عبد الوهاب بدرخان
تصدير المادة
المشاهدات : 2788
شـــــارك المادة
ثلاثة عوامل لعبت دوراً محفّزاً للإسراع في البحث عن حل سياسي ينهي الأزمة السورية. أولها التدخل العسكري الروسي، وثانيها تدفق المهاجرين على أوروبا، والثالث يتعلّق بضرورة تخليص مناطق سورية وعراقية من سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف بـ «داعش». كان حجم الخسائر البشرية ومشروعية مطالب الشعب السوري واستشراء الفوضى والدمار العمراني دوافع كافية لدفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حاسم لوقف هذه المأساة الدموية، إلا أن الانقسام الدولي والسلبية التي اتّبعتها روسيا والصين والتدخل الإيراني المباشر لمصلحة النظام السوري حالت دون أي تحرّك، ليس فقط لمعالجة الأزمة برمّتها بل عطّلت أيضاً أي إجراء لحماية المدنيين أو حتى لإيصال المساعدات الضرورية إليهم. منذ السنة الأولى لهذه الأزمة أصبح مفهوماً أنها لا تُحسم إلا بتدخل دولي، وأن تدخلاً كهذا ينتظر حدثاً يستدعيه. وقد لاح مثل هذا الحدث مرّتين: الأولى عندما اعتبر الرئيس الأميركي أن استخدام السلاح الكيماوي المحظور دولياً «خطاً أحمر»، وبعدما استُخدم هذا السلاح فعلاً (أغسطس 2013) أعلن باراك أوباما أنه سيأمر بضرب أهداف في سوريا، لكنه سرعان ما فضّل تسوية مع روسيا قضت بتدمير المخزون الكيماوي لدى النظام السوري، الذي احتفظ مع ذلك ببعض مخزونه وواصل استخدامه ضد معارضيه. والمرة الثانية عندما سيطر تنظيم «داعش» على أجزاء من العراق وسوريا (يونيو 2014) وأنشأ ما سمّاها «دولة إسلامية» اعتبرت دولياً مجرّد كيان يستورد المتطرفين ويصدّر الإرهاب، وبالفعل جرى تشكيل «تحالف دولي» هدفه محاربة هذا التنظيم وإضعافه وبالتالي إنهاء «دولته»، غير أن مسار «الحرب على الإرهاب» لا يبدو فاعلاً بعد نحو عام على بدئها. كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب والأوروبيون أدركوا باكراً خطر استشراء الإرهاب، ورغم المعلومات التي توفّرت لدى الإدارة الأميركية عن دور النظامين السوري والإيراني في تسهيل تسرّب الجماعات الإرهابية من العراق إلى سوريا لاختراق مناطق سيطرة المعارضين، إلا أن ذلك لم يوفّر الإرادة الكافية لبلورة أي خيارات تمنع هذا الاحتمال، ومن ذلك مثلاً دعم «الجيش السوري الحرّ» أو ما اصطلح على تعريفها بـ «المعارضة المعتدلة».
وبعدما أصبح هذا الخطر داهماً بل واقعاً فعلاً، واصلت واشنطن تردّدها وأشاعت الحيرة والبلبلة والاستياء في صفوف حلفائها الراغبين في دعم المعارضة. وحتى بعدما تبيّن أن «داعش» يجنّد أفراداً في أوروبا والولايات المتحدة، وحصول عمليات قتل في باريس ومحاولات لتنفيذ عمليات في عواصم أخرى، فضلاً عن مجازر في تونس وسيطرة على منطقة سرت في ليبيا، لم تتغيّر استراتيجية الحرب على الإرهاب ولم تتحرك الدول المشاركة إلى معالجة الأزمة السورية كخطوة لا بد منها لاحتواء «داعش» ودحره. منذ بداية هذه السنة توالت التراجعات والهزائم التي وضعت النظام السوري على شفير الانهيار. وقد بذل الحلفاء الإيرانيون، عبر «حزب الله» اللبناني وميليشيات من جنسيات مختلفة، محاولات لاختراق بعض الجبهات، إلا أنهم لم يفلحوا في تخفيف الضغط المركّز على دمشق ومناطق أخرى لا تزال في يد قوات النظام؛ لذلك خلصت دمشق وطهران إلى أن «الحسم العسكري» الذي سعتا إليه دائماً لم يعد ممكناً، وأن الوقت حان لطلب مساعدة الحليف الروسي، فهو الوحيد القادر بصفته دولة عظمى على توظيف قوة جوية كبيرة لتغيير المعادلة العسكرية ومن ثَمَّ لفرض نتائجها على أي حل سياسي.
وطبعاً، كان على الرئيس الروسي، الغارق في أزمة أوكرانيا التي عززت شعبيته داخلياً، أن يجد مبرراً مقنعاً لتسويق تدخله في سوريا فكان العنوان العام، وهو «محاربة داعش» لتقليص الخطر الإرهابي المحدق بروسيا من خلال المقاتلين الشيشان والقوقازيين الذين يجندهم هذا التنظيم. لكن، في غضون ذلك، كانت شهور الصيف فترة عصيبة لأوروبا التي شهدت حدودها الشرقية اجتياحاً غير مسبوق من قوافل اللاجئين الذين فرضوا واقعاً جديداً عليها. أكثر من سبعمائة ألف مهاجر توزعوا في مختلف أنحائها ونشروا فيها أزمات داخلية لا تزال في بداية مفاعيلها السياسية. وكان بديهياً أن يستنتج الأوروبيون أن الصراعات المحتدمة في سوريا والعراق وحتى أفغانستان هي التي قذفت إليهم بهذا العبء المكلف، لكنهم تأكدوا بأن دولاً أخرى أسهمت بشكل أو بآخر في هندسة هذا الاجتياح، ولذلك أصبحوا أكثر استعداداً لقبول أي حلول توقف زحف المهاجرين.
في الوقت نفسه كانت موسكو تستكشف المواقف وتعرض سيناريوهات لتحريك الوضع سياسياً، لكن فلاديمير بوتن لم يشر إلى تدخله العسكري الذي كان يعدّ له منذ شهور ولم تستغرق تحضيراته الأخيرة سوى أيام معدودة. بعد أسبوعين من الضربات الجوية تأكد للدول المعنية كافةً أن الروس جاؤوا لنجدة النظام ومساعدته على تحسين وضعه الميداني، وظل استهدافهم لمواقع «داعش» محدوداً جداً. كان ذلك مناقضاً لتعهدات روسية بالعمل على حل سياسي، فمن شأن الضربات الموجهة إلى المعارضة أن تقصي أي احتمالات لمثل هذا الحل، كما أن الإخلال بالمعادلة لا بدّ أن يحفز الأطراف الداعمة للمعارضة على تطوير سلاحها، وهو ما ظهرت بوادره الأولى في المعارك البرّية؛ لذلك اضطر الروس لمراجعة خططهم ووجدوا أن تحريك الحل السياسي يمكن أن يجنبهم تعقيدات لا يسعون إليها، فهم ألزموا أنفسهم بثلاثة محددات: سقف زمني معين للتدخل الجوي، وعدم التورط في نزاع طويل متصاعد، وعدم إرسال قوات إلى الأرض. كما أنهم يريدون فعلاً محاربة «داعش» لكن الطريقة التي اختاروها، بإقامة تحالف موازٍ مع إيران والعراق، قد لا تحقق هذا الهدف. ونتيجةً لهذه المراجعة استدعت روسيا بشار الأسد، ثم ذهبت إلى فيينا، وحدها في خطوة أولى، ثم مع إيران...
العرب القطرية
خطار أبو دياب
زكي الأخضر
محمد أبو رمان
محمد نور الدين
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة