ميشيل كيلو
تصدير المادة
المشاهدات : 5362
شـــــارك المادة
ظلت الثورة التونسية، من بداياتها وحتى انتصارها، محكومة بعلاقات قوى وتوازنات داخلية حدّاها الرئيسان: النظام والشعب. وبقيت الثورة المصرية محكومةً، هي الأخرى، بالوضع الذي نشأ بعد قيامها بين نظام حسني مبارك والشعب. في هاتين الحالتين، انحكمت الأدوار الخارجية بالمعادلة الداخلية، فالشعبان التونسي والمصري لم يواجها قوى أجنبية جعل تدخلها إلى جانب نظاميهما منها طرفاً داخلياً، يقاتل الثورة وكأنها قامت ضده وفي بلاده، ولم ير في الثورة جهة تجب مساندتها لأسبابٍ تتصل بمصالحه وحساباته، كما حدث في ثوراتٍ كثيرة، أيدتها قوى خارجية، أو ساندت النظام الذي استهدفته. في الحالة السورية التي تفوق، في منطوياتها ودلالاتها، ما عرفته الحالتان التونسية والمصرية، تبدو الثورة وكأنها لم تستهدف نظام الأسد وحده، بل استهدفت كذلك النظامين، الإيراني والروسي، اللذين سارعا إلى مواجهتها، وكأنهما قوتان داخليتان سوريتان، سيتعين مصيرهما بنتيجتها، وليستا قوتين أجنبيتين، تظلان، في جميع الأحوال، برانيتين بالنسبة إليها. على عكس ما حدث في ليبيا، حيث حسم التدخل الخارجي الصراع لصالح الثورة، تدخلت روسيا وإيران في سورية ضد الشعب والثورة، لتحسما الصراع لصالح النظام الذي كانت إيران قد دمجته في كيان إقليمي، انضمت روسيا إليه، أشرف على سياسات النظام، وزج قوة متفوقة في مواجهة الثورة، بدل من خلالها بنية علاقات القوى الداخلية والإقليمية والدولية، وهويتها كعلاقات تراجع طابعها الداخلي، وصار حدها الأول النظام وإيران وروسيا. والثاني شعب سورية الذي وجد نفسه أمام معادلاتٍ تتحدّى قدراته، وجعلته عاجزاً عن إنزال الهزيمة بأعدائه، فاقم مصاعبه تدخلهم على مراحل، وزجهم في كل مرحلةٍ منها قوى جديدة بأسلحة جديدة، قاتلت قواه المستنزفة والمنهكة التي لن تتكيف استراتيجياً وتكتيكياً مع الواقع القائم. بعد الغزو العسكري الروسي لبلادنا، انهارت علاقات القوى التي حدّدت هوية الصراع ومنطوياته، وصار الصمود في المعركة مرتبطاً بإعادة هيكلة تنظيمات المقاومة من جهة، وبإمدادها بما يمكّنها من مواجهة الغزاة، من خلال أساليب في الحرب، تحيّد تفوقهم، وتكبّدهم خسائر لا قبل لهم بتحملها. على الرغم من تحول الإيرانيين والروس إلى قوة داخلية، تقاتل الثورة أكثر مما يقاتلها الأسد، بقيت القوى الداعمة لها خارجية الدور والوظيفة، وفشلت في تقديم العون القادر على مواجهة التصعيد المعادي واحتوائه. مع انهيار قوى النظام، لم يعد الخارج يسانده فحسب، بل صار الطرف الذي حمل أكثر فأكثر عبء الحرب ضد السوريين. حدث هذا أول مرة عام 2012، وأدى إلى غلبة دور إيران على دور الأسد في الحرب. وحدث ثانية نهاية عام 2015 ، واستوجب غزواً عسكرياً روسياً مباشراً وشاملاً لبلادنا، تهمش معه دور جيش النظام، وصار قريباً من الصفر. بينما عجز نمط التنظيم الفصائلي المتخلف الذي تتبناه قوات المقاومة عن مواجهة انهيار موازين القوى، وزادت من عجزه انقسامات هذه الفصائل، وتخلف سلاحها وقلته، بالمقارنة مع أسلحة أعدائها. تتراجع، في وضعنا الراهن، فرص انتصار الثورة، وتمس حاجتها إلى استراتيجية واقعية، تحكم نضالها وخياراتها. لكن هذه الفرص ستتقدم، إذا ما توفر لها قدر من القوة، تستطيع به تحييد الخصم أو التفوق عليه. بغير ذلك، وبسبب تشابك وضع الثورة مع الوضعين، السعودي والتركي، ستتخطى مخاطر علاقات القوى القائمة الداخل السوري، وستهدّد، بصورة مباشرة، السعودية وتركيا، وستلعب فيهما الدور الذي لعبته ضد بلادنا، لكنها ستضعه في خدمة قوى الفوضى التي ستتحرك ضدهما. هذا الوضع العسكري العدواني، بتراتبه الداخلي/ الإقليمي/ الدولي، وبدوره المحلي المرشح لأن يتحول إلى دور عربي/ إقليمي معاد للدولتين السعودية والتركية، سيحمي أي تمرد أو نظام موال لروسيا وإيران، بينما يمكن لأي اختراق داخلي تابع لهما، تحدّي أي نظام يعاديانه وقلبه. تشهد سورية صراعاً هو لحظة مفصلية في حياتنا ووجود دولنا، في ما يخص منطوياته الداخلية وأبعاده الخارجية. وككل لحظة مفصلية، سيكون ما بعدها مغايراً جذرياً لما قبلها. الويل للغافلين الذين يستهينون بمخاطر هذه اللحظة، أو يتعاملون معها بطرقٍ عفا عليها الزمن.
العربي الجديد
غازي دحمان
عبد الباسط سيدا
عبد الوهاب بدرخان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة