حسين. ع
تصدير المادة
المشاهدات : 5426
شـــــارك المادة
لطالما أعلنت الولايات المتحدة أن "مصالحها القومية" هي المحرك الأول لسياساتها. لكن سوريا تبدو استثناء، إذ إن السياسة الأميركية تجاه الثورة السورية ضد بشار الأسد في بداية الأمر، ثم الحرب التي شنها الأسد على شعبه فيما بعد، تبدو أكثر ارتباطا بالصورة التي رسمها لنفسه الرئيس الأميركي باراك أوباما منها إلى المصالح الأميركية.
ومنذ الأسابيع الأولى للثورة السورية، التأم فريق أوباما بمشاركة أركانه من أمثال مسؤول الشرق الأوسط السابق في "مجلس الأمن القومي" ستيف سايمون (الذي كتب في صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع أن "على أمريكا أن لا تحارب الأسد"). حينها، قرر الفريق الرئاسي الأميركي أن سوريا "ليست في صلب المصالح القومية للولايات المتحدة".
ويمكن تلخيص السياسة الأميركية تجاه سوريا، منذ ذلك الوقت، في محاولة أوباما الحفاظ على صورته رئيساً حكيماً، خصوصا في السياسة الخارجية، لا يقحم بلاده في صراعات حول العالم، بل يحرز الانتصارات بحكمته وسداد قراراته واعتماده الدبلوماسية دون سواها.
وعلى مدى العامين الماضيين، قدم أوباما رؤية مفادها أنه على عكس ما يعتقد كثيرون، فإن روسيا وإيران ضعيفتان في سوريا، وأن وقف الحرب السورية هو في مصلحة هاتين الدولتين، ما يعني أن كل ما على أوباما فعله هو انتظار اتصال من موسكو أو طهران تعلنان فيه قبولاً غير مشروط لحل سياسي في سورية يكون بمثابة مخرج لهما من المستنقع العسكري هناك.
الصيف الماضي، قال أوباما إنه تلقى اتصالا من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وإن مبادرة الرئيس الروسي كانت تعكس خوف موسكو من قرب انهيار قوات الأسد، وهو ما دفعها إلى محاولة إنقاذه بالاتصال بواشنطن.
بعد الاتصال بأسابيع، زار بوتين نيويورك للمشاركة في الأعمال السنوية للجمعية العامة في الأمم المتحدة، وأراد لقاء ثنائيا مع أوباما للحديث حول سوريا، لكن أوباما اعتقد أن بوتين يحاول التواصل معه من موقع ضعف، فلم يولَ الرئيس الأميركي سعي نظيره الروسي للقاء اهتماما يُذكر. ولم يكد بوتين يعود إلى بلاده حتى شنَت روسيا حربها الجوية المدمرة على السوريين.
هذا الأسبوع، تحادث أوباما وبوتين هاتفيا حول تطبيق اتفاقية "وقف الأعمال العدوانية" في سوريا، ولم يفت البيت الأبيض أن يشير، في بيان، إلى أن بوتين هو من بادر إلى الاتصال، في تكرار لتصور أوباما أن روسيا تغرق في سوريا، وأنها تتصل بأميركا كي تستجدي مخرجاً سياسياً يحفظ لها ماء الوجه.
لكن ما فات أوباما أن مبادرة بوتين للاتصال هذه المرة، بعدما حولت مقاتلاته سوريا إلى ركام، يختلف عن المرة التي أراد فيها بوتين دفع الكأس المرة عن حليفه الأسد. ولم يتنبه أوباما أنه لو كان بوتين يعتقد نفسه يستجدي رئيس أميركا، لما اتصل بسلسلة من زعماء الدول المعنية بسوريا، بعد اتصاله بأوباما.
بوتين يرى نفسه مهندس الحرب السورية وكيفية إنهائها، وهو يعتقد -ربما محقا- أنه يتصل بأوباما لإبلاغه حول كيفية تطبيق الهدنة الجزئية، وفقط، إن تم تطبيقها. ثم إنه باتصاله بأوباما والزعماء الآخرين، يرسل الرئيس الروسي رسالة مفادها أنه يساوي بين واشنطن وعواصم العالم، ولا يولي أميركا الأهمية التي ينظرونه بها إلى أنفسهم.
كل رسائل بوتين فاتت أوباما، أو أن الأخير فهمها وأصرّ على تجاهلها، فسياسة أوباما حوّلت أميركا إلى متفرج في الأزمة السورية، وحولت وزير خارجيتها جون كيري إلى ساعي بريد بين الأطراف المتحاربة. لكن غرور أوباما يدفعه إلى التمسك بالصورة التي رسمها لنفسه وللأميركيين، والتي يريدها أن تبدو وكأنها محور العالم، وأن الحلول تمّر عليها حتى ولو انكفأت على نفسها.
أما الواقع، فهو أن سوريا وحربها تجاوزت أوباما، وأن كل توقعاته السابقة حول ما سيجري في سوريا خابت، وأن خيبته كلفت السوريين، ومازالت تكلفهم الكثير.
قد يحاول أوباما تصوير نفسه حكيماً في التعاطي مع سوريا، لكن السوريين سيتذكرونه كمتواطئ، وسيتذكرونه رئيسا مغرورا أجبره غروره على تصديق روايته والتمسك بها، حتى بعدما خابت كل توقعاته وتحليلاته للصراع السوري.
العصر
معاذ عبد الرحمن الدرويش
عمر كوش
حسان الحموي
زهير قصيباتي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة