علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 4105
شـــــارك المادة
قال وزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف إن الولايات المتحدة رفضت المشاركة بوفد عسكري رفيع المستوى في موسكو لمناقشة سبل التعاون في الحرب السورية، ورفضت أيضا أن تستقبل وفدا روسيا. وقد فسر البعض هذا التصريح على أنه دليل إضافي على حجم الخلاف بين الطرفين الأميركي والروسي بشأن سوريا، وعلى أن التدخل الروسي في سوريا قد حصل رغما عن إرادة واشنطن.
الحقيقة أن مثل هذا التقييم ليس على قدر كاف من الدقة لعدة اعتبارات، أهمها أن الواقعة المشار إليها، والتي نشرت قبل أيام، إنما تعود في حقيقة الأمر إلى شهر سبتمبر الماضي، أي قبل انطلاق العمليات العسكرية الروسية بحجمها الكبير. كما أننا نعلم تماما أن الولايات المتحدة استجابت لاحقا للطلب الروسي بإنشاء قناة تواصل عسكرية إثر انطلاق العمليات في سوريا، وقد عقد مسؤولون عسكريون من الجانبين ثلاث جولات حتى الآن، وهناك حديث عن قرب التوصل إلى اتفاق، لكن دون أن يتم التوسّع في المواضيع المطروحة فيها. وبعيدا عن السجالات الإعلامية بين الجانبين الأميركي والروسي إزاء الوضع في سوريا، فإن هناك حقائق قائمة تشير إلى أن قائمة التوافق المبدئية بين الطرفين حول الملف السوري طويلة وتشمل على الأقل أربع نقاط أساسيّة، هي: أولا: أولوية محاربة «داعش» بالنسبة للجانب الأميركي فإن الأولوية في سوريا هي لمحاربة «داعش» وليس لإخراج الأسد من السلطة.
هذه الأولوية ليست جديدة أو طارئة، ومعظم السياسات الأميركية تتمحور حولها على الأقل منذ العام 2014 إن لم نقل قبل هذا التاريخ أيضا. في المقابل فإن الجانب الروسي يؤكد أيضا بشكل متكرر (نظريا على الأقل) على أن هدفه الأساسي هو محاربة «داعش»، وهو بالتأكيد ليس مهتما بتاتا بإخراج الأسد من السلطة، وإنما كما يبدو واضحا الآن بإبقائه مع تمتين ما تبقى من نظامه، وهو ما يقودنا إلى الحديث عن النقطة التالية. ثانيا: الحيلولة دون انهيار النظام السوري. منذ بداية العام الحالي والجانب الأميركي يعبّر عن تخوّفه في الجلسات المغلقة من انهيار نظام الأسد وإمكانية سيطرة «داعش» والفوضى على سوريا والمشهد العام. نفس الهواجس تسيطر على حسابات روسيا مؤخرا. الحيلولة دون انهيار نظام الأسد يعدّ من العوامل الأساسية التي دفعت موسكو للتحرك الآن عسكريا في سوريا. ثالثا: عملية سياسية موجّهة تفاديا للمخاطر الناجمة عن العنصرين السابقين تسعى إدارة أوباما مؤخرا لإنجاز عملية سياسية موجهة في سوريا، وهي تحث روسيا على المشاركة فيها بذريعة أن عملية كهذه ستسمح بالتحكم بالمخرجات، وبالتالي صيانة المصالح الروسية على المدى البعيد عبر النظام السياسي الجديد الذي هو في حقيقة الأمر عبارة عن النظام القديم المطعم بعناصر جديدة. روسيا لا تعارض بالمبدأ هذا الأمر، وأطلقت عدّة منصّات سياسيّة تحضيرا لهذا الغرض، وهي تقوم الآن بنشاط دبلوماسي بموازاة العمل العسكري الذي تنفذه في سوريا من أجل التحضير سياسيا لمرحلة لاحقة على هذا الأساس. رابعا: دور أكبر لروسيا في الملف السوري. تريد إدارة أوباما التأكيد دوما على ضرورة أن يكون هناك دور أكبر لروسيا في الملف السوري، هذه المعزوفة تكررها الإدارة الأميركية على الدوام منذ عدّة أشهر. أما الجانب الروسي بالتأكيد فلا يمانع، وقد فرض نفسه أصلا كلاعب بدور أكبر عبر عملياته العسكرية. هذه النقاط الأساسيّة شكّلت لبنات التفاهم الأميركي الروسي في سوريا. لا يعني ذلك أن هناك تطابقا كاملا في الموقفين الأميركي والروسي؛ إذ لا تزال هناك خلافات على بعض التفاصيل المتعلقة بها أو بكيفية تنفيذها، وهو الأمر الذي يسبب ما نراه من تناقض في المشهد. أهم نقاط الاختلاف هذه تتمثّل في حجم الدور الروسي وحدوده؛ إذ يبدو أن موسكو تريد أن تلعب دوما دورا أكبر مما هو مفترض، كما أنّها تريد ألا تحصر هدفها في الملف السوري، وإنما أن تستغل ذلك من أجل قضايا ليس لها علاقة بسوريا أصلا، وهذا ما لم توافق عليه كليا إدارة أوباما حتى هذه اللحظة. أضف إلى ذلك أن هناك خلافا على موضوع رحيل الأسد، الأميركيون تنازلوا في هذا الموضوع إلى درجة القبول بإمكانية أن يلعب دورا في مرحلة أولى من العملية الانتقالية، على أن يرحل بعدها. أمّا الروس فلم يحددوا متى يرحل وكيف ولا يبدو أنّهم يريدون ذلك على الأقل الآن، وقبل أن يضمنوا أن هناك «بشّار» آخر يحل محلّه. البعض يطرح موضوع «صواريخ تاو» للتأكيد على أن التناقض بين من يقول بوجود اتفاق مبدئي على الخطوط العريضة بين الطرفين وبين حقيقة وجود صواريخ «تاو» في الميدان. هذا الموضوع يجب أن ننظر إليه من زاوية التأكد من ضبط أجندة موسكو في سوريا، وضرورة أن تبقى ضمن الحدود المسموح بها للعبة. أضف إلى ذلك أنّه لو كان التدخل الروسي قد تمّ في سوريا رغما عن إرادة واشنطن فعلا، فلا يتطلب الأمر من الأخيرة سوى رفع الحظر عن بضعة صواريخ مضادة للطائرات حتى نرى روسيا تجثو على ركبتيها مجددا.
العرب القطرية
برهان غليون
مجاهد مأمون ديرانية
مركز جسور للدراسات
صالح خريسات
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة