محمد مشموشي
تصدير المادة
المشاهدات : 3113
شـــــارك المادة
لا تريد روسيا، بحملتها الحربية الواسعة على مدينة حلب وريفها، أن تضاعف أوراقها التفاوضية في «جنيف 4» لدى استئنافه في 25 شباط (فبراير)، أو أن تحسن موقفها فيه فقط، كما قد يظن البعض، ولا أن تنطلق من التغيرات التي تحدثها على الأرض لتخاطب واشنطن، كما فعل وزير خارجيتها سيرغي لافروف، بالقول إنه باتت لدى موسكو «خطة محكمة» للحل في سورية، ولا حتى أن تدعي بعد ذلك كله أن قواتها حققت انتصاراً مبيناً ضد الإرهاب وتنظيم «داعش»، وفق المقولة التي أشاعتها عندما أرسلت مقاتلاتها وصواريخها ودباباتها إلى طرطوس واللاذقية في أيلول (سبتمبر) الماضي. لا يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما تشير حربه هذه، في شيء من ذلك حالياً ولا ربما في المستقبل أيضاً، وإن كان يعنيه استمرار ضياع البعض في تحليلاته عن نياته الفعلية. فهذا أعطاه من قبل، ويعطيه الآن، المزيد من الوقت لمواصلة العمل على تنفيذ خطته الخاصة، ليس فقط في سورية وما بعد الحرب فيها، انما أيضاً في المنطقة كلها، فضلاً عما قد يكون لديه من «تفاهمات» عقدها في السابق أو يمكن أن يعقدها مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. ذلك أن بوتين استطاع، أقله حتى الآن، «بيع» تدخله في سورية تحت قنابل دخان ذهب بعضها إلى أن هذا التدخل سيؤدي في النهاية إلى حل سياسي للحرب وإنهاء مأساة الشعب السوري. لذلك، فهو يبدو مرتاحاً كلما شاع الظن بأنه لا يفعل في حلب حالياً سوى ما فعله من قبل في دمشق واللاذقية ودرعا، وأنه إنما يسعى فقط لإعادة التوازن الميداني على الأرض بين النظام والمعارضة تمهيداً للحل السياسي من جهة، ومحاربة الإرهاب وتنظيم «داعش» ومنعهما من الانتقال إلى داخل بلاده من جهة ثانية. وليس خافياً أن بوتين نجح في تسويق مثل هذه الصورة إلى حد ما، وقد انطلت لعبته على كثيرين، بمن في ذلك كاتب هذه السطور الذي ظن لفترة أن التدخل الروسي يستهدف إنقاذ سورية وليس إنقاذ نظام بشار الأسد. وقد لا يكون بعيداً عن ذلك بدوره، ما سمعه ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة من بوتين شخصياً قبل أيام في موسكو، وكانت نتيجته تصريحاً علنياً من وزير خارجيته الشيخ خالد أشاد فيه بالدور الذي يلعبه بوتين وقواته المسلحة في سورية. لكن الواقع يختلف عن ذلك جذرياً، أقله كما تقول الحرب الحالية في حلب. ففيما وجهت هذه الحرب ضربة قاسية لقوات المعارضة في المنطقة، وهجرت نحو مليون مواطن إلى الداخل السوري والحدود مع تركيا، رافقها عملياً حدثان بالغا الدلالة: أولاً، تحرك ما يسمى «قوات حماية الشعب الكردي» التي لا تخفي نواياها الانفصالية (أو إقامة حكم ذاتي على الأقل) لاحتلال المواقع التي أخلتها المعارضة، في وقت واحد وجنباً إلى جنب مع «الحرس الثوري الإيراني» والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية وما بقي من قوات الأسد. وثانياً، تسريب أنباء عن توجه قيادة القوات الكردية هذه إلى فتح مكتب تمثيلي لها في العاصمة الروسية. ولا يتعلق الأمر هنا، كما قد يبدو في الظاهر، بـ «الحرب الباردة» الناشبة بين موسكو وأنقرة منذ قيام المقاتلات التركية بإسقاط الطائرة الحربية الروسية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في ضوء العداء المعلن بين تركيا و «قوات حماية الشعب الكردي»، ولا حتى بتعظيم شأن زعيم هذه القوات، الأمين العام لـ «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم، وترقيته إلى عضوية وفد المعارضة في المفاوضات، بعد أن حالت تركيا وائتلاف قوى الثورة والمعارضة دون ذلك في «جنيف 3». الأمر أبعد من ذلك، وهو يتصل مباشرة بالتطهير العرقي الذي بدأه النظام في الزبداني ومضايا، كما يواصله في الحصار الذي يفرضه على أكثر من مدينة وبلدة وقرية، تكريساً لما سماه «سورية المفيدة» التي تمتد من دمشق إلى اللاذقية عبر الشريط الحدودي مع لبنان. وإذا كان الفرز السكاني هنا يرمز الى «الدويلة العلوية»، فهو في ظل ما يجرى في حلب وريفها (فضلاً عن الممثلية المقترحة في موسكو) إنما يشير إلى «الدويلة الكردية» وليس إلى أي شيء آخر. كذلك، اذا كان عنوان كل من «داعش» و «جبهة النصرة» معروفاً للجميع، الأول في الرقة امتداداً الى الحدود الشرقية مع العراق، والثانية في إدلب وجوارها، فماذا تعني الحرب التدميرية التي تشنها القوات الروسية في حلب فيما تردد قيادتها في موسكو أنها تحارب الإرهاب؟ بل أبعد، ألا يعني هذا أن ما يقال عن «دويلة داعش السنية» التي يمكن أن تقام شرق سورية ووسطها هو في ذهن بوتين كذلك؟ الحال أن علامات التعجب التي أثارتها «سياسات» موسكو السورية، منذ «جنيف 1» الذي افترض هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة ثم التراجع عنه، وبعده «موسكو 1» ثم «موسكو 2» مع ما صاحبهما من مد وجزر حول ممثلي المعارضة، وصولاً إلى «فيينا 1» و «جنيف 3» وما رافق هذا الأخير من حرب مدمرة لحلب وريفها، ليست مما يجوز فصله عن اتفاقية «الاحتلال المعلن» التي وقعتها حكومة روسيا مع الأسد... وبادرت إدارة بوتين (من دون دمشق، كما تفترض الأصول) إلى نشرها كاملة على الملأ. من يومها، يمكن القول، بدأت موسكو سياسة أكثر جذرية من تلك التي دخلت سورية على أساسها: سياسة دولة تحتل دولة أخرى، من خلال اتفاقية بينهما، وترفض أن يشاركها أحد هذا الامتياز. وقد لا يكون مبالغاً به النظر إلى عملياتها العسكرية، كما إلى مبادراتها للتسوية السياسية، من زاوية تقسيم الدولة المحتلة إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية.
الحياة اللندنية
علي حماده
برهان غليون
خالد الحروب
ياسر الزعاترة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة