عماد الدين خيتي
تصدير المادة
المشاهدات : 10769
شـــــارك المادة
توطئة:
قال الجولاني في لقائه مع تيسير علوني على الجزيرة متحدثًا عن استفادة جبهة النصرة من تجارب من سبقها: "استعرضنا تاريخ كل العمل الجهادي الذي حدث في كل بقاع الأرض، وحاولنا قدر المستطاع أن نتوخى الأخطاء التي وقعنا فيها وقع فيها التيار الجهادي في أماكن أخرى ما استطعنا... في أسلوب وقتال العدو مثلاً، في معاملة الناس مثلاً، في طرح المنهاج في كل التفاصيل دون التنازل عن الثوابت الأساسية التي نعتقد فيها" انتهى. والسؤال المهم فيما يتعلق بهذه المقالات: هل استفاد الجولاني فعلاً من التجارب السابقة في مشروع إمارته الحالي وتجنب سلبياتها؟ وما هي؟
* * *
مشروع (إدارة التوحش): دوَّن أبو بكر ناجي كتاب (إدارة التوحش) دستورًا للجماعات (الجهادية) في كيفية التعامل مع دول العالم، وإقامة دولة تحكم بالشرع. وقصد بالتوحش: الفوضى بسبب زوال السلطة الحاكمة في منطقة ما. وتدور فكرة الكتاب على أنَّ العالم ينقسم إلى دول (مركز) تتمثل حاليًا في أمريكا، ودول تابعة لها بمستويات عدة كدول العالم الإسلامي، وأنه مهما فعلنا فلن نستطيع إقامة دولة إسلامية بسبب كيد الأعداء وتربص الدول العميلة؛ لذا لا بد من هدم دولة المركز، ويكون هذا بإسقاط الدول العميلة أولاً، وذلك بشن الهجمات عليها لإنهاكها والنكاية فيها، ما يؤدي إلى انهيار هذه الدول ودخولها في حالة من التوحش، فتتولى الجماعات (الجهادية) إدارتها، ثم تستغلها لحشد الشعوب -بخطط عسكرية ودعوية وإعلامية تفصيلية- إلى إسقاط النظام العالمي (المركز)، ثم إقامة الدولة الإسلامية. قال أبو بكر ناجي: "إدارة التوحش هي المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة، وتُعد أخطر مرحلة فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة - بإذن الله - هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة" انتهى. وكتاب (إدارة التوحش) هو خلاصة أفكار وتجارب ومخططات التنظيمات (الجهادية)، ومراجعها المعتبرين، وتظهر أهميته في تبني تنظيم القاعدة له، وتدريسه لأتباعه، كما تعتمده جبهة النصرة في سوريا منهجًا لمكاتبها الأمنية. مقارنة مشروع إمارة جبهة النصرة بمخطط (إدارة التوحش): وجوابًا على سؤال: من أين جاء الجولاني بفكرة مشروع إمارة جبهة النصرة؟ ومن أين استقى تفاصيله؟ وهل هو من ابتكاره؟ الحقيقة أنَّ ما عرضه الجولاني في لقائه المسرَّب -وما تسير عليه جبهة النصرة على الأرض بشتى مشاريعها- ليس جديدًا؛ فمشروع الإمارة بتفاصيله وخطواته يسير على ما دوَّنه أبو بكر ناجي في كتابه (إدارة التوحش. والمقارنة بين خطة كتاب (إدارة التوحش) وخطة (إمارة جبهة النصرة) تحتاج لبحث مستقل لطولها وتشعبها، لكن في هذا المقال المختصر يمكن تسجيل عدد من النقاط السريعة، وبقيتها تأتي في مقالات قادمة بإذن الله: 1- المشروع هو مشروع تيار (السلفية الجهادية)، فهي من يقيمه، ويجب على الجميع الدخول تحت إمرتها؛ لأنَّه هو المشروع الرباني المنهج، مشروع الطائفة المنصورة: فكتاب (إدارة التوحش) مبنيٌ كاملاً من هذ المنطلق، ومن الأمثلة على ذلك قوله بعد المقارنة بين مشاريع الجماعات الإسلامية: " أما تيار السلفية الجهادية فهو التيار الذي أحسبه وضع منهجاً ومشروعاً شاملاً السنن الشرعية والسنن الكونية ... ومع بعض العثرات التي يمر بها مشروعهم التي هي جزء قدري من مشروعهم لا ينفك عنه إلا أن خطوات مشروعهم تسير كما هي مكتوبة على الورق على السنن الشرعية والكونية الصحيحة، بل ينالهم بفضل الله من العناية والرعاية الإلهية ما يُطوى لهم فيه بعض المراحل، وهم وأعداؤهم في صراع لا يُنكر أحدٌ أنه شبيه بصراع الرسل مع أهل الكفر والطغيان، إن لم يعترف بأنَّه استمرارٌ حقيقيٌّ لذلك الصراع" انتهى. ويقول عن الجماعات الأخرى: "بالنسبة لاستقطاب مناطق مجاورة تديرها تنظيمات أخرى علينا أن نوجه رسولاً للإدارة المسؤولة عن المناطق المجاورة لدعوتها للدخول في ولاء أهل التوحيد والجهاد (!) ... لن نقبل بحال أن نسمع يوماً أن منطقتهم يُحكم فيها غير الشرع وإلا أصبحت إدارتهم في هذه الحالة مثل إدارات الأعداء سواءً بسواء" انتهى. وهذه الأفكار تظهر في كلام الجولاني في شريطه المسرب، فمما قاله لجنوده: " فأنتم من أثبت للعالم كله أنكم جنود الله عز وجل الأوفياء نحسبكم والله حسيبكم ... مرت جبهة النصرة في أطوار متعددة، مرت من ضعف ثم زادها الله عز وجل قوة وثباتاً وجأشاً وعناداً في مصارعة الباطل وأهله، ثم بعد ذلك أصابتنا بعض النكبات التي لم تزدنا إلا إصراراً على الحق ... قد آن الأوان أيها الأحبة لأن نقيم إمارة إسلامية على أرض الشام، نطبق حدود الله عز وجلّ، ونطبق شرعه بكل ما تقتضيه الكلمة من معنى... مفتاح هذه الإمارة بأيديكم، أنتم من يستطيع إقامتها ... أنتم من اختاركم الله عز وجل لأن تكونوا في محطة صراع تاريخية ينتظرها المسلمون منذ أكثر من 1400 عام. الجبهة بفضل الله عز وجل تملك قوة هائلة، من القليل جداً أن ينافسها أحد في أرض الشام من القوة الإيمانية والقوة النوعية التي تملكونها والإصرار على الحق. أنتم صاعق هذا الجهاد الذي حدث في الشام. أنتم من أشعل شرارته... ونسعى لإقامة إمارة إسلامية شرعية على منهاج النبوة" انتهى. 2- استغلال الجهاد والثورة في البلدان المختلفة لإطلاق المشروع الخاص لهذه التنظيمات، وتجييرها لصالحها: يمتاز فكر الجماعات (الجهادية) ومشروعها بأنه غير قابل للوجود في المجتمعات المستقرة؛ لذا فإنها تبحث في المجتمعات التي تنهار السلطة فيها، أو تكون ضعيفة فيها، أو توجد فيها حروب، كأفغانستان، والعراق، والصومال، وغيرها لتنشئ مشروعها، أما إذا قامت في بلدان مستقرة فإنها سرعان ما تنتهي، كما حدث في عدد من دول الخليج وتركيا مثلاً.. قال أبو بكر ناجي عن صفات المناطق المرشحة للبدئ بمشروع (إدارة التوحش) والتي لم تكن منها سوريا حين تأليف الكتاب: "- وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح في كل دولة على حدة بإقامة مناطق بها تدار بنظام إدارة التوحش. - ضعف النظام الحاكم وضعف مركزية قواته ... - وجود مد إسلامي جهادي مبشر في هذه المناطق. - طبيعة الناس في هذه المناطق... - كذلك انتشار السلاح بأيدي الناس فيها" انتهى. فلما توافرت هذه الشروط في سوريا دخلتها جبهة النصرة، قال الجولاني في مقابلته على قناة "الجزيرة" بتاريخ 19-12-2013م: "قلوبُنا كانت معلّقةً في أرض الشّام إلى أن بدأت الثورةُ السّورية ... الشّام لم تكن مهيأة لدخولها لولا الثورة السورية ... هذه الثورة دفعت أو أزالت الكثيرَ مِن العوائق التي مهّدت لنا الطريقَ في الدّخول والوصول إلى هذه الأرض المباركة" انتهى. وكما سبق في النقطة الأولى: فإنهم ما إن يدخلوها حتى يعلنوا أنهم الأحق بحكمها، وفرض مشروعهم؛ لأنهم الأصح منهجًا والأنقى عقيدة! 3- العمل على إقامة وحدات إدارية منفصلة داخل الدول المنهارة، ثم إيجاد طريقة تواصل بينها للتنسيق الإداري والعسكري: قال أبو بكر ناجي في خطته: "الترقي بالمجموعات الإدارية للوصول لشوكة التمكين والتهيؤ لقطف الثمرة وإقامة الدولة ... إنشاء شبكة دعم لوجستي لمناطق التوحش -المُدارة بواسطتنا- المجاورة والبعيدة" انتهى. وهو ما سار عليه الجولاني في كيفية ربط (الإمارات) بعضها ببعض وصولاً إلى التنسيق الأخير بينها حيث قال: "سيتم تقسيم الجيوش إلى كتائب وسرايا، سيكون هناك جيش في حلب، سيكون هناك أيضاً جيش في إدلب على مستوى المنطقة الشمالية، وإخوانكم في درعا سيلتحقون بكم أيضاً سينشؤون جيشاً و إمارة أيضاً هناك. وكذلك بإذن الله أيضاً في الغوطة المحاصرة. ثم سنضع استراتيجية لجمع هذه الإمارات في إمارة واحدة" انتهى. 4- مكانة الشعب في المشروع أنهم أتباع لا رأي لهم ولا قرار، وهم مجرد مخزون يقوم المشروع على أكتافهم: يمتاز طرح تيار (السلفية الجهادية) بطبقية تقسم المجتمع إلى نخبة مؤمنة مجاهدة تخطط وتقود، ويقصدون أنفسهم بها، وعامة رعاع لا رأي لهم إلا كونهم مخزونًا بشريًا يرفد المشروع بالكوادر البشرية اللازمة، ثم يكون الأرضية التي يطبق عليها. قال أبو بكر ناجي: "عندما نقول أن الشعوب هي الرقم الصعب ليس معناه أننا نعوِّل عليها حركتنا، فنحن نعلم أنه لا يُعوَّل عليها في الجملة بسبب ما أحدث الطواغيت في بنيتها، وأنه لا صلاح للعامة إلا بعد الفتح(!)، ومن لا يستجيب من العوام ومتوقع أن يكونوا هم الكثرة فدور السياسة الإعلامية الحصول على تعاطفهم، أو تحييدهم على الأقل، ولكننا نُقدر أن لنا في الشعوب -بإذن الله وقدره- مخزوناً للتحرك الفعال". بينما قال الجولاني في شريطه المسرب مخاطبًا جنوده: "أنتم صاعق هذا الجهاد الذي حدث في الشام. أنتم من أشعل شرارته، وأنتم في المكان الذي تثبتون فيه تثـبّـتون الناس معكم، وفي المكان الذي تهتزون به تهتز كل زاوية معكم" انتهى. ومهما بذلت الشعوب من خسائر وتضحيات فهو مقبول في سبيل إقامة مشروع هذه الجماعات: قال أبو بكر ناجي: "وليعلم من وضع رجله في طريق الجهاد أنه قد يأتي علينا يوم عندما تحتدم المعارك - نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة- سنرى فيه ملايين المُهجرين من المناطق هرباً من شدة القتال مع أنظمة الردة أو مع الصليبية والصهيونية ... وقد تتسبب موجات قصف جيوش الردة والصليب لقتل الآلاف" انتهى. بينما قال الجولاني في شريطه المسرب: "جهاد قُتل فيه عشرات الألوف، شرّد فيه الآلاف، هدمت كثير من البيوت، نزح الملايين أيها الأخوة، تورطت أمة بأكملها معنا لكي يسلموا الرسالة لكم اليوم فتؤدوها بأكمل أمانة" انتهى. أما كيفية إقناع الشعوب بهذا المشروع فهو إغراؤهم بتوفير الحاجيات المعيشية لهم، وممارسة سياسية إعلامية قوية تجاههم (وسيأتي الحديث عن توفير الحاجيات والإعلام)، ثم جرهم للمعركة بأساليب الحرب المختلفة التي تورطهم فيها رغمًا عن إرادتهم، ويكونون وقودها وضحاياها: قال أبو بكر ناجي متحدثًا عن فكرة الاستقطاب: "جرَ الشعوب إلى المعركة يتطلب مزيداً من الأعمال التي تشعل المواجهة والتي تجعل الناس تدخل المعركة شاءت أم أبت، بحيث يؤوب كل فرد إلى الجانب الذي يستحق، وعلينا أن نجعل هذه المعركة شديدة بحيث يكون الموت أقرب شيء إلى النفوس، بحيث يدرك الفريقان أن خوض هذه المعركة يؤدي في الغالب إلى الموت فيكون ذلك دافعاإً قوياً لأن يختار الفرد القتال في صف أهل الحق ليموت على خير أفضل له من أن يموت على باطل ويخسر الدنيا والآخرة... " انتهى. بينما قال الجولاني في شريطه المسرب: "هذا المشروع الذي ينتظره منكم اليوم أهل غزة الذين يضطهدون، ينتظره منكم أهل خراسان في أفغانستان، ينتظره منكم جهاد 40 سنة لتنظيم القاعدة مضنٍ، جهاد قُتل فيه عشرات الألوف، شرّد فيه الآلاف، هدمت كثير من البيوت، نزح الملايين أيها الأخوة، تورطت أمة بأكملها معنا لكي يسلموا الرسالة لكم اليوم فتؤدوها بأكمل أمانة" انتهى. وكان قد ذكر في مقابلته الثانية مع أحمد منصور على الجزيرة بتاريخ 3-6-2015م عن استراتيجية القاعدة مع أمريكا في جرها لبلاد المسلمين لقتالها بأحداث 11 أيلول / سبتمبر: "أراد [أي ابن لادن] أن يقاتل الأميركان في عقر دارهم ثم يستجرهم إلى أفغانستان لأننا لا نستطيع أن نرسل جيوشا إلى هناك ... كان عدة أهداف ومنها أن يستجرهم إلى حرب برية" انتهى. فتوريط الشعوب وإجبارها على خوض المعارك، واستفزاز العدو للدخول فيها سياسة متبعة ومنهج معتمد؛ لذا لا ينبغي استغراب الكثير من تصرفات جبهة النصرة وكلام الجولاني الذي يضر بالثورة وتكثر المطالبة بالابتعاد عنه دون فائدة؛ فهو ليس عفو الخاطر بل نابع من عقيدة وخطة مسبقة. أما إذا فشلت التجرية (الجهادية) فالحل في الانتقال بلدٍ آخر، والبحث عن مشروعٍ آخر، وترك الشعوب لمصيرها المظلم، الذي يجب عليه أن تتحمله لإقامة دين الله! فقد نتج عن أحداث 11 سبتمبر تدمير بلدين مسلمين، وإسقاط أول حكومة للمجاهدين وهي حكومة طالبان، وما تبعها من مآسٍ لا توصف، ثم انسحبت القاعدة منهما، كذلك انسحبت من العديد من دول الخليج وتركيا عند فشلها، وها هي تنتقل لمشروع جديد في سورية! وقد عبر الجولاني عبر معرف أبو عمار الشامي بتغريدة بتاريخ 11-1-2016م عن سهولة التخلي عن هذه التجربة بعد الآثار المدمرة دون حرج فقال: "لا يعيب الثبات على الدين أن يكون المنتهى الجبال والأودية فاهنأ أنت بفنادق المنفى ! أو بكرسي الذل والمحاصصة الوطنية تماهيا مع النظام وأفراخه" انتهى! 5- استمالت الشعوب بتوفير حاجياتهم اليومية في المناطق التي يديرونها لتكوين بيئة حاضنة تحمل المشروع، وتجنيدهم فيه: قال أبو بكر ناجي: "مهمات إدارة التوحش في الصورة المثالية التي نرومها، والتي تتفق مع مقاصد الشرع، هذه المهمات هي: - نشر الأمن الداخلي. - توفير الطعام والعلاج. - تأمين منطقة التوحش من غارات الأعداء. - إقامة القضاء الشرعي بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش... - بث العيون واستكمال بناء إنشاء جهاز الاستخبارات المصغر. - تأليف قلوب أهل الدنيا بشيء من المال والدنيا بضابط شرعي وقواعد معلنة بين أفراد الإدارة على الأقل" انتهى. وقال: "أول وسائل استقطاب هذه التجمعات لتدخل في موالاة أهل الحق (!) بقيام مجموعات الإدارة التابعة لنا بإحسان إدارة المناطق التي تحت سيطرتهم، مع القيام بدعاية إعلامية جيدة بما وصلت إليها حالة مناطقنا من أمان وعدالة بتحكيم الشرع وتكافل وإعداد وتدريب وارتقاء" انتهى. وهو ما ظهر في كلام الجولاني في الشريط المسرب من حيث الاهتمام بحماية حدود الإمارة، وتشكيل قوة للتدخل السريع، ونصب الحواجز، وتطهير الأرض من المفسدين. قال الجولاني: "سيبدأ تقسيم القسم الآخر سيكون جيشاً متنقلاً متحركاً أينما ضربنا به سيغدو معنا، وأما القسم الآخر فسيكون لنظام الشرطة والحواجز والقوى التدخل السريع لمحاربة المفسدين أو الناس السيئين الذين يعتدوا على المسلمين... وستقام محاكم شرعية بإذن الله عز وجل..." انتهى. وقال في مقابلته الثانية مع أحمد منصور: "وأنت درت وتجولت في هذه المناطق يعني الناس كلهم يعيشون في حالة مأساوية، نحن نقدم لهم الكهرباء نقدم لهم الماء، نقدم لهم الحنطة، نقدم لهم الطحين، نقدم لهم القضاء، نقدم لهم الأمن، نقدم لهم الحماية، نقدم لهم الشرطة، نقدم لهم تسيير معاملاتهم التجارية، وهذا موجود في نفس الوقت وهناك بناء وهناك أسواق وهناك عمارات تبنى" انتهى. ولإبراز هذه الأعمال وجعلها نصب أعين الشعوب ثم مطالبتهم بمقابل لها فإنه لا يخلو خطاب من خطابات الجولاني إلا ويذكر الناس بما تقدمه جبهة النصرة، ويعددها بالتفصيل، ويعتبرها تقدمة من الجبهة، ويخبرهم أنه (ما جئنا إلا لنصرتكم)، وبهذا يتبين الفارق والفاصل بين الشعب من جهة والجبهة من جهة أخرى، وبجولة سريعة على هذه الخطابات يتبين ذلك.. وفي المقابل تخلو خطابات بقية الفصائل الجهادية والجماعات الدعوية من هذا الامتنان المتكرر؛ لأن مشروعهم هو مشروع الشعوب، ثم إنَّ تقديم هذه الخدمات هو الأمر الطبيعي والواجب الشرعي على من يتولى زمام الحكم في مكان ما، وليس أمرًا يقدمه بطيب نفس أو منة، ولو قصَّر فيه لجاز حسابه وعزله في الشرع. 6- الاهتمام الشديد بالعمل الإعلامي الاحترافي وجعله استراتيجية ذات أولولية للتأثير في المتلقين: فأبرز أهداف هذا العمل الإعلامي: إبهار الجمهور المتابع، وإقناعهم بالمشروع لتجنيدهم، وجذب أفراد الجماعات الأخرى؛ لذا نجد أنَّ غالب الشباب المتحمس المنضم أو المناصر لهذه الجماعات حين سؤاله عنها أو عن مشروعها أو أفكارها فإنه لا يجد جوابًا إلا ما تبثه منتجاتهم الإعلامية عالية الإتقان والحرفية.. فهي أمر مقصود وتبذل في سبيله الكثير من الجهود والأموال. وقد عول أبو بكر في (إدارة التوحش) على العمل الإعلامي في العديد من أماكن كتابه، ومما قال في خططه: "- استراتيجية إعلامية تستهدف وتركز على فئتين، فئة الشعوب بحيث تدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد والقيام بالدعم الإيجابي والتعاطف السلبي ممن لا يلتحق بالصف، الفئة الثانية جنود العدو أصحاب الرواتب الدنيا لدفعهم إلى الانضمام لصف المجاهدين أو على الأقل الفرار من خدمة العدو... - إقامة خطة إعلامية تستهدف في كل هذه المراحل تبريراً عقلياً وشرعياً للعمليات خاصة لفئة الشعوب ... - هذه الخطة الإعلامية عندما تواكب مرحلة إدارة التوحش بصفة خاصة هدفها - الذي يجب أن تقوم اللجان الإعلامية بتخصيص من يخطط لها من الآن - هو أن يطير جموع الشعوب إلى المناطق التي نديرها خاصة الشباب عندما يصل إليهم أخبارها" انتهى. وقال عن حركة التجديد الجهادية: "تعويض الخسائر البشرية التي منيت بها حركة التجديد في الثلاثين عامًا الماضية عن طريق مد بشري متوقع يأتي لسببين: الانبهار بالعمليات التي سيتم القيام بها..". وفي جانب النصرة العملي نجد الآتي: - الاهتمام الشديد بنشر وتوثيق المعارك بالصور والفديوهات مهما كانت صغيرة أو كان عدد أفراد النصرة فيها قليلاً، حتى ليخيل للبعيد عن أرض المعركة أن جبهة النصرة هي الأضخم والأكبر حضورًا وتأثيرًا في المعركة، أو في سوريا، وأن عملياتها هي الأوسع والأكثر.. حتى أنَّ بعض وسائل الإعلام لا تجد صورًا عن بعض المعارك للنشر إلا ما تبثه منابر النصرة الإعلامية. - الانتاج الاحترافي للعمليات العسكرية مما يجعلها مبهرة وآسرة، وتعطي انطباعًا بالقوة والشجاعة وشدة المقاتلين. - إخراج لقاءات الجولاني التلفزيونية بطريقة احترافية، سواء من حيث الجهة الناشرة باستهداف قنوات إعلامية عالمية، واستقطاب أسماء إعلاميين مشهورين لإجراء اللقاء، أو من حيث اسم المنتج (كالمؤتمر)، أو من حيث القيام بحملة إعلان كبيرة قبل النشر، والأمر الأكثر أهمية هو مكان اللقاء كالقاعات والمقاعد الفخمة، وغير ذلك من التفاصيل الكثيرة كاللبس، وطريقة الجلوس، مما يعطي انطباعات نفسية بالعظمة والقوة والسيطرة. وهو ما نجد عكسه من بقية القادة المجاهدين من التواضع في اللبس وطريقة الجلوس والكلام. - كذلك نشر المنتجات عبر عدة منابر مختلفة، حتى ليخيل للسامع أو القارئ أن الجبهة تملك عددًا كبيرًا من المؤسسات، أو أن غالب المؤسسات تدعمها وتؤيدها، مما يعطي انطباعًا بالضخامة والحجم على الأرض. وعلى سبيل المثال: فالمؤسسة الإعلامية الرسمية للنصرة هي (المنارة البيضاء)، بينما نُشر (المؤتمر الصحفي) للجولاني من خلال (مؤسسة التحايا)، ونُشر للعريدي من خلال (فرسان البلاغ للإعلام) وغير ذلك كثير، بالإضافة لعشرات المواقع والصفحات على النت، وبحسابات وهمية للمناصرة والنشر، ومؤخرًا عشرات القنوات على التيلجرام. ويلحظ بشكل واضح تفوق تنظيم القاعدة عمومًا في الجانب الإعلامي، والاهتمام به؛ فهو مصدر هام للترويج للفكر، والمشروع، واستقطاب الأتباع والمناصرين. 7- بذل الجهد في الدعوة والتربية على المنهج لاجتذاب الأتباع وتجنيد المناصرين للمشروع: ففكر (السلفية الجهادية) غريب عن المجتمعات الإسلامية بما يحويه من معتقدات، ومناهج؛ لذا فإنَّ من أولى أولويات هذه الجماعات بمجرد تمكنها أو انتشارها في مكان هو افتتاح المعاهد وإقامة الدورات التي تهتم بالدرجة الأولى بتدريس مناهجها وكتبها التي تخدم مشروعاها بعيدًا عن منهج علماء الأمة. قال أبو بكر ناجي في بيان المهمات التي تقوم بها الإدارات في مرحلة التوحش: "... رفع المستوى الإيماني ورفع الكفاءة القتالية أثناء تدريب شباب منطقة التوحش وإنشاء المجتمع المقاتل بكل فئاته وأفراده عن طريق التوعية بأهمية ذلك". وقال: "إن دور الدعوة في مرحلة البدايات هي جذب القلة الممتازة، أما استجابة الناس فبعد التمكين وبعد نصر الله والفتح.." انتهى. وهذا ما يظهر في المناطق التي تسيطر عليها النصرة في سورية، ففي الشريط المسرب قال الجولاني: "فيما بعد سنبدأ بتجنيد إخوة لكم جدد قد يكونوا دونكم (!) في المستوى، فيجب عليكم أن تصبروا عليهم، وأن تعطفوا عليهم، وأن تغرقوهم بالدعوة لله عز وجل" انتهى. ومما يدرس في معاهد جبهة النصرة وخاصة للدعاة والمجاهدين، ولعامة الناس بدرجات متفاوتة: كتب ومؤلفات تنظيم القاعدة، وعصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي)، وعمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني)، وغيرهم، والتي تحمل منهج تكفير الدول الإسلامية، والحكم على بلدانها بأنها ديار كفر، وعلى قادتها وجيوشها بالكفر والردة، وإيجاب قتالها قبل الكفار الأصليين، وإسقاط عامة أهل العلم، ونحو ذلك من الأفكار والعقائد الغالية والتي تخالف ما عليه جمهور الأمة وعلماؤها. ويقوم بهذه الدورات والدروس جهات رسمية تابعة لجبهة النصرة، أو على نفس منهجها وإن كانت بإدارات منفصلة كمركز دعاة الجهاد الذي يقوم عليه عبد الله المحيسني. والسؤال: ما المخرجات المتوقعة من هكذا دروس ومحاضرات ودورات؟ وهل إتاحة الدعوة في سبيل الله تعالى لتعليم الناس أمور دينهم أم استغلال جهلهم وحاجتهم لتجنيدهم للمشروع الخاص؟ 8- توفير بيئة آمنة للإمارة حتى تتمكن من إقامة مشروعها من خلال الموادعة مع الأعداء المحيطين: فمع أن المخطط يبدأ بتحطيم الدول وإدخالها في حالة التوحش، إلا أنه يقوم في شقه الآخر على إنشاء مناطق إدارية منفصلة لتكون نواة حاضنة للمشروع، وهذا لا بد له من أمان نسبي لينطلق. قال أبو بكر ناجي: "أما في مرحلة [إدارة التوحش] فسنواجه مشكلة غارات العدو -الصليبي أو المرتد- الجوية على معسكرات تدريب أو مناطق سكنية في نطاق المناطق التي نديرها، ومع وضع تحصينات دفاعية وخنادق لمواجهة تلك المشكلة إلا أنه ينبغي كذلك أن نتبع سياسة دفع الثمن في مواجهة إجرام العدو، وسياسة دفع الثمن في هذه الحالة تحقق ردعاً للعدو وتجعله يفكر ألف مرة قبل مهاجمة المناطق المدارة بنظام إدارة التوحش، لعلمه بأنه سيدفع ثمن ذلك ولو بعد حين، فيجنح العدو إلى الموادعة التي تمكن مناطق التوحش التقاط الأنفاس والترقي" انتهى. وقال: "عندما نقيم مناطق آمنة من الفوضى والتوحش الناتج عن القتال ويهاجر الناس إلى تلك المناطق، نستطيع أن نجعل من هذه المناطق ساحات للدعوة والتدريب والتعليم" انتهى. وفي المقابل تقيم جبهة النصرة العديد من الهدن مع النظام في عدة مناطق في سوريا وهي (إدلب، والقابون، وبرزة، وعدة مناطق في منطقة دمشق وريفها) وتحظى هذه المناطق بأمان نسبي إلى جانب غيرها من المناطق، وتقيم فيها محاكمها وإداراتها المختلفة، ومعاهد تدريسها الشرعية، مع أنَّ الحال العامة هي حالة جهاد وقتال. واللافت أن جبهة النصرة تعارض إقامة أي هدنة في منطقة ليس لها فيها وجود قوي، أو لا تتحقق لها فيها مصلحة، فقد قال الجولاني في (مؤتمره الصحفي): "موضوع الهدن هو الخطوة الأولى في الاستسلام؛ لأنه يصب فقط في صالح النظام...". وعندما سئل عن هدنة الغوطة قال: "نحن بالطبع نسعى لعرقلة هذه الهدنة، ولن نقبل بها على الإطلاق، ولا يمكن أن تسير هذه الهدنة ونحن متواجدون مثلًا في الغوطة الشرقية... لا أريد أن أدخل بالجدل الشرعي هذا حلال وهذا حرام ... أريد أن أقول أن الغوطة الشرقية هي رمز كبير في هذا الجهاد المبارك، وهي متاخمة لحدود دمشق. بينما الزبداني فهي منطقة في أقصى أطراف دمشق، وهي منطقة صغيرة، والناس هناك كانوا محاصرين، يعني فقدوا القدرة على المقاومة والقتال... فهذه لم تكن هدمة لإيقاف القتال مع النظام وهم قادرون على القتال، بل كانت هي لإنقاذ أرواح بعض النساء والأطفال وبعض إخواننا المسلحين هناك... يعني منذ سنوات والنظام يحاول اقتحام الغوطة ولا يستطيع، فهناك قدرة على القتال. أما في الزبداني فقط الإخوة هناك القدرة على القتال" انتهى. وعلى هذا الكلام ملحوظات: أ- ما هي رمزية دمشق وغوطتها؟ وهل لذلك علاقة بـ (الإمارة على منهاج النبوة)، و(الطائفة المنصورة)، و(المنارة البيضاء)؟ ب- إن كان الأمر خاضعًا للمصالح والمفاسد وقد رأى أهل المنطقة أن من صالحهم عقد هدنة فما الذي يجعل الجولاني وصيًا على تلك المنطقة، ويقرر من تلقاء نفسه أنَّها تستطيع القتال، ويرفض الهدنة، بل يسعى لإفشالها ببعض تصرفات جنوده، بينما المناطق الأخرى التي يسيطر عليها ينعم فيها بالأمن والهدنة دون أي حرج شرعي؟ إنَّ النظر لآخر كلمتين للجولاني تحديدًا: (المؤتمر الصحفي)، و(هذا ما وعدنا الله ورسوله)، وبالوقوف على أدبيات (السلفية الجهادية) يدرك مغزى ذلك، وهو التخوف من أن يؤدي أي مشروع خارج عن تحكم هذه الجماعات إلى مشروع دولة مستقر يفسد مشروعهم؛ لذلك يعارضونه ويبذلون الوسع والطاقة في إفشاله، كما ستأتي الإشارة إلى هذه النقطة في آخر المقال. 9- الحرص على جلب (المهاجرين) لصفوف هذه التنظيمات، وتسليمها زمام الأمور الدعوية والقتالية والقيادية، وجعلها ورقة مساومة ومفاوضة: من المفروغ منه أن الحديث عن هذه النقطة ليس نابعًا من النظر للجنسية، فالمسلمون أمة واحدة لا يفرق بينهم نسب ولا حدود، ولا المقصود الحديث عن كيفية التعامل الشرعي معهم فمن جاء لنصرتنا ودعم قضيتنا فله كل الشكر والتقدير والحماية، وقد شهد به الجولاني قبل غيره في عدد من الكلمات للشعب السوري بإكرامهم، وإنما المقصود تسليط الضوء على ممارسة هذه الجماعات في هذه القضية واستغلالها لها. فمن أهم أسباب اعتماد هذه التنظيمات على (المهاجرين) والحرص على تنصيبهم وتوليتهم المسؤوليات القيادية عدة أمور: الأول: عدم الثقة بأهالي البلاد التي يخرجون فيها؛ لمعرفتهم أنّ تلك المجتمعات لا تتقبل أفكارهم ومشاريعهم التي تُفرض عليهم، ولا تراعي أحوال مجتمعهم وظروفه، بخلاف من جاء (مهاجرًا) من منطقة أخرى؛ فإنَّه لم يأتِ إلا بعد اقتناعٍ كامل بهذه الأفكار، وبعد أن أحرق جميع أوراق العودة، فلم يبق له إلا هذا المشروع الذي يُقبل عليه بكل جهده واجتهاده، ويتفانى في خدمته والقيام به. وقد سبق الحديث عن النظرة للشعوب، والطبقية في الحكم. الثاني: اعتقاد كفر الدول الأخرى، وتحريم البقاء تحت طاغوتها وإيجاب الهجرة لذلك حتى يكمل إيمان المجاهد، قال أبو بكر ناجي: "هذا التوحش وعدم الأمان بسبب بعض العصابات أفضل شرعاً وواقعاً من سيطرة السلطات على الأوضاع ووضع الناس تحت المهانة في أقسام الشرطة وإجبار الناس على قبول الكفر والتحاكم للقوانين الوضعية والخضوع للطواغيت فإن ذلك أكثر إضاعة للأمن فإن الشرك أكبر مظاهر عدم الأمن، وكفى بعدم الأمن من النار فتنة" انتهى(2). الثالث: مشروع هذه التنظيمات يقوم على هدم فكرة الدولة الحديثة التي تقوم على يد أشخاص يحملون جنسية واحدة، وإن التمسك بوجود (مهاجرين) والدفع بهم لمراكز القيادة يجهض –بظنهم- أي مشروع لقيام دولة حديثة في المناطق التي يوجدون فيها؛ لذا فإنهم يحرصون على وجودهم بينهم وتوريطهم بذلك. فمما قاله أبو بكر ناجي عن (الهجرة): "الخطة الإعلامية عندما تواكب مرحلة إدارة التوحش بصفة خاصة هدفها - الذي يجب أن تقوم اللجان الإعلامية بتخصيص من يخطط لها من الآن - هو أن يطير جموع الشعوب إلى المناطق التي نديرها خاصة الشباب". وقال: "في مرحلة شوكة النكاية والإنهاك نحتاج لاستقطاب الأخيار من شباب الأمة ... تبدأ أول وسائل استقطاب هذه التجمعات لتدخل في موالاة أهل الحق (!) بقيام مجموعات الإدارة التابعة لنا بإحسان إدارة المناطق التي تحت سيطرتهم، مع القيام بدعاية إعلامية جيدة بما وصلت إليها حالة مناطقنا من أمان وعدالة بتحكيم الشرع وتكافل وإعداد وتدريب وارتقاء، سنجد - بإذن الله - مع هذه الخطوة الأولى هجرة مطردة من شباب المناطق الأخرى إلى مناطقنا لنصرتها والعيش فيها" انتهى. الرابع: أنَّ جهادهم عالمي، ووجودهم في بلد ما هو مجرد محطة للانتقال لبلدٍ آخر؛ فلا بد أن تكون شخصياتهم كذلك لتكريس الكفر بحدود سايكس-بيكو! وبالنظر لجبهة النصرة: فنجد أنها حريصة أشد الحرص على استقطاب (المهاجرين) وتسلميهم المناصب فيها، ومن ذلك على سبيل المثال ما جاء في بيان جبهة النصرة عن افتتاح مؤسسة عسكرية باسم (بأس) قولها: "إخواننا المسلمين؛ إن الجهاد في الشام ليس ملكًا لتنظيم ولا لجماعة ولا لفصيل معين، بل هو لكل المسلمين؛ لذا فدعوتنا عامة لكل المسلمين في جميع المجالات والتخصصات بل وحتى لغير المتخصصين، فربَّ ناقل فقه لمن هو أفقه منه" انتهى. وقال البيان عن النظرة لمشروع الأسلحة هذا: "فهذه فرصتك كي تخدم الجهاد والمجاهدين في الشام بل في كل الساحات بإذن الله" انتهى!! كما يتمثل في تغيير العديد من القيادات الميدانية والشرعية لحملة جنسيات أخرى لأنها أثبتت ولاء للجبهة ككبير شرعي النصرة سامي العريدي، وغير ذلك من جنسيات خليجية ومغاربية وغيرها. أما تعطيل أي مشروع غير مشرعهم فنجد أن الجولاني يفتعل مشكلة (المهاجرين) عند طرح أي مشروع للاندماج، أو التوحد، أو إقامة الدولة، ويضع ضمن الشروط قضية (المهاجرين) مع أنها لم تطرح من الفصائل أو الجهات السياسية بشكل مستقل، وطرحها بهذا الشكل والاشتراط يعطل أي مشروع غير مشروعهم؛ لذا فهم حريصون على التمسك به وعدم التنازل عنه. 10- اقتصار إقامة المشروع وإدارته على من شارك بالعمل العسكري وحمل السلاح دون غيرهم: وهذا نابعٌ من اعتقاد حصر الجهاد بالقتال، واعتقاد أفضلية من قاتل على من لم يقاتل مهما كان عمله وموقعه، وما يتبع ذلك من حصر الطائفة المنصورة بمن جاهد بسلاحه، والغض من مكانة الآخرين، مع اعتقاد أنهم هم الأفهم والأعلم بسنن الله في الكون، مع تخوين كل من شارك في العمل السياسي، كما ظهر ذلك في (مؤتمر) الجولاني، وكملته (هذا ا وعدنا الله ورسوله). قال أبو بكر ناجي: "كل إشارة في هذه الفقرة إلى الإدارة السياسية مقصود بها أن يكون القرار السياسي صادر من القائد العسكري، بل الإدارة السياسية كلها أو أغلبها ينبغي أن تكون من المقاتلين من مساعدي القادة العسكريين وجنودهم... فينبغي التأكيد على خطورة ترك القرار السياسي بأيدي من لا يخوض المعارك العسكرية تحت أي حجة" انتهى. وهذا ما ظهر في تأكيد جبهة النصرة في العديد من إصدارتها وكلمات قادتها أنه لن يقوم مشروع الحكم إلا على أيدي المقاتلين فقط.. قال الجولاني في لقائه مع تيسير علوني شارحًا كيفية التعامل لإقامة الحكم في سوريا: "ففي هذا الوقت ستجتمع لجان شرعية ويجتمع أهل الحل والعقد وعلماء ومفكرين من الناس الذين ضحوا وشاركوا، ومن الناس الذين لديهم رأي، وحتى وإن كانوا من الخارج بهذه البلاد..." انتهى. وهذا ما ظهر كذلك في مطالبات المحيسني المتكررة بتشكيل حكومة داخلية من الفصائل فحسب، فقد قال في شريط مصور له: "عجلوا بإعلان حكومة من داخل أرض الشام، حكومة من بين الدماء" انتهى. وقال في تغريدة بتاريخ 29-11-2015م بعد أن نقد المشاريع السياسية (في الخارج): "أما الحل باختصار: هو تشكيل حكومة من الداخل السوري تلتزم بتحكيم شرع الله تجتمع عليها الفصائل وينبثق منها جيش يلم جميع المقاتلين على الأرض" انتهى. وجميع هذا لا يقصد به السياسيون الذين تخونهم النصرة وتطعن فيه فحسب، بل يشمل كل من خالفها من الجهات الثورية، والشرعية التي شاركت بالثورة في أعمال غير قتالية، أو من بقي خارج سورية لظروف مختلفة. وعلى هذا المنوال يمكن عقد المقارنات بين خطة النصرة –والجماعات (الجهادية) عمومًا- وبين خطة (إدارة التوحش)..
الأمن والاستقرار عدو مشروع الإمارة! مع ما في خطة (إدارة التوحش) من انحراف وأخطاء شرعية ومنهجية وواقعية كبيرة، إلا أن قمة الجنون تبلغ فيما تضمره للشعوب المسلمة من جرٍ وتوريطٍ وإرغام على خوض حرب كونية شاملة لإسقاط (نظام الطاغوت) عبر عمليات تفجيرية في مناطق مختلفة من العالم، والتي يكون الناس فيها جنودًا، أو (ترسًا) يجوز قتلهم أثناءها(3)! كما سبق. لكن هذا الجنون في (إدارة التوحش) لم ينفرد به أبو بكر ناجي، بل كان من أهم المصادر التي استقى منها خطته هو عمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني)، أحد أهم المراجع العلمية لجبهة النصرة ومستشاريها ومفتيها، والذي وصفه العريدي كبير شرعيي النصرة بأنه من مجددي الزمان، فقد قال في إصدار (التوحش الكلي والجزئي، وارتباطهما بمفهوم الدار والدولة) شارحًا لجانب من هذه الخطة، ومبينًا ما يجب على المجاهدين أن يعملوا به لإقامة دولة الإسلام، وفائدة الفوضى لهذا المشروع، وضرر الأمن والدولة المستقرة عليه: "الذي يكرهه البعض هو الخير لنا. أي سقوط المركزية لهذه الدول وتحولها إلى حالة توحش جزئي. وفي هذه الظروف نحن نعيش ونحقق وجودنا وأعمالنا. وأما ما يسمونه بالأمن والآمان فهو فيروس قوتنا أي الذي يخرب علينا... فكلما سقطت مركزية الدولة نشطنا وعملنا... هذا المعنى يلتقي مع مفهوم الدار أكثر من مفهوم الدولة، لأن الدولة كيان رسم على أساس الاستقرار والدار كيان رسم على أساس الجهاد الذي يخرب مفهوم الاستقرار عندك وعند الخصم. المهم أننا لن نستطيع أن نحقق زوال دولة يهود إلا من خلال مفهوم الدار، أي إبعاد مفهوم الدولة... مفهوم الدولة المعاصر يحقق للعدو ساحة القتال الملائمة له... لا بد من بناء كياننا السياسي بما يحقق لنا أهدافنا، وأول الوسائل هو إسقاط مفهوم الأمن والآمان، لأنه يعني مركزية الطاغوت. فيصبح لدينا مساحة تسمح لنا بالتحرك وإنهاك الخصم... لكن تنبه: إن أهم ما قلته أن نصرنا اليوم بإسقاط مفهوم الأمن والآمان، أي صناعة الفوضى" انتهى. ويتضح من كلام عمر عثمان (أبو قتادة الفلسطيني) إضاءة لكثير من التساؤلات التي سبق الحديث عنها في كلام الجولاني، وخاصة سبب اختيار الإمارة التي تعني إدارة مؤقتة للمنطقة لا إقامة دولة مستقرة، وعدم اعتبار إسقاط النظام هدف هذه الإمارة الأساس بل التوجه لخارج الحدود لتنفيذ مشاريع معينة بمجرد إيجاد أرضية للتحرك، وسبب غياب الحديث عن عودة المهجرين، وإعادة الإعمار، وغير ذلك في مشاريع جبهة النصرة المطروحة.. إذ المشروع الآن هو مشروع هدم دولة، ثم الانتقال لدول أخرى لهدمها وإسقاطها، انتظارًا لإسقاط الشيطان الأكبر (دولة المركز) أمريكا، ثم يحدث (الفتح) وتقام دولة الإسلام،، وكل ما قبل ذلك هو مشاريع مؤقتة لا يصرف فيها إلا الضروري لتقوية المشروع ودعمه فحسب.. فهل هذا العبث هو نهاية مشروع النصرة الذي يحاول الجولاني ومن معه الذهاب بالشعب السوري إليه؟ وهل يعي العديد من صغار قادة النصرة ما يخطط لهم؟ بل هي يعي جنود جبهة النصرة أنَّهم لا يقاتلون لإقامة دولة، ولا لمستقبل مستقر، وإنما دوامة هدم وتدمير لا نهاية لها؟ وأنهم مجرد أرقام وأدوات فيها؟ وأخيرًا: فإذا كان الجولاني قد سار على خطى من قبله حذو القذة بالقذة، وكرر أفعالهم، وأعاد تدريس مناهجهم الشرعية الغالية: فهل يتوقع نتيجة مختلفة عن مصيرهم؟ وما هو الشيء الذي توخى "الأخطاء التي وقع فيها التيار الجهادي"؟ إلا أن يكون "في طرح المنهاج في كل التفاصيل"!!.
يتبع،،،
---------------- (1) من الأمثلة على ذلك أن جيش الفتح لما أعلن عن توجهه لمدينة حماة، وكثر الاعتراض على هذا التوجه لما سيسببه من تدمير لمدينة آمنة نسبيًا، ومآسٍ كبيرة، ونزوح لعشرات الآلاف، وازدياد المعانة، مع وجود مناطق عسكرية أولى بالتوجه لها، أسرَّ بعض من كان يحضر جلسات التحريض والحث على ذلك بأن هدفهم إنقاذ الناس من حكم الطاغوت، وإخراج الناس إلى حكم الشرع! وأن ما سيحصل من دمار وقتل وتشريد لا يقارن بهذه المصلحة! (3) ينظر على سبيل المثال كتاب "التترس في الجهاد المعاصر" لأبي يحيى الليبي، والتي جعل فيها جميع المسلمين في جميع بلاد العالم ترسًا لهذه الجماعات يجوز استهدافهم في أي مكان كانوا: بيوتهم، أسواقهم، أعمالهم، مدارسهم ...إلخ؛ لزعم زعم ضرب أعداء الدين من المحتلين أو (المرتدين)، فضلاً عن (المرتدين) والكفار الأصليين!
نور سورية
إبراهيم الحقيل
محمد لافي
عباس شريفة
فايز الصلاح
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة