..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سبب الصدام بين النصرة وأحرار الشام

مجاهد مأمون ديرانية

٢٤ يناير ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3541

سبب الصدام بين النصرة وأحرار الشام
+ احرار الشام.jpg

شـــــارك المادة

سيقرأ القراء في هذه المقالة غيرَ ما يقرؤونه في الأخبار، فإنّ لرواة الأخبار تفسيرَهم لما شجَرَ بين النصرة والأحرار اليوم في حارم وسلقين، ولي رأي غير الرأي الذي يَرَون. هم سيتحدثون عن "السبب المباشر" وأنا سأتحدث عن "السبب الحقيقي"، السبب الذي سيبقى الصدامُ كامناً ومرشَّحاً للعودة والتفاقم ما لم يعالَجْ معالجة حقيقية وتُستأصَلْ أسبابُه من الجذور.

قد يكون السبب المباشر هو اعتداء جبهة النصرة على مقر الأحرار في البلدة، وليس هذا بالأمر الجديد، فإن فصيلاً في الثورة لم يَنْجُ من اعتداء النصرة إلى اليوم، وقد سقط ضحيةً لعربدتها ثلاثة عشر فصيلاً من الفصائل الثورية، والعدد مرشح للازدياد.

هذه كلها مظاهر وأعراض للمرض الفتاك، فإذا عالجنا العرَض ولم نستأصل جرثومة المرض عاد أشدَّ وأفتكَ ممّا كان. وما جرثومةُ المرض وما سببُه وأصله؟ إنه المشروع الخاص الذي تحمله النصرة وتسعى إلى فرضه بالقوة والتغلب على الشام وأهل الشام وفصائل الشام، ولن يمنع الصدامَ بينها وبين الأحرار في قادمات الأيام إلاّ واحدٌ من حلّين: أن تتخلى جبهة النصرة عن مشروعها الخاص وتنصهر في المشروع الثوري العام، أو تتخلى حركة أحرار الشام عن مشروعها الذي اختارت له منهج الدعوة والإصلاح، وتندمج في المشروع القاعدي الجَبْريّ الذي تحمله جبهة النصرة وتسعى لفرضه على أهل الشام.

*   *   *

هذا هو السبب الرئيسي، وثمة سبب آخر يتبع هذا السبب وينبع منه، وهو أن النصرة تقوم على أطماع إمبراطورية يحملها في نفسه ملثّمٌ مجهول يحلم بالوصول إلى ذُرى المجد والسلطان، في حين تقوم حركة أحرار الشام على التضحية وإنكار الذات.

ولقد عرفتُ ثلّة من قادة الحركة، مَن مضى منهم إلى لقاء ربه ومَن خلفهم بخير، فوجدت منهم تواضعاً وتحامياً عن المناصب والمسؤوليات، ولم أجد عند أحد منهم جنون العظمة وروح الوصاية التي وجدتها في كل لقاء مسجّل مع رأس النصرة، ولا وجدت عند أي منهم الكِبْرَ والإسفاف والجنون الذي وجدناه في كتابات المرشد الروحي الذي سلّمته النصرة أخطر منصب فيها: المعاهد التعليمية التي تصوغ عقول عناصر النصرة وتحولهم إلى مكفّرين محترفين.

لقد اختارت حركة أحرار الشام الانتماء إلى الأمة والوقوف مع الشعب الحر المظلوم ولم تفرض نفسها عليه بالقوة والسلطان، واختارت جبهة النصرة أن تحكمه وتتحكم في حياته، ففي شرعها يحق لسموّ الأمير أن يحدد لون الرداء الذي ترتديه المسلمات في الطرقات، ويجوز لجناب السلطان أن يطّلع على كل منشور يكتبه رعاياه فيجيز منها ما يرضاه ويمنع ما يأباه.

في هذا الشرع لا يجوز أن يقول أحد "لا"، فإن قالها مدني ضعيف أعزل سيق إلى الاعتقال والتعذيب، وإن قالها فصيل صغير حُكم عليه بالردة والعمالة وابتُلع في ليلة ظلماء، وإن قالتها حركة أحرار الشام فالصدام آت لا محالة. وكل من يقف في طريق المجاهدين فهو خائن عميل، وفي الدُّرْج من وثائق الاتهام ما يكفي الجميع.

*   *   *

سيهبّ فريق من مطفئي الحرائق لمحاصرة الفتنة التي وقعت اليوم في إدلب، وعملهم طيب يُشكَرون عليه، وهو جهد مطلوب الآن وفي كل آن، فإن الصدام بين المجاهدين كارثة على الثورة لا يكاد يستفيد منها غير الأعداء. ولكن ليسمعوا هذا الرجاء: لا تخيطوا الجرح على القيح ولا تدفعوا المشكلة إلى الأمام، فإن دفعها لا يحلّها بل يزيدها سوءاً. لا تعالجوها معالجة سطحية بتبويس اللحى والشوارب وتغفلوا عن الأسباب الحقيقية الكامنة التي ستعيد إشعال فتيل النار.

أطفئوا نار الفتنة واسحبوا فتيل الاشتعال والاقتتال، ولكن اهتمّوا قبل ذلك وبعده بعلاج أصل المشكلة واستئصال جذرها الملعون. لا تسمحوا باثنتين: بغي أو تغلّب، فإنهما طريق داعش الذي أورثنا الدمار والخسار، وهو طريق الجبابرة والطغاة على مَرّ الدهور والأزمان.

*   *   *

أخيراً أناشد إخواني وأبنائي من مجاهدي النصرة: كونوا مجاهدين صادقين ولا تكونوا قَتَلة معتدين، وإذا دفعكم قادتكم إلى قتال إخوانكم المجاهدين بأي ذريعة، مجاهدي الفصائل والجيش الحر على السواء، فقولوا بالصوت العالي: "لا". وإذا خيّروكم بين القتل والقتال فليكن أحدُكم عبدَ الله المقتول ولا يكن عبد الله القاتل، فقد دُفع في هذا الطريق قبلَكم من كان صاحب نيّة صادقة من مقاتلي داعش فقَتلوا المسلمين، فحبطت أعمالهم وحكموا على أنفسهم بالورود على النار، وبئس الوِرْد المَورود.

 

 

الزلزال السوري.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع