..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

تعقيباً على ما جاء في المؤتمر الصحفي لقائد جبهة النصرة أبي محمد الجولاني

حسام طرشه

٢٧ ديسمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6242

تعقيباً على ما جاء في المؤتمر الصحفي لقائد جبهة النصرة أبي محمد الجولاني
57407-.jpg

شـــــارك المادة

الحمد لله وكفى وسلامه على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فقد تابع الجميع بكل اهتمام المؤتمر الصحفي الذي عقده قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، فما من أحد يشك أن جبهة النصرة من الفصائل المهمة في الثورة، وتؤثر في مسار الثورة السورية وجهاد أهلها، كما أن لقائد جبهة النصرة كلمته التي تعبر عن مواقف تعود بأثرها البالغ على سوريا وأهلها سواء سلبا أو إيجاباً.
وقد تفاجأ الجميع بما جاء في المؤتمر، وقد آثرت أن أقوم بالتعليق على ما جاء فيه راجياً من الله سبحانه أن يكتب فيها النفع، والله من وراء القصد.
ابتدأ الأخ الجولاني المؤتمر بتوصيفٍ لمؤتمر الرياض، ربما يتفق معه في بعضه الكثير، إلا أن الملاحظ استغراق أبي محمد الجولاني في توصيف الداء والابتعاد نهائياً عن العلاج والحل.
مكتفياً بالحديث عما يراه حلّاً وحيداً ألا وهو الاستمرار في القتال!!
ولما وُوجِه بأن القتال لم يحسم الأمر بعد زهاء خمس سنوات من جهاد الشعب السوري وثورته، كان جواب الأخ أبي محمد: "تم تحرير (% 80) من الأراضي"!!
ولنا أن نسأل أبا محمد جزاه الله خيراً فنقول: كيف يصير 80% من أراضي سوريا محررة!
وعند التأمل نلاحظ الآتي:
1. لا تسيطر قوى الثورة ومن ضمنها جبهة النصرة إلا على أقل من 11.5% من الأراضي وقسم لا بأس فيه منها تحت الحصار الخانق والتجويع القاتل والقصف الذي يودي بحياة آلاف المسلمين والأبرياء!
2. أن المناطق المحاصرة والخطرة هي مناطق استراتيجية كريف دمشق والمنطقة الجنوبية وهي من أهم المناطق وأكثرها استراتيجية والوضع فيها مأساوي.
3. تتوزع سيطرة الغالبية العظمى أي ما يعادل 88% من الأراضي السورية على أعداء الثورة والجهاد الشامي (تنظيم البغدادي - قوات ypd الكوردية وأشياعهم - ونظام الأسد الطاغية)
وهؤلاء جميعاً لا يقل خطر أحد منهم عن الآخر، إلا إن كان الأخ أبو محمد الجولاني يرى "تنظيم البغدادي" حليفاً وصديقاً لجهاد الأمة وأهل الشام! والجواب حسب ظننا في إخواننا في النصرة أنه ليس كذلك؛ أم أن الزمان قد محا تراتبية الأحداث من ذاكرة أخينا أبي محمد غفر الله له!
4. تتصف المناطق التي يسيطر عليها أعداء الثورة والجهاد الشامي بالأهمية القصوى، فتنظيم البغدادي يسيطر على مناطق الثروة النفطية، والمنطقة الاستراتيجية "الرقة" التي تصل بين جميع المحافظات السورية بنفس الوقت وقد كان النظام يمهد فيها لتكون مركزاً للرافضة قبل قيام الثورة "خيب الله سعيهم".
وكذلك المناطق التي تسيطر عليها فصائل ypd الكوردية التي أتمت اليوم السيطرة على سد تشرين من أيدي تنظيم البغدادي وهو المصدر الأبرز للطاقة الكهربائية للرقة ومحافظة حلب.
وأما النظام فلا يزال يسيطر على أهم المواقع الاستراتيجية في سوريا (المنافذ البحرية ـ المدن الرئيسة الكبرى "حمص ـ حماة ـ مدن الساحل ـ والعاصمة دمشق ـ والمناطق الاستراتيجية على الحدود اللبنانية مع سوريا خلا جيوب صغيرة مهددة بالسقوط).
فعن أي إنجاز يتحدث الأخ أبو محمد الجولاني غفر الله له!
وهذا يعني أن المناطق التي تسيطر عليها قوى الثورة مخنوقة لا تملك مقومات قوة اقتصادية أو طبيعية أو موارد تؤهلها لكي تكون قوية في مواجهة الصعوبات، فالأعداء من الداخل والخارج كادوا للأمة من خلال إكساب السطحيين بعض القوة والسيطرة ليكتسبوا شعوراً صورياً بالتمكين ليس بحقيقي ولا جوهري.
5. وجود التنازع بين الفصائل الجهادية الثورية في مناطق سيطرة الثوار والمجاهدين، بسبب تصرفات الغلاة والمنبطحين على حد سواء، فأولئك بتخذيلهم وهؤلاء بغلوهم وفتهم في أي مشروع التئام لجسد الأمة الجريح، وما يخفى علينا الهجوم الأخير الذي تم على الفرقة الوسطى من قبل جبهة النصرة ومحاولة نهب سلاحها ومقراتها وأسر قادتها وأفرادها، لولا تدخل قيادة حركة أحرار الشام الإسلامية لوضع حد لذلك. فعن أي تمكين وعن أي سيطرة يتحدث أخونا أبو محمد الجولاني!!
حمل لقاء الجولاني تناقضات صارخة في بداية اللقاء تنبي عن حالة نفسية غير مستقرة لدى الجولاني، وقراءة متعثّرة للمشهد السوري والمشهد الثوري، على خلاف لقاءات سابقة كانت أقل اضطراباً ومن ذلك:
1. قرر الأخ أبو محمد الجولاني، أن مجرد حضور مؤتمر الرياض "خيانة كبيرة جداً". بل وأكد على ذلك عندما سئل سؤالاً استنكارياً عن هذا الاتهام، فكان جوابه بالقول: "من يضع نفسه في موضع الشبهات فلا يلوم إلا نفسه".
غير أنه في سؤال لاحق عندما قيل له بأن الفصائل لم تقبل بما ذكره من الخيانة قال: "أنا أقول إن هذا ما سيعرض فلو قبلوا بهذا فهو سيعتبر من الفصائل التي خانت دماء هؤلاء الناس".
ففي البداية مجرد الحضور خيانة، ثم تغير فصارت الخيانة يه القبول بالمخرجات التي تعتبر خيانة.
2. رفض الجولاني حضور مثل هذه المحافل والمؤتمرات حتى على صعيد المناورة السياسية والتمسك بالثوابت ورآها غير مبررة، إلا أنه دعا إلى العمل على إفشالها، وهنا يحق لنا أن نسأل وهل يجوز أن نفشل أي توجه في مثل هذه المؤتمرات نحو الخيانة من خلال حضورها بقوة وعدم السماح بأي خيانة قد تحصل!! وإن كانت قناعته بأن هذا غير مجدي وغير ممكن، فحريّ به ألا يفرض قراءته
وتحليله ونظرته على من يرى خلاف رأيه، وأن الميزان الذي يحتكم إليه الجميع هو الشورى الملزمة والكلمة الجامعة بلا تخوين وتشكيك وتعالٍ.
كانت الخطوط بين الشرعي والسياسي مشتبكة بطريقة عجيبة فعندما يبني الجولاني موقفه السياسي بهذا الإطلاق فهو بحاجة لا شك إلى شيء من توضيح أصول المواقف والتعريج على التجارب المشابهة كمواقف طالبان على سبيل المثال.
إن الأخ أبا محمد الجولاني بكل أسف يمنع توحّد الفصائل باتجاه قيادة للجهاد والنضال السياسي جنبا إلى جنب مع الجهاد القتالي.
تحدث الأخ أبو محمد الجولاني أنهم سيكونون جندا في سوريا لأي حكومة إسلامية تقيم تعاليم الإسلام "جملة وتفصيلا"!
وهذا يزحف دونه وهن المشيب على نضارة الشباب فشرط "جملة وتفصيلاً" الذي تحدث عنه الجولاني لم يتوفر إلا في العهد الراشدي فكيف لنا أن نختزل قروناً من التاريخ الإسلامي ونهدر السنن الكونية والشرعية للتمكين وقيام الدولة! فالخلافة التي بشرنا بها رسول الله عليه الصلاة والسلام "خلافة على منهاج النبوة "هل تحققت مقومات منهاج النبوة لتقوم الخلافة!
فهذا عمر بن عبدالعزيز وهو الخليفة الراشد وقائد الدولة يقول كما حكى الشاطبي في الموافقات أن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز قال لأبيه :
مالك لا تنفذ الأمور ؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق ،قال له عمر : لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعوه جملة ويكون من ذَا فتنة"
ولم أعرف أن دولة إسلامية تحكم بالشريعة يمكن أن تقيم تعاليم الإسلام جملة وتفصيلا، بل حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا قال له: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ويذكرني كلامه بكل أسف بكلام الدكتور الظواهري عندما قام بإعلان البيعة للملا أختر منصور عندما اشترط في البيعة شروطا كثيرة هي أشبه بالتعجيز منه إلى البيعة.
كان خطاب الجولاني حين سئل عن موقفه في حال قبول بعض الفصائل بمخرجات الرياض مليئا بالتعالي عندما جزم بأن الجنود لن يطيعوا قياداتهم، وبغض النظر عن صحة هذا في الواقع، فإن الحرص على طيب العلاقة بين جميع الفصائل يقتضي أن تكون عباراته في هذا الجانب تحفظ الإخاء والترابط والتعاون بين جميع الفصائل بحيث يعبر عن رأيه بعيدا عن هذه اللغة المليئة بالامتهان والتعالي والتحدي.
وعندما سئل الأخ أبو محمد عن عجزهم عن الحسم لم يكن من جواب إلا أن قال: "والنظام أيضا غير قادر على الحسم"، والمقصود هنا الحسم العسكري فإذا كان يرى الأمر على ما هو عليه وقد شارفت السنة الخامسة من الثورة السورية على الانقضاء؛ فهل من الحكمة لمن يزعم القيادة أن يقطّع كل أدوات القوة السياسية والاجتماعية في سبيل قوة عسكرية عجزت عن الحسم كما عجز عدوها عن الحسم معها ليكون المسحوق الوحيد فيها هو الشعب المسلم في الشام! عجباً
بشر الجولاني بقرب الحسم زاعماً أن النظام على وشك الانهيار ولذلك يرى أن احتلال الروس ومؤتمر فيينا وبعده الرياض إنما جاء لإنقاذ النظام وإعادة إحيائه، وجعل هذا دليلا على نجاعة العمل العسكري.
وعند التأمل فإن هذا هروب حقيقي من استحقاق السؤال عن عجز الحسم العسكري بمفرده، فإن هذا الذي ذكره عليه وليس له، فالعجز عن الحسم العسكري من الطرفين مع بداية تحركات بقوى ضغط سياسي واجتماعي داخل سوريا وخارجها لإعادة إحياء النظام، أدعى وأوجب لكي يبدأ العمل بقوى الثورة السياسية والاجتماعية وصولا إلى حل يجمع بين القوة العسكرية والاجتماعية
والسياسية.
وهذا ما وصل إليه الشيخ عبد الله المحيسني أخيرا في نداءاته الأخيرة التي نادى فيها بحل جيش الفتح وإنشاء تكتل عسكري سياسي اجتماعي قضائي شامل، هذا الحل الذي كان القادة في أحرار الشام رحمهم الله يسعون إليه من خلال مشروع "مجلس قيادة الثورة" ثم بعد ذلك جهود الجناح السياسي منذ سبعة أشهر من خلال اجتماعات لكبرى الفصائل بحثا عن مجلس قيادة سياسي موحد
تجتمع عليه الثورة السورية في الداخل لتمثيل الثورة بشكل حقيقي، إلا أن هذه الجهود لطالما جوبهت بالتعطيل وإلى الله المشتكى.
تناقض الجولاني مرة أخرى فقد سبق له أن تحدث عن مؤتمر الرياض الذي اعتبر مجرد حضوره خيانة ثم تراجع ليقول أن الموافقة على مخرجاته هو الخيانة، ليتناقض هنا مرة أخرى حين تحدث عن الفصائل الثورية المجاهدة أنها تعتمد على الدعم الخارجي فضغط عليها بما يخص مؤتمر الرياض وهذا لكونها مرتهنة إلى الضغط الخارجي بسبب الدعم، ولكنه في موضع آخر من المؤتمر الصحفي قال:
"وكذلك باقي الفصائل أنا لا أشعر أن هناك ضغط على فصائل هذه منطقة خط أحمر لا أحد يدخلها وهذه المنطقة خط أخطر فيدخلونها". مما ينبيك عن مدى الاضطراب وغياب واضح للرؤية، وقى الله أهل الشام شر الاضطراب والارتجال.
تحدث الأخ أبو محمد الجولاني عن الهدن في الوعر والغوطة واعتبر الساعين فيها متورطين بذلك في سياق التمهيد لمؤتمر الرياض!! إلا أنه احتاط لنفسه عندما تجنب الحديث عن تحليل الأمر أو تحريمه لأنه يعلم أن هناك بحثاً طويلاً في الضرورة والإلجاء في مثل هذه الحالات، خاصة مع الوضع المزري للناس في الغوطة الشرقية وفي الوعر. فعاد الأمر مجرد تخوين وتشكيك بعيد عن المنطق والمحاججة الشرعية.
مطالبة أخينا أبي محمد الجولاني الشعبَ بنسائه وأطفاله أن يصبر إذ اختار الشعب حمل السلاح؛ كلام لا يقوله قائد دون أن يكون هناك سير بهذه الناس نحو الأصلح مع الصبر:
1. لأن القائد الحقيقي يسير بسير أضعف الناس وكان فقه السلف الصالح في العزائم والرخص، بحسب حالهم فالأخذ بالعزائم لأنفسهم والأخذ بالرخص عند قيادتهم للناس والضعفاء.
2. إن من قام بالتسلح والعمل المسلح فئات قليلة من الشعب رأت حتمية الطريق نظرا لزيادة القتل الذي يحصل من قبل النظام للمتظاهرين والمطالبين بحقوقهم، وليس هو خيار سواد الشعب السوري إطلاقاً
3. كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حوصر في شعب مكة حتى أكلوا ورق الشجر إلا أنه نقض الوثيقة بالتواصل من خلال تحالف بين فئام من قبائل العرب المشركة التي أبت الضيم والظلم على بني هاشم، فكان هناك صبر وسياسة وتواصل وعلاقات أدّت إلى نقض وثيقة حصار الشعب.
4. على القائد أن لا يشغله الهدف البعيد عن رعاية شؤون من يحتمي بهم ويجلس بينهم بحجة وجوب استمرار القتال وصولا إلى الدولة الإسلامية وهو عاجز عن مجرد دفع الصائل منذ خمس سنوات، فالانشغال بالواجب الموسّع (وهو السعي للدولة الحاكمة بالإسلام) في مقابل تأخير دفع الصائل وهو الواجب المضيّق، إثم من وجهين:
الأول أنه أخلّ بأداء الواجب العاجل الذي لا يصحّ تأجيله وهو دفع الصائل، والثاني فشله في تحقيق الواجب البعيد الموسّع الذي لم يطلب منه الله سبحانه وتعالى فعله في الحال وإنما العمل لتحقيقه على قدر الوسع والإمكان دون ان يؤثر على قيامه بواجباته العاجلة الآنية.
والقاعدة الفقهية واضحة في وجوب تقديم الواجب المضيّق على الواجب الموسّع عند التزاحم والتعارض بينهما.
لقد وقع أخونا أبو محمد الجولاني من حيث لم يشعر بالمنّ على أهل الشام بحديثه عن فصيله إذ قدم الأرواح والدماء!! وخفي على المسكين أن رجاله هم أبناء وفلذات أكباد هذا الشعب!!
فالشعب هو الضحية في كل الحالات.
إن فقه الجهاد فقه مقاصدي وعندما يصبح الجهاد لتحصيل الخلافة أو الحكم الإسلامي أو قتال أمم الكفر مجتمعة، أو تصفية الخلافات المنهجية والعقدية بين المختلفين من المسلمين، سببا في تأخر واجب دفع الصائل الذي دخل عامه الخامس بمليون قتيل "وفق تقديرات الجولاني!!" بل وزادت حصيلة القتل اليومية الآن عن ذي قبل، مع نزوح بالملايين وموت للناس بين جوع وبرد وعلى
طرق الهروب إلى المجهول، في مشهد حزين لشعب مسلم، أراد أن يتحرر من الطواغيت فابتلاه الله سبحانه بمن يقود الجموع دون حكمة ولا مراعاة للمصالح والقواعد الشرعية والفقهية التي تعين القيادات على أخذ القرار الصحيح، ناهيك عن التنازع في مسائل الخلافة والحكم في وقت يعجز فيه الجميع عن إدارة منطقة صغيرة فترى تنازع المحاكم وتنازع القوى العسكرية وتنازع الموارد في جو
شبيه بأمراء الحرب إلا قليلا.
وفي ظل غياب الرؤية نرى أن الغلاة ـ الذين نحذر النصرة دائما من مغبة غلبتهم عليها ـ يجنحون نحو الحل الشبيه بحل تنظيم البغدادي الأثيم القاتل، وإلى الله المشتكى.
لقد تحدث الأخ أبو محمد الجولاني عن توازع المصالح بين روسيا وإيران بل وربما لو تأخر مؤتمره الصحفي لتحدث اليوم بعد صدور القرار الأممي بحق سورية عن توازع المصالح العالمي بين الدول باتفاق حول سوريا رغم كل خلافاتهم وصراعاتهم على العالم، في مقابل تنازع ـ لا توازع ـ مصالح داخلي بين أبناء الجسد الواحد في هدم هستيري للترابط الاجتماعي الداخلي الحامي للقوة الاجتماعية وهدم هستيري للاستقرار العسكري بالتنازع على مناطق السيطرة والحكم بين الفصائل، وبالتخريب المتعمد لكل محاولات توحيد المواقف السياسية لقوى الثورة الداخلية، في جمود لا يرى إلا القتال سبيلا دون أفق ولا رؤية حقيقة للحل باعتراف الجولاني نفسه بعدم قدرته على الحسم عندما أجاب "والنظام أيضا غير قادر على السحم"!! عجز في القوة القتالية وهدم وقتل لكل القوى سياسيا واجتماعيا تسند القوة العسكرية وتزيد من قدرتها على الحسم في المستقبل!.
لم يتكلم الأخ أبو محمد الجولاني بالحقيقة عندما زعم أن دور القضاء مستقلة وأن النصرة ترعاها فقط، في حين أن الجميع يعلم تبعيتها لهم، غير أنه تفلتت منه معلومة تفيد عكس ما يدّعيه تماما عندما ذكر بأن لجنود جبهة النصرة سجناً خاصة "غرفة خاصة" بهم في دور القضاء. ولست أدري لم يكون للنصرة دون غيرهم من أمة الإسلام غرفة خاصة بهم!!
ولا يزال خطاب القاعدة ـ بكل أسف ـ يتحدث عن الانتصارات والإنجازات وعندما تحدثهم عن النتائج التي يُقاس عليها حجم الانتصار، لا يزيد عن ذكر مسائل الإثخان وتحركات إعادة انتشار جيوش العدوّ الكافر من حرب مباشرة إلى حرب بالوكالة، والنتيجة عندما واجه الصحفي الأخ أبا محمد الجولاني بذلك حين وضعه في حقيقة أن من يحكم اليوم في العراق وأفغانستان هم حلفاء من يزعم هزيمتهم لم يزد إلا بالقول: "الحرب لم تنته"!
إن قتال الجماعات والعصابات في دفع الصائل يجب أن تكون على قدر دفع الصائل، تحقيقا لأمن المسلمين، ومن يريد أن يقاتل لأجل إعادة الخلافة وإسقاط النظام العالمي فلا يفعلها بين أظهر سواد الشعوب المسلمة مستغلا تحركاتها البطيئة الثابتة باتجاه حريتها وكرامتها، مع علمها بضرورة دفع الضريبة، إلا أن هذا لا يكون إلا بقيادة حكيمة تمضي بهم في طريق يحفظ الضرورات الخمس لا أن يستنزفها، وهذا ما يغيب في رؤية الفكر الجهادي القاعدي بكل أسف.
وأخيرا لقد اعتبر الأخ أبو محمد الجولاني أن الارتباط بالقاعدة لن يغير من الأمر شيئا وقد أخطأ في ذلك وتعدّى وظلم، وقد قالها أميره ومن بايعه "د. الظواهري" أن أبا محمد الجولاني قد أخطأ بإعلان تبعيته للقاعدة دون إعلام وإخطار!!
وختاماً، فإن مثل هذه اللغة التي خرج علينا بها الأخ أبو محمد الجولاني من شأنها أن تزيد الساحة الشامية تشرذما وتنازعا، في ظل وضع متأزم تتداعى فيه الأكلة على قصعتها.

وصلى الله على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
 

 

 

صفحة الكاتب على فيسبوك

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع