحريتهم ومكانتهم كإنسان، الآن ومستقبلاً.

باختصار، مفاوضات جنيف بكل نسخها ليست درب سلام كما يصورون بل لعبة استسلام للثورة السورية (إن استطاعوا)، لذلك أيها السوريون لا تعولوا على ما يجري هناك، بل شكلوا قيادة حقيقية للثورة تحمل رؤية واضحة للحل السياسي الغائب والحسم العسكري القائم، فبعيداً عن سوريالية جنيف ومقررات فيينا وكل العلاك السياسي والتصريحات التي تسمعونها، ووفق المعطيات الحقيقية والقراءة الواقعية السياسية والعسكرية فإن معركة الحسم العسكري قائمة ومستمرة ونصر الله قادم بإذن الله وإن تأخر، فعودوا إلى ثورتكم نصركم الله.

 

 

كلنا شركاء

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع