عبد العزيز الحاج مصطفى
تصدير المادة
المشاهدات : 4088
شـــــارك المادة
كثيرة هي الثورات التي شاهدها العصر الحديث في العالم، وكثيرة هي الانتصارات والانكسارات التي شاهدتها تلك الثورات، و كثيرة هي الثورات التي وُئدت قبل أن تولد فعفّى عليها الزمان، ولم تذكر بلسان. ذلك أن للشعوب خصائص و ميزات، ومن أهمها: القدرة على انتزاع الحقوق من مغتصبيها، وعدم الرضوخ لظالميها، والاستعداد للتضحية من أجل حريتها وكرامتها. والشعب السوري واحد من أولئك الذين يملكون كل هذه الخصائص، و يزيدون عليها بخاصية الإيمان الفطري، الذي ترجح كفته كل ما ذكر، و بوازع الأصالة التي تجعله أكثر التزاماً وقدرة في مواجهة الظالمين من حكامه. و لعل هذا هو الذي شجع على قيام الثورة السورية، و عمل على إدامتها رغم كل ما تواجهه من مخاطر أو تحديات. ومن تلك المخاطر والتحديات النظام الطائفي الذي يتسلح: أولاً- بالجيش و القوات المسلحة، و هو يعد من أكثر جيوش المنطقة عدداً، و عتاداً، و عدة؛ فضلاً عن بنيته، وقد أريد له أن يكون جيشاً طائفياً مهيئاً لخدمة أهداف طائفية بحتة تخلو من القيم الوطنية و تتعارضا معها. ثانياً- الأجهزة الأمنية التي تجاوز عددها سبعة عشر جهازاً في سورية. وقد أنشئت لغرض مراقبة الواقع الاجتماعي السوري، و لضبط الحراك فيه، و هي تعمل جاهدة من أجل بقاء النظام، ومن أجل حفظه، وحفظ رموزه، وحفظ مصالحه وسياساته. ثالثاً- بالحزب، والمؤسسات الحزبية البعثية والرديفة، وما أكثر تفرغاتها وهي جمعيها تعد رديفاً سلطوياً مطوعاً لخدمة النظام، وللدفاع عنه بصرف النظر عن الصح و الخطأ في ممارسات ذلك النظام، وفي سياساته المختلفة التي تعارضت وتتعارض مع المبادئ الوطنية والقومية، ومع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف. رابعاً- بالتحالفات السياسية التي برع النظام في عقدها سواء أكانت داخلية أم خارجية. ومنها: تحالفه مع ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية ومع المكونات الطائفية العرقية والدينية.( داخلياً) ومع إيران والميليشات الشيعية في لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن(خارجياً)، و حيثما وجد النفس الطائفي. وقوة النظام هذه، تجعلنا و نحن نلقي النظرة على الثورة السورية وعلى مسارها الطويل، وقد شارفت على سنتها السادسة، نستشعر ما هي عليه من قوة، وقد استطاعت: أولاً- أن تقضي على أسطورة الجيش الذي كان يعد بنظر بناته الجيش الذي لا يقهر، وأن تفككه وتسقط هيبته. ثانياً- أن تفكك الأجهزة والدوائر الأمنية والاستخباراتية، وأن تسقط هيبتها، من عين رجل الشارع الذي كان يرتجف خوفاً منها. ثالثاً- وأن تجعل من الحزب وكوادره ومؤسساته بناءً مهلهلاً. وقد التحق أكثر أعضائه بالثورة وراحوا يكفرون عن ذنوبهم بالأفعال الثورية المشرفة. رابعاً- وأن تواجه النظام وتحالفاته. وليس أكثر من تحالفات النظام سيما أن الدوائر الصهيونية والاستعمارية بعامة تقف إلى جانبه وتدافع عنه. والمواقف الدولية من الثورة السورية اليوم تثبت صحة ذلك، وبناء على ما تقدم نقول و من وجهة نظر موضوعية جداً: إن الثورة السورية- وبكل المقاييس- ثورة سورية، وطنية وقومية ودينية . فهي (وطنية) كونها تنشد الخلاص لشعب سورية العظيم، المبتلى بالنظام الأسدي، الذي حول سورية إلى مزرعة لبيت الأسد حيث يحتقر فيها الإنسان، و يذلّ و يستعبد. وهي (قومية): كونها تنشد الخلاص من التجزئة القومية التي فرضتها عليها القوى الاستعمارية الغاشمة مع مطلع القرن العشرين، وتتطلع إلى جامع يجمع أمة العرب على أساس من حاضرها وتاريخها المجيد، وبما يضمن عزها وتقدمها، ومكانتها المرموقة بين الشعوب. وهي (دينية): كونها تنشد الإسلام السمح، الذي من شأنه أن يؤاخي بين الشعوب، ويزيد من قوتها، في مواجهة نشاز الرؤى الذي بات يهدد الأمن والسلام الذي ينشده الناس جمعياً وفي كل مكان. إنها والحق يقال: ثورة مقدسة بصرف النظر عن الاختلالات والممارسات، وهي المخلص المنتظر من مخاطر كثيرة، قد يكون أهمها: آ- ( المخاطر القومية): إذ إن من الأهداف الإيرانية استبدال الهوية العربية بالهوية الإيرانية الفارسية، وذلك بعد القضاء على الثورة السورية، وبعد تحويلها إلى ولاية إيرانية، و حضور الميلشيات الشيعية على الساحة السورية واستبسالها في الدفاع عن النظام يؤيد ذلك. ب- (المخاطر الدينية): والمعروف أن من أهداف دولة ولاية الفقيه الشيعية، القضاء على أهل السنة والجماعة، وفرض التشيع بالقوة المسلحة، كما حدث في إيران زمن الشاه إسماعيل الصفوي. ج- ( المخاطر الشخصية) إذ إنه في حين تمت، هيمنة الشيعة على سورية فسيكون المواطن السوري مواطناً فاقداً لحقوقه الوطنية والقومية والدينية كالمنبوذين أو الأخدام. أو على أقل تقدير، كالشعوب الإيرانية غير الفارسية مثل العرب والكرد والبلوش، والعالم كله يعرف حجم انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. وهذه المخاطر الثلاثة( القومية و الدينية و الشخصية) هي التي تجعل الثورة حتمية، وتجعلها مقدسة بالرغم مما شابها أو يشوبها الآن من شوائب، وقد كثر دخنها أو داخلتها الاختلالات، حتى كادت حقائقها أن تُعمَّى على المشاهد الحاذق، كما أن استمرارها يعد قدر السوريين بالرغم من عمق الجراح، وكثرة القتل، وأن هذا القدر هو الذي سيجعل نصرها حتمياً، مهما طال الزمن وامتد، ومهما كثرت القوى المتألبة ضده، حتى و لو أضعفت في العدد إلى أضعاف ما هي عليه الآن.
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
حسين عبد العزيز
سامر أبو رمان
سعد محيو
أحمد الريسوني
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة