باسل العودات
تصدير المادة
المشاهدات : 5112
شـــــارك المادة
أثار قرار روسيا سحب جزء من قواتها العسكرية من سورية الكثير من الجدل والنقاش، خاصة بسبب سرعته ومباغتته وغرابته، وحاولت المعارضة السورية تفسير هذا القرار وتنوعت الآراء والتحليلات بتنوع مزاجيات وإيديولوجيات وثقافة هذه المعارضة، لكنها أجمعت بغالبيتها على وجود تحوّل في الموقف الروسي وبداية افتراق عن النظام السوري الذي دعمته بشكل مطلق وعرقلت كل قرارات مجلس الأمن من أجل عدم سقوطه.
استندت المعارضة السورية في تأويلها للانسحاب الروسي إلى فرضيات ليست من بينها أية فرضية حاسمة أو مُقنعة، حيث اعتبر البعض أن الخطوة الروسية هي رد على مشاكسة الأسد وعصيانه، واعتبر آخرون أن الانسحاب خطة لإضعاف موقف النظام السوري تفاوضياً في جنيف ودفعه للقبول بحل سياسي وسط، فيما رأى آخرون أن روسيا (هربت) من سورية خوفاً من الغرق في المستنقع السوري، أو خوفاً من عجز اقتصادي بسبب تكلفة الحرب الباهظة، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك في فرضياتهم إلى حد التأكيد على أن روسيا أعادت حساباتها بعد أن رأت صور مضادات جوية بيد الثوار.
سرعان ما تبيّن عدم صوابية كل هذه الفرضيات، وثبت تسرّع المعارضة السورية في إطلاق أحكامها وقراءاتها للأحداث (كعادتها)، إذ اتّضح أن روسيا لم تسحب إلا جزءاً من قواتها ولوّحت بالعودة خلال ساعات، وأكّدت أنها لا ترمي لإضعاف النظام السوري أو الضغط على النظام الذي يقول الواقع أنه لم ولن يقدر على عصيان من حماه طوال خمس سنوات، واتّضح أيضاً أن روسيا لا تسعى بأي شكل من الأشكال للضغط عليه لتقديم تنازلات في مفاوضات جنيف، كما لم يكن سبب الانسحاب الجزئي التكاليف الاقتصادية للحرب والتي لا توضع بالحسبان عند الحديث عن مكاسب استراتيجية لدول كبرى.
بعد أسبوعين من إعلان الانسحاب الروسي العسكري الجزئي تبيّن أن روسيا لم تُغيّر مواقفها السياسية والعسكرية واستمرت حليفة وفيّة للنظام السوري، فتابعت عملياتها الحربية بعدم الاكتراث نفسه، وواصلت تدريبها الحي فقصفت مقاتلين ومدنيين بحجة استهداف تنظيم الدولة الإسلامية، ولم تضغط على النظام لتخفيف تشدده في مفاوضات جنيف، بل إنها لم تفعل شيئاً لتأجيل انتخابات برلمانية عبثية يُنظمها النظام الشهر المقبل، ولم يصدر عنها ما يمكن أن يوحي بأنها ترغب بإنهاء الأزمة السورية بطريقة معقولة.
في معرض تحليلها وتفسيرها للخطوة الروسية، نسيت المعارضة السورية أن السياسة الروسية خلال العقدين الأخيرين مبنية على دعم “أسوأ السيئين” في العالم، وأنها لن تتخلى عن أصدقائها أصحاب الأنظمة الشمولية الطاغية، مُغتصبي الحريات، المهرة بانتهاك الحقوق ونهب الثروات، ولن تترك للشعوب فرصة لتقرير المصير بعيداً عن هؤلاء الحكام، وأن قادة روسيا ينتهجون سياسة (باطنية) تتناقض فيها الأقوال مع الأفعال، ويضمرون عكس ما يُعلنون لتسهيل الوصول لأهدافهم، ويبدو أن المعارضة السورية لم تجد من يُذكّرها بضرورة مضاعفة الحذر قبل إطلاق أي حكم على تصرفات (النظام) الروسي.
تجلّت (باطنية) أو (ازدواجية) أو (مخاتلة) روسيا خلال الأزمة السورية بمواقف عديدة، فمع بدء الثورة قدّمت روسيا نفسها على أنها وسيط حيادي بينما كانت في الكواليس تدعم النظام السوري سياسياً وعسكرياً، بالمال والسلاح والخبراء، وبعد افتضاح هذا الدعم ولإخفاء نواياها، حمّلت بعض مسؤولية قتل السوريين للنظام، لكنها سرعان ما بررت ذلك بأنه رد فعل طبيعي ومشروع للدفاع، وفي مرحلة لاحقة حلفت أغلظ الأيمان بأنها غير متمسكة بالأسد ولا تربطها به أي صلة خاصة، واتّضح أن علاقتها بالأسد الابن أكثر عمقاً من علاقتها بالأب، وأنها حاضنته وشريان حياته، كذلك حاولت اجتذاب المعارضة السورية بوعود براقة، وسرعان ما تبيّن أنها نصبت كمائن لمن تجاوب معها منهم، كما ادعت أنها تتدخل عسكرياً لتحارب (داعش)، وتبيّن أن أول همومها تدمير فصائل المعارضة التي تؤرق النظام و(داعش) آخرها، وقالت إنها فاوضت فصائل المعارضة المسلحة التي سرعان ما نفت وكذّبتها، وشددت مراراً على وحدة سورية أرضاً وشعباً، ثم تبيّن أنها أول من حرّض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لإعلان فيدراليته، كما مهّدت الطريق للنظام لإعلان دويلته فيما لو وُضِع في الزاوية.
هذا بعض من فيض السياسة الروسية المُخاتلة، والتي يراها زعماء روسيا حِرفيّة سياسية وليس مرضاً أخلاقياً، حرفيّة سياسة سهّلت على روسيا تثبيت تواجدها في المتوسط لأجل غير مُسمّى عبر قواعدها العسكرية في الساحل السوري، وهي بإعلان انسحابها إنما تواصل أسلوب اللعب نفسه لتحقيق أشياء أخرى ليس من بينها حرية الشعب السوري وكرامته.
يبدو أنه من الأفضل للمعارضة السورية أن لا تّخطىء وتتسرع في المرة الأخرى بتفسير أي تصرف أو تصريح أو ادّعاء روسي، لا على الصعيد السياسي ولا العسكري، ولا حتى على صعيد نشرة الأحوال الجوّية، فسياساتها (الباطنية) ليست أحسن حالاً من سياسات النظام السوري الذي جعل التضليل والخداع والتآمر والكذب نهجاً، وعلى هذه المعارضة الانتباه أن لا تقع في الحفرة نفسها مرات عديدة.
المدن
جهاد خيتي
سفيان الحمامي
أنور مالك
عبد الوهاب بدرخان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة