أحمد محمد
تصدير المادة
المشاهدات : 2970
شـــــارك المادة
لم يكن بشار الأسد ليحلم بأن يحظى بإشادة أممية، بعد طول تمنّع، كتلك التي وصلته من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، التي "رحّبت" بسيطرته على مدينة تدمر الأثرية، الواقعة بمحافظة حمص وسط سوريا، رغم أنه شارك في تدمير آثارها بقدر لا يقل، إن لم يفق، تنظيم الدولة.
فإذا كان التنظيم الإرهابي قد دمر آثاراً من منطلقات دينية مزعومة، أو لأغراض الدعاية على عادته في تنفيذ جرائمه البشعة، فإنّ نظام الأسد دمّر أخرى لأهداف القتل والتدمير تحديداً؛ إذ ألقى النظام على مدينة تدمر 16 برميلاً متفجراً في يوم 24 سبتمبر/أيلول 2015، وعشرين برميلاً في الأيام القليلة التي سبقته.
وحينها، قال المكتب الإعلامي في تدمر الذي يديره نشطاء، إن الطيران التابع لنظام الأسد استهدف القلعة الأثرية خلال يومين، بـ13 برميلاً متفجراً؛ ما أدى إلى دمار واسع في أسوارها الخارجية، وقسم من الجدران، بنسبة 25%، بعد أن كان قد استهدف أطرافها قبل ذلك، بـ20 برميلاً متفجراً.
وفي سابقة هي الأخطر على الإطلاق، طالب مدير مديرية الآثار والمتاحف، وهي المؤسسة المعنية بالدفاع عن الآثار السورية والمعترف بها إلى الآن من المنظمات الدولية وعلى رأسها اليونسكو، مأمون عبد الكريم، عبر وكالة سبوتنيك الروسية، موسكو بقصف مدينة تدمر الأثرية بحجة "تحريرها من الإرهابين"، وهو ما تم فعلاً.
والسبت 26 مارس/آذار 2016، أفاد مراسل قناة "الجزيرة" في حمص، جلال سليمان، أن "الغارات الروسية على مدينة تدمر أصابت المدينة بخراب كبير"، إلا أنه على ما يبدو خراب أنيق، بطائرات لا بمعاول.
ولطالما أشار ناشطون إلى أن تدمير آثار سوريا وتخريبها العمدي وقصفها، هو النقطة التي يتشارك فيها نظام الأسد مع تنظيم الدولة، وفي تدمر بدا هذا واضحاً منذ سيطر التنظيم على المدينة التاريخية، وما لحقها من قصف عشوائي للنظام باستخدام مختلف أنواع الأسلحة ضد أهداف أثرية ومدنية داخل تدمر.
وفي تعبير يحمل من الدلالات ما يحمل، وصفت منظمة اليونسكو مدينة تدمر بـ"المدينة الشهيدة" المدرجة على التراث العالمي لليونسكو.
وفي تصريحات للأناضول، كان العميد المنشق أحمد الرحال، قد استبق ترحيب اليونسكو، بالكشف عن هدف النظام وحلفائه من التركيز على تدمر، وقال: إن "نظام الأسد وروسيا يبحثان عن أمرين لا ثالث لهما؛
الأول وهو الأهم، محاولة نيل شهادة حسن سلوك من المجتمع الدولي في حال سيطر على مدينة تدمر، فالمدينة تشكل حضارة كبيرة وتحوي آثاراً منذ آلاف السنين، وبسيطرته عليها سيقولان للعالم انظروا نحن نقاتل الإرهاب ونحافظ على الأماكن الأثرية".
وأما الأمر الثاني، فيتعلق بالموقع الاستراتيجي لتدمر، التي تقع على الطريق الواصل بين دمشق والعراق وإيران، كما يوجد فيها مطار عسكري كان تم إيقاف العمل فيه منذ 20 عاماً، وتهدف روسيا إلى إعادة تفعيله، لاستخدامه في الهجوم على مواقع داعش والمعارضة، بحسب الرحال.
وليس الأمر أن يُعمل على إجراء مقاربة في الخسائر والضحايا، وأيهما أهم ضحايا البشر أم ضحايا "الحجر"، كما لا يختلف أحد مع المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، بوصف تدمر بأنها "حاملة ذاكرة الشعب السوري وقيم التنوع الثقافي والتسامح والانفتاح، التي جعلت من هذه المنطقة مهد الحضارة الإنسانية"، لكن تجاهلها للقتل الممنهج واسع النطاق الذي مارسه نظام الأسد، وعمليات التدمير والنهب التي طالت آثار سوريا عموماً، وتدمر خصوصاً، بسلاح قواته بما فيها البراميل المتفجرة التي ألقيت عشرات منها من طائرات سلاح الجو السوري، لهو الأمر غير المفهوم، ولا يستوي مع إنسانيتنا.
وتجاهلت "بوكوفا" عمليات التطهير العرقي والطائفي التي باتت علامة فارقة لنظام الأسد، الشهير بمجازره بالغة الوحشية في حي "كرم الزيتون" بحمص، و"القبير" و"التريمسة" و"داريا" و"بانياس" و"البيضا" و"الحولة"، وكلها مجازر ارتكبت بشكل مباشر بالسلاح الأبيض والخفيف وضحاياها كانوا أطفالاً ونساء ومدنيين، لتوجه البوصلة إلى تنظيم الدولة بالحديث عن "التطهير الثقافي" الذي رأت أن النهب الذي طال المدينة التاريخية يعتبر رمزاً له.
وصدقت "بوكوفا" عندما أشارت إلى أن أعمال التفجير والنهب التي تعرضت لها كنوز المدينة قد عززت "تعبئة غير مسبوقة لنصرة القيم التي توحد البشرية جمعاء"، وهي التعبئة التي لم توحد البشرية حين طالت أرواح المدنيين ومساكنهم وقراهم ومدنهم وحياتهم عمليات قتل وتفجير ما توقفت منذ وقت مبكر من عام 2011 وحتى اليوم بسلاح نظام بشار الأسد.
ووصفت المسؤولة الأممية إقدام مقاتلي تنظيم الدولة على تدمير معبدي بعل شامين وبل، والأبراجِ الجنائزية وقوس النصر الشهير، بأنه أحدث خسائر جسيمة نالت من الشعب السوري ومن العالم أجمع.
وأكدت أن التدمير المتعمد للتراث الثقافي يُعد جريمة حرب، وأن اليونسكو لن تدّخر جهداً في توثيق الخسائر كي لا تمر هذه الجرائم دون عقاب مرتكبيها.
وتصنف تدمر الأثرية بأنها إحدى أقدم المدن بالعالم، وأدرجتها اليونسكو ضمن لائحة التراث العالمي.
وحددت صور الأقمار الصناعية أضراراً لحقت بـ290 موقعاً أثرياً مختلفاً؛ إذ تعرض 24 منها للتدمير و104 لأضرار جسيمة و85 لأضرار متوسطة و77 لأضرار مختلفة.
وتضم سورية نحو أربعة آلاف موقع أثري؛ بينها ستة أدرجتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي، وتشمل المدن القديمة في حلب وبصرى الشام جنوب دمشق، وتدمر.
وكان تنظيم الدولة سيطر على تدمر في مايو/أيار العام الماضي 2015، بعد انسحاب قوات النظام منها، ودمّر عدداً من معالمها الأثرية.
ومع دخول اتفاق "وقف الأعمال العدائية" في سوريا، حيز التنفيذ، يوم 27 فبراير/شباط الماضي، أطلقت قوات النظام عمليات عسكرية لاستعادة السيطرة على تدمر، بمساندة جوية روسية.
الخليج أونلاين
ياسر الزعاترة
رندة تقي الدين
سعد الكودري
أرنست خوري
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة