..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الخيارات السياسية لا تشبه اختيار ملابسنا

غازي دحمان

١٨ ديسمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3126

الخيارات السياسية لا تشبه اختيار ملابسنا
دحمان +++.jpg

شـــــارك المادة

تكاد التبدّلات التي تجريها بعض الدول على خياراتها ومواقفها تشبه إلى حد بعيد سلوك الناس العاديين في اختيار ألوان ملابسهم، بما تنطوي عليه من مزاجية واستسهال في اتخاذ القرار، مع الفارق الهائل بين الخيارات السياسية التي يجري تصميمها نتيجة عمليات تقدير وفحص ومراقبة وموازنة المصالح والمبادئ السياسية، وبين نماذج الملابس التي يجري تصميمها لمراعاة الذوق العام وتوافقها مع منظومة القيم السائدة أو تلك الطالعة.

بين ليلة ويوم، ونتيجة لحادث، قد يكون عرضياً، أو لن يتكرر بذات القوة، تذهب كتلة وازنة من الدول الغربية إلى تبديل خياراتها السياسية في سورية، وتدعو إلى تأهيل نظام قتل مئات الآلاف من البشر، الذين وإن لم يكونوا من الجنسية الوطنية لتلك البلدان، إلا أنهم من الجنس البشري الذي أجمعت كل الادبيات السياسية المؤسسة للعصر الحديث على وحدته ودعت إلى ضرورة حمايته، بل توصل المجتمع الدولي وفي لحظة تجلّ إنسانية إلى التواضع على وثيقة «مبدأ مسؤولية الحماية» التي تدعو الى تحّمل «مسؤولية حماية» الشعوب من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

إلى ذلك، لم تعد الخيارات السياسية، ورغم حق السيادة المصان لجميع الوحدات السياسية، حقاً يسبح في الفضاء وغير مقيد، بل هو حق مشروط بجملة من المحدّدات، مثل توافقه مع القانون الدولي والالتزامات التي يرتّبها على الأسرة الدولية، وكذلك مدى تأثير هذه الخيارات على السلم والأمن الدوليين، وفي النهاية وقوعها تحت سقف المبادئ السياسية والحقوقية التي أقرتها المواثيق المؤسّسة للنظام الدولي المعاصر «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية».

واستتباعاً، فإن المنطق الطبيعي لتطور القيم السياسية والقواعد الناظمة للاجتماع الدولي هو الانطلاق من جملة هذه المرتكزات باتجاه تطويرها للأفضل وبما يخدم تطور المجتمعات البشرية في المستويات السياسية وفي مجالات الديموقراطية وحقوق الإنسان، باعتبارها تمثل قيماً عالمية لا يجوز التراجع عنها بل الاستمرار في دعمها وتطويرها.

وأول ما يستدعي ذلك، رفض كل محاولات النكوص عن هذه القيم، التي يفترض أن تكون الخط الأحمر الأول في التعاطي الدولي، واعتبار أنها قضية تستحق بذل التضحيات في سبيلها، وبالتالي تقدير وقوع الأخطار في هذه المواجهة، وهي بهذا المعنى لا تعني اصطفافاً او تفضيلاً لطرف مقابل طرف آخر بقدر ما هي مصلحة عالمية تخص حرية البشرية وتطورها.

كيف يمكن فرز المصالح الوطنية وتصنيفها لأي دولة ما لم يكن من خلال انحياز مواقفها إلى جانب قيم الحق والعدالة في ظل عالم متداخل بدرجة كبيرة وفي ظل سهولة انتقال عناصر الفوضى والإرهاب؟

وطالما أن الدول تضع مواقفها في إطار المفاضلة بين طرف وآخر قياساً إلى ما يحققه لها من مصالح أمنية آنية زائفة، وكيف يمكن توقع الحصول على الأمن والاستقرار فيما تشتعل النيران على التخوم؟

لقد أثبتت أحداث التاريخ أن الانتهازية السياسية هي مقتل التفكير السياسي السليم وعنوان الجبن السياسي الذي كان الدينامية التي شكلت اسطورة القادة المجرمين حيث تحولت معاركهم إلى حروب جوالة تتنقل في ساحات العالم وما أن تنهي جولتها في مكان حتى تستعد للانقاض والظهور في مكان آخر، وفي حالنا الراهنة، إذا سكت العالم على بوتين فالمشكلة لن تكون سورية أو أوكرانيا، بل الساحات التالية لهما.

أحياناً كثيرة يختلط الأمر بين العقلانية والواقعية السياسية وبين الانهزامية والاستقالة عن مواجهة الأخطاء، وهي في الواقع ليست أكثر من نمط سيئ من إدارة الأزمات يتم اللجوء فيه إلى خيارات مضللة تبدو أنها تضمن السلامة، وللأسف هذه اللحظات كانت هي الأكثر سيادة في تاريخ السياسة العالمي فيما كانت لحظات الاستجابة للتحديات بمثابة ومضات في تاريخ البشرية لكنها كانت وراء صناعة الانعطافات التاريخية الأكثر أهمية في تاريخ البشرية.

 

 

 

الحياة اللندنية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع