عبد الوهاب بدرخان
تصدير المادة
المشاهدات : 3074
شـــــارك المادة
يتبيّن أكثر فأكثر أن الاستهداف الروسي لتركيا، بعد إسقاط الطائرة الحربية، يبتعد عن الحادث نفسه، بل يغلق السبل إلى معالجته، ليباشر وضع أسس لسياسة روسية مرتبطة مباشرة بـ «الصفقة الشاملة» التي تتطلع إليها موسكو من وراء تدخلها في سوريا. وقد ترافق الهياج ضد تركيا بمحاولة لاستمالة الأكراد، سواء بإبداء الاستعداد للتعاون مع «وحدات حماية الشعب» التابعة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» المتفرّع عن «حزب العمال الكردستاني»، أو بالتلويح بتحريك ورقة الأكراد الأتراك الذين يلعب «الكردستاني» (بي كي كي) استقطاباً ودوراً محوريين في قيادة طموحاتهم السياسية كما يشكّل الخلفية الشعبية لـ «حزب الشعوب الديمقراطي» التركي الذي ظهر للمرة الأولى في دورتي الانتخابات البرلمانية الأخيرتين (يونيو ونوفمبر 2015) باعتباره ممثلاً للأكراد. وأظهر ترابط الأحزاب الثلاثة، «الاتحاد اليموقراطي» السوري و «الشعوب الديمقراطي» التركي و «الكردستاني»، بأذرعها السياسية والعسكرية، أن «الورقة» الكردية جاهزة وساخنة لمن يريد وضعها على الطاولة في المساومات الإقليمية - الدولية.
ولا شك أن الطرف أو المحور الأكثر واستعداداً للعب بهذه الورقة يتمثّل بالنظامين الإيراني والسوري، إذ لم يتوقفا عن التعاون والتنسيق مع الـ «بي كي كي» إلى حدّ أنهما تمكّنا من استخدامه في أكثر من فرصة خلال الأعوام الماضية لتوجيه إنذارات لأنقرة، وكان لهما دور في تحريض جناحه المتشدد المتمركز في جبال قنديل وتشجيعه على إحباط «عملية السلام» التي هندسها رئيس الاستخبارات التركية مع الزعيم التاريخي لـ «بي كي كي» عبدالله أوجلان المسجون منذ 1999. وهكذا لم تجد روسيا عناء في وضع جهود حليفيها الإيراني والسوري في سلّتها، بل إنها تبنّت كل ادعاءاتهما. فمنذ العام 2012 دأب رئيس نظام دمشق على اتهام تركيا بـ «دعم الإرهاب»، وهذا تفسيره لدعمها المعارضة السورية بشقّيها السياسي والمقاتل، ويستخدم الرئيس الروسي الآن هذا الاتهام فيوسّعه ليدّعي أن الدعم يشمل تنظيم «الدولة الإسلامية» - «داعش»، ليكسب بذلك مزيداً من الجمهور الروسي المناوئ وحتى «المشيطن» لتركيا، وبالتالي يمنح تدخله في سوريا ما يظنّه «شرعية» عالمية. وكان فلاديمير بوتين هو من حدّد شخصياً محاربة إرهاب «داعش» هدفاً رئيسياً لذلك التدخل، وهو لم يتضح بعد، ولو أنه اكتفى بالهدف «الحقيقي»، أي حماية نظام بشار الأسد ومنع سقوطه، لما استطاع أن يضفي على دوره أي بعد «أخلاقي»، كونه يعرف جيداً أن الأسد بات حاكماً منبوذاً عالمياً منذ زمن. يتخذ المسعى الروسي حالياً بعداً استراتيجياً واضحاً في انحيازه إلى الخطط الإيرانية والاستلهام منها، إذ يرمي إلى شطب تركيا من المعادلة الإقليمية التي يُفترض أن تنبثق من تسوية أزمتي سوريا والعراق، إما بمنحى انتقامي ظاهره معاقبتها على إسقاط الـ «سوخوي 24» وباطنه منعها من التدخل أو السعي إلى منطقة نفوذ في سوريا، أو بما استجدّ أخيراً من انقلاب حكومة بغداد على موافقتها على دخول عسكريين أتراك لتدريب المتطوعين لقتال «داعش» من أبناء العشائر العراق السنّية في نينوى والأنبار. ومن الواضح ألا قيمة للأزمة المثارة عراقياً ضد «الوجود التركي»، فالجميع يعلم أنها مفتعلة ومضخّمة بفعل الضغط الإيراني على بغداد، لكن موسكو تلقّفتها لتواصل بها حملتها على أنقرة. غير أن هذا المسعى الروسي (- الإيراني - الأسدي) لاستخدام الأكراد يواجه تعقيدات. فأي تسوية كبرى لا بد أن تتمّ بالتفاهم أولاً مع الولايات المتحدة، وهذه اعتمدت دائماً على تركيا ركيزة لاستراتيجيتها الإقليمية، ومهما بلغت السلبيات -وهي كثيرة في سياسات واشنطن- يصعب أن تبلغ حدّ السير في زعزعة الكيان التركي الحالي الذي لم يفقد أهميته وضرورته لأميركا وحلف الأطلسي (الناتو). ورغم أن أميركا أبدت تأييداً لطموحات الأكراد، بدليل ضمانها لاستقلالية إقليم كردستان العراق، وغضّها النظر عن أنشطة «حزب الاتحاد الديمقراطي» لإقامة إقليم مماثل في شمالي سوريا بمحاذاة الحدود مع تركيا، إلا أنها فعلت ذلك برضا المكوّنات العراقية وتوافقها على الفيدرالية في دستور 2005. أما بالنسبة إلى أكراد سوريا فالأرجح أنها لم تحسم الأمر بعد نظراً إلى أن الأكراد السوريين أنفسهم ليسوا جاهزين ولم يملكوا بعد مقوّمات إقامة كيانهم الخاص، وكذلك لأن علاقة الـ «الاتحاد الديمقراطي» مع نظام الأسد ومع طهران والـ «بي كي كي» وخصومته مع المعارضة السورية ومع إقليم كردستان العراق لا تشكّل عناصر مقنعة للأميركيين كي يثقوا به.
هذا لم يمنعهم طبعاً من دعم مقاتلي «الاتحاد» (وحدات حماية الشعب) لمقاتلة «داعش» وإخراجه من عين العرب (كوباني) أوائل هذه السنة، ولا يمنعهم حالياً من اعتماده والتعويل عليه في تشكيل قوة برّية لمهاجمة التنظيم في الرقّة رغم امتعاض العديد من أطراف المعارضة وداعميها الإقليميين الذين يعتبرون أن ارتباطات «الاتحاد الديمقراطي» واتصاله بالروس ستخلق تعقيدات إضافية، وستجعله يُضع مشاركته في القتال ضد «داعش» لمساومات مبكّرة ذات علاقة بالإقليم الذي يريد إنشاءه. كثيرون يعتقدون أن ثمة تأييداً غير معلن من الثنائي الأسدي - الإيراني لمشروع الإقليم الكردي في سوريا، وكلما بوشر به عاجلاً وتظهّرت معالمه كلما تأكّدت دمشق وطهران أن هدفها من الصراع في سوريا سيتحقق، إمّا بالتقسيم الفعلي أو بالفدرلة التي ترجّح كفّتهما بعدما أصبح الوجود الروسي على الأرض حاسماً في منع إسقاط النظام وفي التأثير على أي تسوية سياسية.
وبمعزل عن خطأ عدم دعوة «الاتحاد الديمقراطي» أو صوابه إلى مؤتمر الرياض فإن المؤتمر الموازي الذي انعقد في شمالي سوريا شكّل إعلاناً صارخاً بأن أكراد «الاتحاد» جزء لا يتجزّأ من «المعارضة» التي صنعتها إيران وتجد الآن أنها فشلت في تسويقها.
العرب القطرية
علي العنزي
زياد الشامي
فيصل القاسم
باسل العودات
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة